الدولار الأميركي في 2025.. عملة جريحة لم تسقط بعد | اقتصاد

|

ذكرت صحيفة الإيكونوميست في تقرير حديث أن الدولار الأميركي يمرّ بمرحلة من الضعف غير المسبوق منذ سنوات، مدفوعًا بسلسلة من السياسات والمواقف التي اتخذها الرئيس دونالد ترامب منذ عودته إلى البيت الأبيض.

وعلى الرغم من أن الأسواق المالية الأميركية أظهرت قدرة ملحوظة على التكيف مع تقلبات هذه المرحلة، فإن مؤشرات العُمق المالي تُشير إلى أن وضع العملة الأميركية كملاذ آمن لم يعد مضمونًا كما في السابق.

فقد تكررت الصدمات الاقتصادية منذ تنصيب ترامب، لدرجة أن المستثمرين باتوا متبلّدي الاستجابة.

وتشير الصحيفة إلى أن قرارات كان من شأنها إثارة الذعر في الأسواق -مثل فرض رسوم جمركية بنسبة 50% على النحاس و30% على واردات الاتحاد الأوروبي- لم تعد تُقابل إلا بفتور نسبي.

ومع ذلك، وقعت استثناءات محدودة، أبرزها في 16 يوليو/تموز عندما لوّح ترامب بإمكانية إقالة رئيس الاحتياطي الفدرالي جيروم باول، وهو ما أحدث اضطرابًا لحظيًّا تمثل في ارتفاع عوائد السندات وتراجع الدولار، قبل أن تعود الأسواق إلى طبيعتها، بل سجّلت المؤشرات الأميركية مستويات تاريخية جديدة في اليوم التالي.

لكن هذا “الاستقرار الظاهري”، كما تصفه صحيفة الإيكونوميست، لا يُخفي القلق المتصاعد لدى المستثمرين.

وتشير الصحيفة إلى أن الدولار تراجع بنسبة تقارب 10% أمام سلة من عملات الدول المتقدمة منذ يوم تنصيب ترامب، في اتجاه معاكس تمامًا لتوقعات وزير الخزانة سكوت بيسنت الذي كان قد رجّح أن تؤدي السياسات الحمائية إلى تعزيز قيمة الدولار، عبر تقليص الطلب على العملات الأجنبية لتمويل الواردات.

الفائدة لا تُنقذ الدولار

وتشير صحيفة الإيكونوميست إلى أن أحد التفسيرات الرئيسية لهذا التراجع يكمن في تفكك العلاقة التقليدية بين أسعار الفائدة وقيمة العملة.

فخلال شهر أبريل/نيسان، انهارت هذه العلاقة مؤقتًا، إذ قوبلت زيادة عوائد السندات الأميركية بانخفاض في سعر صرف الدولار، في ظاهرة غير معتادة في اقتصادات الدول المتقدمة، لكنها مألوفة في الأسواق الناشئة.

واعتبرت الصحيفة أن هذا النمط يُذكّر بأزمة السندات البريطانية التي وقعت في عهد ليز تراس عام 2022.

مكانة الدولار كملاذ آمن تضررت بشكل واضح بعد تراجع قيمته رغم ارتفاع مؤشر التقلبات في الأسواق (الفرنسية)

ورغم أن العلاقة بين سعر الفائدة والدولار عادت إلى وضعها الطبيعي لاحقًا، فإن العملة الأميركية لم تسترد ما خسرته من قيمة، وذلك يعكس -بحسب الإيكونوميست- ضررًا مستمرًا في مكانة الدولار العالمية.

وتوضح الصحيفة أن تقييم مسار الدولار لا يقتصر على الفائدة وحدها، بل يتأثر أيضًا بعوامل بنيوية كالنمو الاقتصادي النسبي والثقة بالسياسة المالية الأميركية، وهي عوامل باتت موضع شك في ظل قرارات ترامب المفاجئة.

تآكل صفة “الملاذ الآمن”

وتؤكد الصحيفة أن واحدا من أعمدة قوة الدولار لطالما كان يتمثل في مكانته كملاذ آمن في أوقات الأزمات المالية العالمية، حيث يلجأ المستثمرون إلى الأصول الأميركية عند تزايد المخاطر.

لكن هذه القاعدة تعرضت للاهتزاز الواضح في أبريل/نيسان، عندما ارتفع مؤشر التقلب (فيكس)، وهو أحد مقاييس الخوف في الأسواق، في الوقت ذاته الذي تراجع فيه الدولار، مما يُمثل انقلابًا في سلوك السوق تجاه العملة الأميركية.

وفي هذا السياق، تنقل صحيفة الإيكونوميست عن ستيفن كامين، الباحث في معهد “أميركان إنتربرايز”، طرحه لفكرة استخدام العلاقة بين مؤشر “فيكس” وسعر الدولار (بعد التحكم في المتغيرات الأخرى كالفائدة) كمؤشر على “هشاشة الدولار”.

وبحسب هذا المؤشر، فقد تزايدت هشاشة العملة الأميركية بعدما وصفه ترامب بـ”يوم التحرير” -يوم تنصيبه- ثم تفاقمت خلال الأسابيع التالية، قبل أن تستقر نسبيا على مدار الشهر الماضي.

اختبار صمود الدولار

وتشير صحيفة الإيكونوميست إلى أن الضرر الذي لحق بالدولار الأميركي لا يزال قائمًا، لكنه لم يتفاقم في الأسابيع الأخيرة. ومع ذلك، فإن خطر حدوث أزمة جديدة يظل قائمًا، لا سيما إذا نفذ ترامب تهديداته الجمركية الجديدة المقرر تطبيقها في 1 أغسطس/آب، والتي قد تُعيد معدلات الرسوم الأميركية إلى المستويات المرتفعة التي أثارت الذعر في أبريل/نيسان.

Inflation, dollar hyperinflation with black background. One dollar bill is sprayed in the hand of a man on a black background. The concept of decreasing purchasing power, inflation.
هشاشة الدولار بعد “يوم التحرير” بقيت حاضرة في المؤشرات رغم عودة الأسواق إلى مستويات ما قبل التنصيب (شترستوك)

وتُضيف الصحيفة أن استقلالية الاحتياطي الفدرالي (المركزي الأميركي) ما زالت مهددة بفعل الضغوط السياسية المتزايدة من البيت الأبيض، مما يزيد من قلق الأسواق بشأن استقرار السياسات النقدية الأميركية.

وترى الإيكونوميست أن الأسواق باتت تتعامل مع “العبث اليومي في البيت الأبيض” كروتين مألوف، لكنها في الوقت نفسه تُدرك أن أي انزلاق أكبر قد يُحدث عاصفة جديدة في أسواق العملات والسندات.

وفي ختام تقريرها، تُشدّد الصحيفة على أن “الدولار الأميركي لم يسقط بعد، لكنه تلقّى ضربات واضحة في صميم صورته كعملة لا تُمس”.

وختمت: “في ضوء الاضطرابات التي ميزت عام 2025، من غير المرجّح أن ينتظر مراقبو الدولار طويلًا قبل أن تُتاح لهم فرصة جديدة لاختبار مدى صمود العملة الأميركية”.

عن شريف الشرايبي

Check Also

الأهلي السعودي يتعاقد مع الخيبري | رياضة

22/7/2025–|آخر تحديث: 16:52 (توقيت مكة) أعلن نادي الأهلي السعودي عبر موقعه على الإنترنت تعاقده مع …

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *