تقرير مسرب.. ماذا حدث داخل الجيش الإسرائيلي نتيجة الحرب؟ | سياسة

في ظل غيوم الحرب الكثيفة التي خيمت على غزة لأكثر من عام متواصلة، يقف الجيش الإسرائيلي اليوم على حافة أزمة غير مسبوقة، فهذه الحرب، الأطول في تاريخ إسرائيل، لم تترك ندوبا على أرض المعركة فحسب، بل حفرت أخاديد عميقة في نفوس الجنود وفي بنيته أيضا.

وخلال أكثر من 465 يوما شهدت ساحات القتال سقوط آلاف الجنود الإسرائيليين بين قتيل وجريح، وسط معارك طاحنة استنزفت القوى البشرية والمادية للجيش الإسرائيلي.

وفي خضم هذا الاستنزاف المرير، بدأت تظهر تصدعات خطيرة في جدار الانضباط العسكري الذي طالما تفاخر به الجيش الإسرائيلي، إذ كشف تقرير، أعده خبراء عسكريون وسربت بعض تفاصيله صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية، عن تراجع ملحوظ في مستوى الانضباط داخل صفوف الجيش.

التقرير كشف عن تراجع ملحوظ في مستوى الانضباط داخل صفوف الجيش الإسرائيلي (رويترز)

تدهور حاد

كشف التقرير عن حالة استنزاف شديدة تعاني منها الوحدات القتالية الإسرائيلية المشاركة في القتال على جبهات متعددة منذ 15 شهرا، مما أدى إلى تدهور ملحوظ في الالتزام بمعايير السلامة والانضباط العسكري.

ووفقا للتقرير، فإن الأسباب الجوهرية وراء هذا التراخي في الانضباط تعود إلى عاملين رئيسيين:

  • الإرهاق المتزايد الناجم عن استمرار العمليات العسكرية في مختلف الجبهات.
  • النقص الحاد في القوى البشرية للجيش الإسرائيلي، حيث تجاوزت الخسائر البشرية -بحسب التقرير- 10 آلاف جندي بين قتيل وجريح منذ بداية المعارك.

وحددت اللجنة 12 ظاهرة متنامية تشير إلى تدهور الانضباط العسكري، لكن قيادة الجيش قررت عدم نشر التقرير للعامة.

ووثّق التقرير العديد من حالات انتهاك معايير السلامة من قبل الجنود الإسرائيليين، منها:

  • استخدام الهواتف المحمولة في مناطق القتال في لبنان وغزة.
  • السماح لمدنيين بالدخول إلى مناطق العمليات دون تصاريح رسمية.
  • الاستخدام غير الآمن لمجموعة متنوعة من الأسلحة، بما في ذلك الصواريخ المضادة للدبابات، والقنابل اليدوية، والعبوات الناسفة.

كما سلط التقرير الضوء على تفشي ظاهرة عدم التزام الجنود بقواعد الزي العسكري والمظهر، بما في ذلك استخدام شارات غير رسمية وغير خاضعة للرقابة العسكرية.

ومن بين الانتهاكات الأخرى التي وثقتها اللجنة، حالة دخول الحاخام تسفي كوستينر إلى قطاع غزة دون الحصول على التصاريح اللازمة، وهو ما أكده فريق الخبراء العسكريين.

وفي هذا، برزت حادثة مقتل الباحث زئيف إيرلتش، البالغ (71 عاما)، بعد دخوله الأراضي اللبنانية مع القوات الإسرائيلية دون تصريح رسمي. وهذه الحادثة دفعت رئيس الأركان هرتسي هاليفي إلى تكليف اللواء موتي باروخ، برئاسة لجنة تحقيق خاصة، لدراسة هذه الواقعة وغيرها من الحوادث المماثلة.

وقامت اللجنة بفحص شامل للعمليات في القيادتين الجنوبية والشمالية، وخلصت إلى أن طول أمد القتال غير المتوقع قد أدى إلى تراجع كبير في مستوى الانضباط العملياتي، خاصة بين صفوف القوات النظامية.

محاولات للاستدراك

هذا النقص الحاد في القوى البشرية جعل قادة الجيش يواجهون صعوبة كبيرة في التعامل مع حالات عدم الانضباط، حيث يضطر كل قائد إلى التفكير مليا قبل اتخاذ قرار بفصل أو استبعاد الجنود الذين يخالفون التعليمات.

وأكد رئيس الأركان هاليفي ضرورة الانضباط العملياتي في ساحات القتال، مشددا على أهمية منع تعريض حياة قوات الجيش للخطر وتعزيز معايير السلامة والانضباط.

ومن بين التوصيات التي قدمتها لجنة الأركان العامة، ضرورة وجود مرافق مرشد عام لكل قائد فرقة لتعزيز الانضباط ووضع معايير موحدة في جميع الألوية والوحدات وفق خطة مناسبة.

وردا على التحقيق، قال الجيش الإسرائيلي إن تلك الانتهاكات لم تؤد إلى إصابات أو وفيات، وأكد أن التحقيقات التي تجرى هي لاستخلاص الدروس والعبر للتقدم بشكل مدروس في القتال.

ورغم اعتراف الجيش بوجود حالات الاختراق وعدم الانضباط، فقد قال إنها قليلة ومعزولة، وأشار إلى عزل بعض الضباط والجنود الذين رفضوا الالتزام بالتعليمات.

حرب استنزاف

وكان الجنرال الإسرائيلي المتقاعد إسحاق بريك قد حذر من أن استمرار الحرب سيؤدي لهزيمة إسرائيل، لأن البلاد ستخسر دعم العالم واقتصادها وجيشها، وكذلك قوتها الوطنية والاجتماعية، مما قد يشعل حربا أهلية.

ووصف بريك -في عموده بصحيفة “هآرتس”- رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأنه “بار كوخبا العصر الحديث” الذي يقودهم إلى الكارثة تماما كما فعل بار كوخبا الذي قُتل مئات الآلاف من اليهود تحت قيادته، وذهب من بقي منهم إلى المنفى، فها هو نتنياهو يتبنى وجهات نظر المتطرفين بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، ينفذ أوامرهما لرغبته في البقاء السياسي.

وأشار إلى أن هؤلاء المتعصبين يقودون إسرائيل إلى حرب استنزاف مستمرة تدمر الاقتصاد والعلاقات الدولية والأمن الوطني، دون تحقيق أهداف كإطلاق سراح المحتجزين أو عودة النازحين أو هزيمة حماس وحزب الله.

ونبه الكاتب إلى ضرورة إدراك حقيقة مفادها أن إسرائيل لا تستطيع هزيمة حماس ولا هزيمة حزب الله، ولا هزيمة الحوثيين ولا إيران، وأن استمرار الحرب سوف يهزمها.

بريك: استمرار الحرب سيؤدي لهزيمة إسرائيل لأنها ستخسر دعم العالم واقتصادها وجيشها (الفرنسية)

جيش صغير وذكي

أظهرت الحرب الأخيرة في غزة ضرورة إعادة النظر في إستراتيجية “الجيش الصغير والذكي” التي اتبعها الجيش الإسرائيلي لأكثر من عقدين. فقد ثبت أنه رغم أهمية سلاحي الجو والاستخبارات، لا يمكن تحقيق أهداف الحرب أو حسمها دون جيش بري قوي.

وأكدت صحيفة “معاريف” أن الجندي والدبابة هما مركز الحسم في كل دفاع وهجوم، مشيرة إلى الحاجة الملحة لكل من القوات النظامية والاحتياطية.

وفي ضوء هذه النتائج، دخل الجيش الإسرائيلي في سباق مع الزمن لإعادة بناء قواته البرية، ويتضمن ذلك زيادة كبيرة في حجم عدد من القطاعات البرية، وعلى رأسها سلاح المدرعات.

وتركزت الجهود على إنتاج المئات من دبابات ميركافا “سيمان 4″، التي تُصنع في إسرائيل بمكونات مستوردة من عدة دول. ومع ذلك، فإن المصاعب التي تواجه صناعات السلاح عالميا بسبب الصراعات المتعددة قد أجبرت إسرائيل على إعادة النظر في قرار إخراج دبابات ميركافا “سيمان 3” من الخدمة.

وإلى جانب سلاح المدرعات، ظهرت الحاجة الملحة لتجديد وتوسيع سلاح المدفعية، فرغم التحديث الواسع لأسلحة الجيش الإسرائيلي، فإن معظم مدفعيته يعود إنتاجها إلى الستينيات. وتواجه إسرائيل صعوبات في تسريع إنتاج المدافع الحديثة بسبب حملات المقاطعة التي تعيق وصول المكونات الأساسية من الخارج.

تحديات بسلاح الجو

في مجال سلاح الجو، كشفت الحرب عن تحديات كبيرة، فقد تراكمت لدى الطائرات المقاتلة آلاف ساعات الطيران خلال الحرب، متجاوزة العمر التشغيلي المخطط لها مسبقا. وهذا سيجبر إسرائيل على المضي قدما في شراء أسراب جديدة، مع التركيز على طائرات إف-15 وإف-35.

كما كشفت التحقيقات الأولية أنه في صبيحة 7 أكتوبر/تشرين الأول، لم تكن هناك سوى طائرتين مروحيتين قتاليتين في حالة استعداد، مما يبرز الحاجة الملحة لتعزيز أسطول المروحيات القتالية.

وفيما يتعلق بمنظومات الحماية والاستخبارات، تنوي إسرائيل زيادة حجم ما يسمى بمنظومة الحماية المناطقية، وتحويل كتائب كانت حتى الآن تتشكل من قوات احتياطية إلى كتائب نظامية.

كما يخطط الجيش لتعزيز منظومات جمع المعلومات الاستخبارية الحدودية وزيادة عدد مجندات الرصد. وعلى الصعيد المالي، تواجه إسرائيل تحديات كبيرة. فعبء الحرب وتكاليفها تقدر بمئات مليارات الشواكل (ما لا يقل عن 100 مليار دولار). وهذا قد يعيد إسرائيل إلى زمن “العقد الضائع” الذي أعقب حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973.

ميزانية الجيش

وتشير التقديرات إلى أن ميزانية الجيش، التي كانت تزيد عن 30 مليار دولار، ستحتاج إلى زيادة كبيرة لتلبية متطلبات تعويض الخسائر وإعادة ملء المخازن وتوسيع القوة وتجديدها.

وكانت لجنة نيجل لفحص ميزانية الدفاع وبناء القوة في الجيش الإسرائيلي أوصت بزيادة ميزانية الدفاع ابتداء من هذا العام 9 مليارات شيكل (الدولار 3.7 شواكل)، على أن تتراوح ما بين 9-15 مليار شيكل إضافية في كل سنة من السنوات الخمس المقبلة.

وبحسب ما نشرت الصحافة الإسرائيلية، فإن اللجنة أوصت بزيادة 133 مليار شيكل إلى ميزانية الدفاع خلال العقد المقبل.

وتظهر خلاصة توصيات لجنة نيجل أن ميزانية الدفاع ستقفز بنحو 30 مليار شيكل سنويا، مرتفعة من مستوى 68 مليار شيكل، إلى حوالي 98 مليار شيكل، بزيادة أكثر من 42%. فإذا كانت اللجنة قد أوصت بزيادة تتراوح بين 9 إلى 15 مليار شيكل سنويا، فإن هذه الزيادة تضاف إلى مبالغ أخرى تمت الموافقة عليها سابقا.

المصدر : الجزيرة + الصحافة الإسرائيلية + مواقع إلكترونية

عن شريف الشرايبي

Check Also

هل قراءة القرآن بسرعة تنقص الثواب وحكم ترديد الأذان أثناء التلاوة ..الإفتاء توضح

أكد الدكتور أحمد ممدوح، أمين الفتوى بدار الإفتاء ، أن قراءة القرآن الكريم بسرعة جائزة …

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *