يوم الاثنين 14 يوليو/ تموز 2025، ألمح الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى تحوّل جذري في نهجه تجاه الحرب الروسية على أوكرانيا. فقد أعلن عزمه إرسال وحدات إضافية كبرى من منظومات الدفاع الجوي إلى أوكرانيا، في وقت تتعرض فيه مدنها لهجوم يومي متوسط يتجاوز 100 طائرة مسيّرة وصاروخ روسي.
وذكرت تسريبات من البيت الأبيض أنه سأل الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي خلال مكالمة هاتفية سابقة عن نوع الأسلحة الهجومية التي تحتاجها كييف لضرب موسكو مباشرة.
كما أطلق ترامب أقوى تهديد بالعقوبات حتى الآن، مقترحًا فرض تعريفة جمركية ثانوية بنسبة 100٪ على الدول التي تشتري النفط الروسي، في حال لم توافق موسكو على وقف إطلاق النار خلال 50 يومًا، أي بحلول 3 سبتمبر/ أيلول.
لكن رغم لهجته المتشددة، فإن هذه التصريحات لم تُحدث تغييرًا ملموسًا. فقد سخر مسؤولون روس من حديثه عن ضرب موسكو. أما شحنات الدفاع الجوي، ورغم أهميتها، فإن إيصالها بالكميات التي تحدث عنها ترامب سيستغرق شهورًا عديدة.
لم تُحرّك تهديدات ترامب بالعقوبات أسواق الطاقة، رغم أن مثل هذا الإجراء يُعادل محاولة حصار ثالث أكبر منتج للنفط في العالم.
لكن التغيّر في موقف ترامب تجاه روسيا لا ينبغي أن يكون مفاجئًا. فرغم ما يظهر من إعجابه الشخصي بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فإن رؤيته للمصالح الإستراتيجية الأميركية تتعارض جذريًا مع رؤية بوتين.
فترامب يريد تصدير المزيد من الغاز الأميركي، بينما يسعى بوتين لتعويض خسارته للأسواق الأوروبية بتصدير الغاز الروسي عبر أسواق بديلة.
يهتم ترامب بغرينلاند لموقعها على طرق الشحن القطبية مستقبلًا، بينما تعتمد روسيا على طريق قطبي منافس لتعزيز دعم الصين لها. يريد بوتين السيطرة على أكبر قدر ممكن من الموارد المعدنية الأوكرانية، ويريد ترامب الشيء ذاته ولكن لحساب واشنطن.
وكان ترامب قد تراجع، ولو متأخرًا، عن تعهده الأولي بإنهاء النزاع في يوم واحد، وهو ما أقرّ لاحقًا بأنه كان مبالغة. كما أن عداءه القديم لزيلينسكي، والذي يعود إلى فضيحة محاولته ابتزاز الرئيس الأوكراني لصالح حملته ضد بايدن (التي أدت إلى مساءلته للمرة الأولى في الكونغرس)، قد خفّ بعد أن وافقت كييف على شراكة إستراتيجية طويلة الأمد مع واشنطن بشأن الموارد المعدنية.
وقد أدرك ترامب أن بوتين لا يتفاوض بنية صادقة. إذ لم تحقق مفاوضات السلام بين كييف وموسكو في مايو/ أيار ويونيو/ حزيران أي تقدم، بل حضرها الطرفان فقط لإرضاء ترامب وكسبه إلى صفّهما.
ولعل إدراك ترامب هذا جاء بعدما رفع بوتين سقف مطالبه خلال تلك المفاوضات. فقد أصرّ على السيطرة على كل المناطق الأوكرانية الجنوبية والشرقية التي يدّعي ضمّها، رغم أنه لم يفرض سيطرته الكاملة عليها، بل وأضاف مطلب إنشاء “منطقة عازلة” في شمال أوكرانيا أيضًا.
حتى الآن، لم تُحدث تغيّرات ترامب تأثيرًا حقيقيًا لسببين:
- أولًا، لأن تهديده بفرض رسوم جمركية على النفط الروسي لا يبدو جديًا من تلقاء نفسه. فترامب حذر دائمًا من ارتفاع أسعار النفط، وسبق أن انتقد علنًا القفزة في أسعار النفط عقب ضرباته لإيران في يونيو/حزيران.
- وثانيًا، لأن فرض رسوم جمركية ثانوية لم يُثبت فاعليته سابقًا. فترامب استخدم تهديدًا مماثلًا ضد صادرات فنزويلا في مارس/ آذار، ورغم تراجعها مؤقتًا، فإنها عادت للارتفاع بعدما زادت بكين مشترياتها منها.
وفي ظل الحرب التجارية بين ترامب والصين، والتي شهدت تهديدات أميركية بفرض رسوم تفوق 100٪، فإن من غير المرجح أن تهتم بكين، أكبر مشترٍ للنفط الروسي، بتهديد مماثل.
قرار ترامب بإمهال موسكو حتى 3 سبتمبر/ أيلول ربما يعقّد تمرير مشروع قانون في مجلس الشيوخ يفرض عقوبات إضافية على روسيا، رغم أن 83 من أصل 100 عضو في المجلس يشاركون في رعايته. كما أن قيادة الحزب الجمهوري في مجلسَي الشيوخ والنواب حذرة من إغضاب ترامب، الذي يطالب بسيطرة شبه مطلقة على سياسات حزبه.
ومع أن ترامب دفع الأوروبيين إلى الاعتراف علنًا بأن دعمهم لكييف مكلف – وقد تجاوز دعمهم الجماعي ما قدمته الولايات المتحدة حتى قبل بداية ولاية ترامب الثانية – فإن المعدات والتكنولوجيا الأميركية ستظل أساس قدرة أوكرانيا على المقاومة أو تغيير مسار الحرب. غير أن إيصال الأسلحة الجديدة وتدريب القوات الأوكرانية على استخدامها سيستغرق وقتًا.
وسيتوجب على ترامب تغيير نهجه. فلا يمكن للولايات المتحدة أن تضغط اقتصاديًا على روسيا لإجبار بوتين على التفاوض بجدية بمفردها، بل يتطلب الأمر نهجًا متعدد الأطراف، وهو ما يصعب تحقيقه عندما تتصادم واشنطن مع حلفائها وشركائها.
فيما يتعلق بالقيود الإضافية على صادرات النفط الروسي، فإن فرص ترامب لإقناع موسكو قليلة. لكن مثل هذه القيود قد تدفع الهند لتغيير موقفها. إذ تحوّلت نيودلهي من مشترٍ هامشي للنفط الروسي قبل الغزو الشامل إلى ثاني أكبر سوق له، ويشكل الآن 40٪ من وارداتها.
وزير النفط الهندي هارديب سينغ بوري قال الأسبوع الماضي إن بلاده لن تغيّر موقفها، مشيرًا إلى أنها التزمت بقيود سابقة مثل سقف أسعار النفط الذي أقرته إدارة بايدن بالتعاون مع مجموعة السبع في 2022.
وكان الغرض من هذا السقف هو السماح باستمرار تدفق النفط الروسي، ولكن مع الحد من عائداته، تفاديًا لاضطراب السوق. وهو منطق لا يزال يُحاكيه ترامب، وسبق أن دعمته وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين لتأمين “صفقات” نفطية للهند والأسواق النامية.
لكن الوزير الهندي أضاف أن بلاده قد تعيد النظر في موقفها إذا كان هناك اتفاق دولي على تغيير نمط شراء النفط الروسي.
إذا أراد ترامب أن تكون تهديداته لموسكو موثوقة، فعليه أن يتبنى نهجًا دوليًا.
بعض الخطوات يسهل اتخاذها. فبينما تتردد إدارة ترامب في فرض عقوبات جديدة، تقود بروكسل ولندن جهود استهداف “الأسطول الخفي” الروسي المستخدم للالتفاف على العقوبات وسقف الأسعار، وتقترحان حزمًا جديدة من العقوبات تشمل تعديل سقف أسعار النفط حين تكون الأسعار منخفضة.
وقد أقرّ الاتحاد الأوروبي حزمتين من العقوبات خلال الأشهر الستة الماضية، آخرها في 18 يوليو/ تموز، ويُفترض أن يسارع ترامب إلى اعتماد الإجراءات نفسها.
إذا استطاعت أوروبا أيضًا دعم فرض رسوم جمركية ثانوية أو غيرها من العقوبات على مشتري النفط الروسي، فإن ذلك سيزيد فاعلية الإجراء. كما يستطيع ترامب استهداف صادرات الغاز الطبيعي المسال الروسية عبر إدراج شركة “نوفاتك”، المصدّر الرئيسي، في قائمة العقوبات.
لم تُقدِم أوروبا على هذه الخطوة حتى الآن، بل أعلنت فقط عن نيتها التوقف عن الشراء تدريجيًا بحلول نهاية العام المقبل. لكن بما أن سوق ناقلات الغاز المسال أصغر بكثير من سوق ناقلات النفط، فإن العقوبات الأميركية السابقة على مشاريع الغاز المسال الروسية كانت أصعب في التحايل عليها.
الاقتصاد الروسي يئنّ أخيرًا تحت وطأة حرب بوتين وكل العقوبات الناتجة عنها. وتشير التقارير إلى أن البنوك الروسية بدأت مناقشات أولية بشأن شروط إنقاذها من قبل الدولة.
ومع هذه المعاناة، تدّعي روسيا أنها سيطرت على بلدة في منطقة دنيبروبتروفسك (وسط أوكرانيا)، وهو ادعاء تنفيه كييف ولم يُتحقق منه بعد. ويمكن لترامب أن يؤثر فعليًا في مسار الحرب إذا تخلى عن مقاومته السماح لأوكرانيا بضرب البنية التحتية للطاقة الروسية.
ترامب قد يكون أعلن عن نهج جديد تجاه روسيا، لكن ما إن كان هذا النهج سيتجاوز حدود الخطاب، يعتمد على مدى استعداده للعمل مع الشركاء والحلفاء، وتحمله تبعات هذا الضغط.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.