من بين أكثر النقاشات التي ترافقت مع إعلان انطلاق المشاورات بخصوص الاستحقاقات الانتخابية القادمة ما يتعلق بتحسين التمثيلية النسائية، والارتقاء بالمشاركة السياسية لنصف المجتمع إلى مستوى الحضور الفعلي داخل المؤسسات المنتخبة، مما يسائل قدرة الأحزاب على رفع تمثيليتها النسائية في الاستحقاقات المقبلة وعدم الاكتفاء بالسقف الذي تفرضه القوانين.
وتثار انتقادات كبيرة نحو الأحزاب السياسية التي ترى الحضور النسائي ضمن مرشحيها للانتخابات مجرد ضرورة تقنية تفرضها القوانين الانتخابية، بدل أن تكون فلسفتها السياسية مستحضرة لأهمية التمثيلية النسائية، وما ينعكس في حضور سياسي باهت للمرأة ضمن الحياة السياسية المغربية.
وفي هذا الإطار، ترى خديجة الرباح، عضوة الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب، في تصريح لجريدة “مدار21″، أن هذا النقاش يأتي في ظل الاستعداد لمرحلة انتخابية هي الرابعة من نوعها بعد الإصلاحات الدستورية، مفيدة أن الحركة النسائية والجمعيات الحقوقية المهتمة بالحقوق السياسية للنساء ستقوم بإصدار موقف بشأن هذا النقاش وتوجيه مذكرة إلى وزارة الداخلية ومختلف الأحزاب السياسية.
وأضافت المتحدثة أن النقاش اليوم لا ينبغي أن يقتصر على كيفية توسيع المشاركة السياسية للنساء، بل يجب أن يمتد ليشمل طبيعة النخب النسائية التي نريد في المرحلة المقبلة، مشيرة إلى أن “ما يجري اليوم من نقاش اليوم وكأننا نكرر أنفسنا، إذ عوض أن نناقش بشكل صحيح قبل كل انتخابات نناقش بشكل تقني الهوامش المتاحة لتوسيع التمثيلية دون مناقشة القضايا الجوهرية”.
وترى الرباح أن القضايا الجوهرية الواجب نقاشها تتمثل أساسا في سؤال: “هل تمكنا بالفعل من تحصين الديمقراطية في البلاد وندفع المسسلسل الديمقراطي باتجاه أن يكون دامجا ومستجيبا للمساواة ومنفتحا على جميع المواطنات والمواطنين وخاصة النساء”.
وذهبت الرباح إلى أن القوانين الانتخابية لا تتيح وحدها تحقيق المساواة، مستفسرة عن إمكانية إعادة النظر في القانون التنظيمي للأحزاب السياسية والقانون التنظيمي لانتخابات أعضاء مجلس النواب لتحصين العملية التشريعية بحيث تكون ضامنة للمساواة.
وأردفت الرباح: “هل استطعنا أن نخلق نخبا قادرة على مساءلة السياسات العمومية، وهل سيكون البرلمان اليوم قادرا على سبيل المثال على اتخاذ موقف باتجاه أن تكون مدونة الأسرة لصالح المساواة أم سيكتفي بتعديلات شكلية طفيفة؟”.
ولفتت إلى أنه قبل ذلك “هل تمت المساءلة للمؤسسات، حكومة وبرلمانا، إلى أي حد اجتهدت في وضع سياسات تقلص الفوارق، وهل النخب السياسية النسائية الموجودة في الحكومة والبرلمان استطاعت بالفعل أن تكون حارسا لقيم الديمقراطية والمساواة والعدالة الاجتماعية، أم أنها كانت منصاعة فقط للقرار الحزبي دون تسجيل أي موقف؟ّ”.
واستفهمت الرباح حول مدى قدرة الأحزاب السياسية على تقديم تصور واضح فيما يخص فعلية المساواة، أم أنها لا تتوفر على هذا التصور وتجري فقط خلف تحصيل المقاعد الانتخابية واتجاه ركوب فرس السلطة.
وشددت على أن المغربيات والمغاربة لديهم انتظارات أخرى ويحتاجون إلى حكومة وبرلمان قادرين على الاستجابة لطموحاتهم، وليس مجرد مؤسسات بنفس مستوى حكومات ما بعد الدستور.
وترى الرباح أن النقاش أبعد مما تطرحه القطاعات النسائية للأحزاب السياسية حول نسبة التمثيلية، ويتعلق الأمر بالحضور الفعلي للنساء اللواتي كنا ممثلات داخل المؤسسات، وتمكينهن سياسيا بشكل حقيقي.
واعتبرت أن “الكوطا” تدبير ديمقراطي وارد في المواثيق الدولية والحركة النسائية تدافع عنه، ولكن قبل ذلك يجب أن ينصب النقاش حول النخب التي ستفرزها النساء والتي ستساهم في صنع برلمان مستجيب للمساواة.
ودعت الأحزاب السياسية إلى ضرورة تقييم عمل نوابها البرلمانيين ومحاسبتهم حول حصيلتهم التشريعية وفي مراقبة السياسات العمومية، مشددة على أن الانتخابات القادمة لا ينبغي أن تكون مشابهة للانتخابات السابقة بدون برنامج وتوجهات لصالح المواطنات والمواطنين.