الدكتور عادل اليماني يكتب :وماسبيرو أيضاً يستطيع

 

ماسبيرو ، الأصالة و العراقة ، والماضي التليد .
الرواد الأولون ، والأَعلام المؤثرون ، فخامة النيل وعزُه ، جاء إعلامه ، ثم جاء الآخرون من بعده .
إعلام ماسبيرو ، كان اسمه ، الإعلام العربي ، وليس المصري ، فقد كان إعلام العرب ، كل العرب ، فهذا المسلسل العربي ، وذاك الفيلم العربي ، وهذه صوت العرب ، وتلك القرآن الكريم ..
في الماضي ، وفي جميع البلاد العربية ، كانت الحياة ، تتوقف تماماً ، إذ إعلام مصر يعرض مسلسلاً ، أو فيلماً ، أو حفلاً لأم كلثوم ، أو مباراة للأهلي والزمالك ، أو خطاباً لزعيم ..
ماسبيرو ، إعلام مصر الحقيقيُّ ، الذي ينصرها دوماً ، ويزود عنها باستمرار ، بلا مأرب أو غاية ، وفي ذلك ، ينطبق المثل البدوي الجميل : إن لزم الأمر ، فما لزيد إلا عمرو .
ما للدولة المصرية حقاً وصدقاً ، إلا إعلام ماسبيرو .
بضاعتُنا في ماسبيرو ( الكلام ) نبيعه لجمهور المتابعين ، إما كلاماً لا يحتاج لصورة ( إذاعة ) وإما كلاماً لا يكتملُ معناه ، إلا بالصورة ( تليفزيون ) ..
وكلامنا فيه ، يتوافق ويتناغم مع احتياجات الناس ، والذوق العام ، وقواعد الأدب واللياقة ، لا تجاوز ، لا مزايدات ، لا تصفية حسابات ، لا عمل وفق أجندات ، إلا الأجندة الوطنية الخالصة ، المنزهة عن الهوي .
رسالتنا في الإعلام ، غرس القيم ، واستنهاض الهمم ، ربما قصرنا فيها ، لأسباب تخصنا ، وأُخري لا تخصنا ، لكننا يجب أن نعود ، وحتماً سنعود ، ولذلك ننصح ، و لضمان وصول هذه الرسالة ، بدقة وسرعة وقوة ، باختيار الكلمة ، بعناية كبيرة ، واختيار المتحدثِين بها ، بعناية مماثلة ، إذ مرسل جيد ، مع كلمة ضعيفة = مردود ضعيف ، ومرسل ضعيف ، مع كلمة جيدة = مردود ضعيف أيضاً .
كما ننصح بأنْ يكون إعلامنا ، ناقلاً للواقع ، وكيلاً عن المواطن ، في آماله وآلامه ، ينقل الخبر ، ولا يصنعه ، يعرض الحقيقة ، لا شئ غيرها ، كالمرآة المستوية ، لا مقعرة تُصغر ( تهوين ) ولا محدبة تُكبر ( تهويل ) .
ولتحقيق هذه الرسالة ، يلزمنا مجموعة من الأدوات ، أهمها :
* البلاغة : وهي مطابقة الكلام لمقتضي الحال ، وبلاغة الإعلام ، في حُسن اختيار الموضوع ، في التوقيت المناسب ، و بالأشخاص المناسبين ..
* التشويق : وهو كلمة سر الإعلام الناجح ، ويتمثل في : سُرعة الإيقاع ، التصاعد ، الحبكة ، كسر الرتابة ، قتل الملل ، الاستدلال المنطقيِّ ، الاحتفاظ بسر الصنعة ، حتي تتر الختام ..
* خلع طربوش الإعلام ! ليحاكي العصر ، ويواكب الحداثة ، لكنْ ( بإسلوبه وطريقته ) فيجمع بذلك بين الحُسنيين ( الأصالة والمعاصرة ) .
* الرقمنة : وهي الجُزئية الحاكمة في إعلام المستقبل بماسبيرو ، والتكنولوچيا الحديثة ، هي الذراع الطُولي لتحقيق ذلك .
* البشر : وهم قوة ماسبيرو الضاربة ، وأبناء ماسبيرو ، ليسوا عبئاً عليه ، بل هم المُحملون أعباءً ! هم في الأساس ضحايا ، وليسوا مذنبين ، تماماً كما كان ماسبيرو نفسه ، ضحيةً للإبعاد والتهميش .
في أبنائه ، كفاءات الإدارة ، وكفاءات التشغيل ، وكفاءات المنافسة .
فقط ، نقوا ماسبيرو ، من هؤلاء الذين استأثروا بخيراته لأنفسهم ، ولأصحاب الحظوة لديهم ، وجعلوه جُزراً منعزلة ، وتندروا عليه ، بدلاً من مساندته وتطويره وتحديثه .
وكثيرةٌ هي التشوهات الهيكلية التي ابتُلي بها ماسبيرو ! ومنها :
* واقعياً ، نحنُ إعلام خدميُّ ، إلا أنَّنا مستندياً ، و بالقانون ، هيئة اقتصادية ، يجب أن تنفق علي نفسِها ، فكيف نفض هذا الاشتباك الخطير ؟
* كُلُّ الخدمات تُقدم مجاناً ! وكُلُّ التغطيات بلا مقابل ! فأين العدالة ؟ .
* منذُ عقود ، رقتْ قلوب الوزارات ، فقرروا ملياراً ومائتي مليون جنيه سنوياً ، مقابل هذه الخدمات الكثيرة والكبيرة ! وبقي هذا المبلغ المتواضع ، إلي يومنا هذا ، لم يتغيرْ ! ومازلنا ضحايا قانون ( ٢ مليم ) منذ عهد الملك فاروق ، علي كل كيلو كهرباء ! لصالح الإذاعة والتليفزيون ..
* الدولة مَدِينة ، لبعضها البعض ، لكنَّهم لا يتحدثون إلا عن ديون ماسبيرو !
أري من الإنصافِ ، إسقاط الديون عن ماسبيرو ، أو تخفيفها ، وهذا مطلبٌ عادلٌ ، وضرورةٌ مجتمعيةٌ ، والسماح للإعلام الحكومىِّ ، بتحصيل ضرائب ، أو رسوم بسيطة للغاية ، كالدول النامية المثيلة ، أو حتى الأوروبية والآسيوية ، والتصرف في أصول ماسبيرو العقارية ، بالاحتفاظ فقط ، بالمطلوب فعلاً ، وفي حدود الرشادةِ في الاستخدام ، وبيع أو تأجير ما تبقي ..
كما أري أهمية الشروع في إنشاء أكاديمية ماسبيرو ، لتكونَ كلية إعلام متخصصة ، تستعين بالكوادر الماهرة ، من أبناء ماسبيرو ، الحاليين ، والمحالين للتقاعد ، مع تعيين أوائل الخريجين منها بماسبيرو بالعقود . وكذلك إنشاء شركة متخصصة لتسويق ماسبيرو ، إعلامياً ودرامياً . ومواصلة أعمال ماسبيرو القديمة ، من سهرات درامية ، وأفلام التليفزيون ، والسباعيات ، وأضواء المدينة ، وغيرها .
كذلك تطوير معهد الإذاعة والتليفزيون ، وتكثيف الدعاية عن دوراته المتخصصة ، وتوقيع بروتوكولات تعاون بينَه ، وبينَ كليات الإعلام المختلفة ، فضلاً عن إعادة هيكلة قنواتِ ماسبيرو ، بدمج البعض ، وإلغاء البعض ، والبحث عن رعاة لبعض البرامج المهمة ، بأسعار تنافسية ..
لدينا مكتبة ماسبيرو ، وهي ثروة منسية ، تكاد تُختَزَل في قناة واحدة ! هذه المكتبة العامرة ، يجب أنْ تكون مادة أساسية في جميع القنوات .ونمتلك أرشيف التليفزيون ، الذي يمكن أنْ يتم بيع بعض مواده ، على أنْ تعود ملكيته ، بعد فترة زمنية ..
برامج ماسبيرو ، بعد تطويرها ، لا يليق أنْ تبقي بلا تنويهات مسبقة ، ولا يليق كذلك ، أنْ يتم عرضها مرةً واحدةً ، وتنقطع الاستفادة منها سريعاً ، فهذا يتعارض مع الرغبة الملحة ، في جذب المعلنين .
وأري أيضاً ، تقليص نسبة المساهمة فى مدينة الإنتاج الإعلامىِّ ، والأقمار الصناعية ، وما شابه .
وأخيراً ، القنواتُ الإقليميةُ :
من اليسير ، إعادة تشكيلها ، وتدويرها ، بتحسينها ودعمها ، وتعظيم الاستفادة منها ، فهي الضمانة الوحيدة ، لإعلام يشمل مصر كلها ، القناة وسيناء والدلتا والصعيد ، فهذه مصر الحقيقية ، هذه هي الجذور ، هذه بعض أهم صمامات الأمان ، إذ علمياً وعملياً ، لا يستطيع التليفزيون المركزيُّ ، تغطية الأحداث جميعها ، خاصةً البعيدة ، كذلك العادات والتقاليد والأعراف ، والأماكن والبقاع والآثار والكنوز ، التي عرفناها منذُ عُرِفَ التاريخ نفسه ، ونُقشت أسرارُها علي جدار الزمن ، والأنجح والأقدر والأسرع في ذلك ، هو الإعلام الإقليميُّ ، الذي يزخر بكفاءات متميزة ، قتلَها الإحباط واليأس ، من التغيير والإنصاف ، فالإعلام الإقليميُّ ، ضحية التنمر ، والتقليل من شأنه ، فالكاميرا المعطلة ، تذهب للإعلام الإقليميِّ ، والسيارة المتهالكة ، مآلها للإعلام الإقليميِّ ، وما يتبقي من فُتات الأجور ، هو نصيب الإعلام الإقليميِّ . ولو سألتَ أحد منظري آخر الزمان ، كيفَ تُحلُ مشكلاتُ ماسبيرو ؟ لأجابك ، دون تردد ، بلا علم ولا دراية ، وبثقة واطمئنان شديدين ، بغلق القنوات الإقليمية فوراً !!
وحتي لا تفارقنا العدالة في القول ، وتهجرنا الموضوعية في التقييم ، فإننا هُنا ، ونحن نتحدث عن ماسبيرو ، ومع التسليم التام بأنه ضحية ، لا نبرئ أنفسنا ، بل ندينها قبل أي شئ ، ونلقي باللائمة عليها ، فقد كان بالإمكان ، أفضل مما كان ، كان لزاماً علينا ألا نستسلم ، وأن نبقي كالمقاتل ، يحمل سلاحه ، لا يفارقه ، إلا إذا فارقت روحه جسده .
والآن ، نحن نستطيع ، بالإرادة نستطيع بالعمل نستطيع ، وأن نأتي متأخرين ، خير من ألا نأتي علي الإطلاق .
فقط نبدأ ، ولدينا رصيد كافٍ من التاريخ ، ليكون خير محفز ومعين ، نبدأ بالمتاح لدينا ، غير منتظرين لذهب السماء وفضتها ، حتي لا نضيع الممكن ، في سبيل المستحيل ..


 

عن ثراء زعموم

Check Also

عراقي من «الزمن الجميل» يعيش بصحبة 270 ألف شريط

يقف صباح السوداني في منزله ببغداد محاطاً بالآلاف من أشرطة الكاسيت المرصوصة على الجدران. ورغم …

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *