دبي – حسن عبد الرحمن
تحويل الألماس من منتج فاخر إلى سلعة استثمارية منظمة وقابلة للتداول تمر عبر طريق طويل وخبرة وتفاصيل ليس من السهل توفرها، في هذا اللقاء نتحدث مع واحد من خبراء هذه الصناعة التي تتربع على عرش عائلة المجوهرات التي نسمع عنها ونشاهدها ببريقها ونعرف رغبة الجميع باقتنائها في هذا الللقاء يتحدث كورماك كيني الرئيس التنفيذي لشركة دايموند ستاندرد عن تجربته في عالم الألماس:
يقول كيني:” سبق لي العمل في تجارة الذهب والفضة. وذات يوم طرحت على نفسي سؤالاً: “لماذا لا يمكننا تداول الألماس؟” المشكلة الأساسية هي أن كل حجر ألماس فريد من نوعه – لا يوجد اثنان متطابقان تمامًا – لذا لا توجد سوق شفافة أو تسعيرة موحدة. لكنني رأيت أن هذه المشكلة يمكن حلّها من خلال علوم الكمبيوتر. فقمنا بتطوير طريقة لتوحيد الألماس وتحويله إلى سلعة قابلة للتداول، مثل سبائك الذهب، من خلال ما نُسميه عملات وسبائك الألماس. تحتوي كل سبيكة على مجموعة من الألماسات ذات الوزن واللون والنقاء والخصائص الأخرى المتطابقة. وهذا التوحيد يجعل تداولها ممكناً كما لو كانت سبيكة ذهبية، فالجميع يعرف بالضبط قيمتها.
هذا فعلاً يغيّر قواعد اللعبة. لطالما كان توحيد الألماس صعبًا بسبب طبيعته المتغيرة. كيف تمكنتم من تجاوز ذلك وابتكار منتج موحد جاهز للسوق؟
سؤال ممتاز. صحيح أن الألماس يختلف من حجر إلى آخر، لكن هناك ثلاث خصائص رئيسية تحدد قيمته: الوزن بالقيراط، واللون (درجة البياض)، والنقاء (خلوّه من الشوائب). القيمة تزداد بشكل أُسّي مع تحسن هذه الخصائص، وليس بشكل خطي، لذا من الصعب نمذجتها. نحن حللنا هذه المعضلة من خلال ما يُعرف بـ “صانع السوق الآلي” (Automated Market Making). منصتنا تضع أكثر من 16 مليون عرض شراء يوميًا لجميع أنواع الألماس الممكنة. ولدينا 180 عضوًا من كبرى شركات الألماس يشاركون في هذه السوق.
كل أسبوع، نشتري عينة إحصائية موثوقة تتألف من 10,000 صانع السوق الآلي على الأقل. ويضمن خوارزمنا أن تحتوي العينة دائمًا على النسب نفسها من كل نوع – مثلاً: 3.17% لون D، 7.92% خالٍ من الشوائب، وهكذا. ثم يقوم الحاسوب بتجميع هذه الألماسات في سبائك موحدة، كما لو أنه يحل لغزًا رياضيًا. كل سبيكة متكافئة مع الأخرى، وقد تم اعتماد هذه الآلية من قبل الجهات التنظيمية لشفافيتها وعدالتها.
إذًا الأمر يشبه إنشاء سوق للأسهم ولكن مع تجار الألماس بدلًا من صناع السوق؟
بالضبط. نحن نقدّم أسعارًا حقيقية، والتجار يقررون القبول أو الرفض. هذا التفاعل يكشف لنا السعر الحقيقي ويخلق نظام تسعير دقيق. ورغم اختلاف الألماسات الفردية، فإن البيانات المجمعة تؤدي إلى معايير موحدة لكل سبيكة.
أنتم أيضاً تستخدمون الشرائح الذكية وتقنية البلوك تشين. كيف تُعزز هذه التكنولوجيا الشفافية والأمان وسهولة التتبع؟
: كل حجر ألماس في السبيكة مُغلف لحمايته وضمان إمكانية تتبعه. وتحمل كل سبيكة رمز QR يربط بكل شهادات الألماس الموجودة فيها. كما نُدرج شريحة كمبيوتر داخل السبيكة تخزن كل هذه البيانات وتسمح بالتدقيق اللاسلكي. البنوك تُحب هذا النظام لأنه يتيح لها مراجعة المخزون دون الحاجة إلى فتح الخزنة.
والأهم أن الشريحة متوافقة مع تقنية البلوك تشين. فهي تصدر رمزًا رقميًا (Token)، ومن يمتلك هذا الرمز هو المالك القانوني للسبيكة. لذلك، حتى إن كانت السبيكة محفوظة في خزنة، يمكن تداول ملكيتها رقميًا – وقد تجاوز عدد المتداولين لدينا حاليًا 7000 مستخدم. هذا التداول الفوري يُحدد السعر السوقي الحقيقي، كما يحدث مع الذهب.
هذا استخدام مذهل للتكنولوجيا. ما الذي يُميز Diamond Standard عن غيرها من المنصات في سوق الأصول البديلة؟
سؤال رائع. في كل مرة يتم فيها فتح باب الاستثمار في مورد طبيعي للمستثمرين لأول مرة، يحدث تغيير كبير في قيمته. مثلاً
- ارتفع سعر الذهب بنسبة 700% بعد إطلاق أول صندوق ETF للذهب عام 2002.
- الفضة شهدت نمطًا مشابهًا عام 2005.
- اليورانيوم بدأ يُتاح للاستثمار في 2022، وارتفع الطلب عليه بشكل كبير.
ونحن نؤمن بأن الشيء نفسه سيحدث مع الألماس. وهناك ميزة إضافية لم نكن نتوقعها
: التمويل الإسلامي.
توسعكم الأخير نحو الخليج كان مدعومًا باستثمار يبلغ 280 مليون دولار. لماذا كانت هذه المنطقة استراتيجية بالنسبة لكم؟
ج: بصراحة، كانت هذه أكبر مفاجأة في مسيرتي. كنا نحضّر لإطلاق صندوق ETF في كندا، لكن بعض البنوك في الخليج أبلغتنا بأن النظام مناسب تمامًا للتمويل المتوافق مع الشريعة، وخاصة معاملات المرابحة.
شرحوا لنا أن التمويل الإسلامي يتطلب معاملات مدعومة بسلع حقيقية وتسليم الملكية. معظم المعادن ضخمة أو كثيرة الحركة أو يصعب تدقيقها. لكن الألماس مضغوط، كثيف القيمة، وبفضل نظام الشريحة والبلوك تشين، يمكن تدقيقه عن بعد ونقل ملكيته بشكل سلس. وهذا يجعله مثالياً لاحتياجات البنوك الإسلامية. فانتقلنا بصندوقنا وعملياتنا إلى الخليج، ونقوم الآن بالتخزين في دولة ذات غالبية مسلمة وتحت إشراف تنظيمي مناسب.
هذا قد يُعيد تشكيل التمويل الإسلامي. ما نوع الطلب الذي ترونه في الخليج ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؟
نلاحظ ثلاثة أنواع رئيسية من الطلب:
- مستثمرون يُفضلون الأصول الملموسة – أي سلع يمكنهم امتلاكها فعليًا.
- البنوك الإسلامية، والتي نتوقع أن تولّد طلبًا بقيمة 3 مليارات دولار عبر معاملات المرابحة خلال العامين أو الثلاثة القادمة.
- عملة رقمية جديدة. يمكننا تقسيم كل سبيكة إلى 150,000 وحدة فرعية، كل منها تعادل درهماً واحداً. هذه السلعة الرقمية المتوافقة مع الشريعة قد تُستخدم كعملة، خصوصًا في دول البريكس، التي تُنتج أو تستهلك الألماس بكثافة. وعلى عكس الذهب، فإن هذه العملة مناسبة للدول الإسلامية لأنها تتجنب الربا والمخاطر المحرّمة.
من هم جمهوركم المستهدف – المؤسسات، الأفراد أم شركات التكنولوجيا المالية؟
جميعهم. نحن بصدد إطلاق صندوق مُدرج بقيمة 3 مليارات دولار لشراء وبيع الألماس يوميًا لعملاء التمويل الإسلامي – بشفافية وهيكلية سليمة. هذا الصندوق موجه لصناديق الثروة السيادية. ومن جهة أخرى، شركتنا الأم (المصنّعة للسبائك) ستنتقل من نيويورك إلى دبي، ونسعى لاستقطاب مستثمرين محليين للمساعدة في التوسّع.
مع التسعير الموحد ونقل الملكية إلكترونيًا، هل تتوقعون أن يُصبح الألماس أصلًا شائعًا في الصناديق أو المؤشرات؟
ج: بالتأكيد. السلع لا تدخل ضمن مؤشرات مثل بلومبيرغ أو غولدمان ساكس إلا إذا كان لها صندوق ETF مُدرج. ونحن الآن بصدد إنشاء هذا الصندوق هنا، وبالتالي يجب أن تنضم الألماسات للمؤشرات بمرور الوقت. وعندما يحدث ذلك، ستبدأ صناديق الموارد الطبيعية بشرائها تلقائيًا، مما يعزز من رواجها.
سوق الألماس العالمي يتجاوز 1.2 تريليون دولار، لكنه بالكاد مستغل من قبل المستثمرين. كيف ترى تطوره؟
عند مقارنة ملكية المستثمرين للألماس مقابل المعادن الأخرى
- المستثمرون يملكون 33% من الذهب
- 19% من الفضة
- 15% من البلاتين والروديوم
- لكن فقط 1% من الألماس
نتوقع أن تصل ملكية المستثمرين للألماس إلى 15% خلال العقد القادم، وهو ما يعادل 200 مليار دولار من الطلب الجديد. وهذا تغيّر هائل.
أنت تقف على مفترق طرق بين التكنولوجيا والموارد الطبيعية والتمويل. ما الذي يحمّسك في هذه اللحظة؟
القدرة على التنويع من خلال الأصول الملموسة. الأسهم قد تنهار، والسندات قد تتخلف عن السداد، والأسهم الخاصة قد تفشل – لكن السلعة لا تفقد قيمتها بالكامل. المستثمرون يبحثون عن وسائل جديدة وموثوقة لحفظ القيمة. وما يُحمّسني هو أن الألماس هو السلعة الوحيدة الصغيرة بما يكفي لدمج التكنولوجيا وتمكين تطبيقات البلوك تشين والتمويل الإسلامي. إنها تقاطع فريد من نوعه لم يحدث من قبل.