12/7/2025–|آخر تحديث: 14:14 (توقيت مكة)
قال الخبير العسكري والإستراتيجي العقيد الركن المتقاعد نضال أبو زيد إن العمليات المتزامنة التي نفذتها المقاومة الفلسطينية في كل من خان يونس جنوب قطاع غزة والشجاعية شرقي مدينة غزة، تؤكد تمسكها بمبدأ التخطيط المركزي والتنفيذ اللامركزي، وهو ما يدل على تماسك منظومة القيادة والسيطرة لديها.
ورأى خلال تحليل للمشهد العسكري بقطاع غزة أن التزامن الزمني والدقة في اختيار المواقع يعكسان قدرة المقاومة على تشكيل مسرح عمليات متعدد المحاور رغم مرور أكثر من 640 يوما من الحرب، موضحا أن ذلك يُنتج واقعا ميدانيا جديدا يتمثل في تشكيل مثلثات جغرافية عملياتية تُعيد رسم البيئة القتالية.
وفي هذا السياق، تحدث أبو زيد عن نشوء مثلث عملياتي جنوبي في محيط القرارة وعبسان وبطن السمين داخل خان يونس، بالتوازي مع مثلث شمالي في مناطق بيت حانون والشجاعية وجباليا، ما يفرض على جيش الاحتلال تحديات متجددة في أكثر من جبهة قتالية.
وكانت وسائل إعلام إسرائيلية قد كشفت في وقت سابق عن “حدثين أمنيين صعبين” في المنطقتين، بينما أفادت مصادر للجزيرة بهبوط مروحية إجلاء إسرائيلية شمال غربي خان يونس وسط قصف عنيف على محيط المنطقة، ما يشير إلى وقوع اشتباك عنيف أو كمين مُحكم.
وأكد أبو زيد أن فرض المقاومة لواقع عملياتي جديد عبر رسم بيئة ميدانية مغلقة يحاصر قوات الاحتلال ويستنزفها، وخاصة الفرقة 99 التي تم الاستعاضة عنها مؤخرا بالفرقة 252 في المحور الشمالي، مشيرا إلى أن المقاومة نجحت رغم تكرار اجتياح منطقة خان يونس الغربية من الفرقة 98 المظلية.
مؤشر فشل
وأشار إلى أن استخدام الاحتلال القنابل الدخانية وتحليق الطائرات المروحية في محيط الاشتباكات يدل -وفق المفاهيم العسكرية- على سعيه لتخليص قواته من كمين كبدها خسائر كبيرة، في مؤشر على فشل السيطرة البرية المستدامة على الأرض.
وكانت كتائب القسام -الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)- قد بثت صورا لهروب جندي إسرائيلي تحت نيران مقاتليها، وأعادت نشر صورة لجندي قالت إنه يدعى “أبراهام أزولاي” كانت قد حاولت أسره قبل أن يُقتل، مضيفة: “مصير الجندي التالي سيكون أفضل كأسير جديد لدى القسام”.
وتابع أبو زيد قائلا إن التلويح المتكرر من المقاومة بخيار أسر الجنود يحمل بعدا نفسيا ضاغطا على القوات الإسرائيلية، إذ تزرع مثل هذه الرسائل حالة من التوتر والارتباك في صفوف الجنود وتؤثر على أدائهم أثناء تنفيذ التعليمات في المعارك، لا سيما في إطار عمليات “عربات جدعون”.
وشدد على أن مرور 54 يوما على انطلاق “عربات جدعون” من دون نتائج حاسمة، مقابل استمرار المقاومة في توجيه الضربات، يُفقد الخطة هيبتها الإعلامية التي سعت قيادة الاحتلال لترويجها كحملة ناجحة قادرة على تغيير قواعد المواجهة في القطاع.
ويرى أبو زيد أن المقاومة تستهدف إيصال جيش الاحتلال إلى مرحلة حرجة، حيث يؤدي ارتفاع نسبة خسائر الوحدات القتالية إلى ما يعرف عسكريا بـ”النقطة الحرجة”، فإذا تجاوزت نسبة الخسائر 35%، تصبح القيادة ملزمة بسحب الوحدة أو إيقاف المهمة.
مأزق القيادة
وأوضح أن وحدات مثل الفرقة 99 في الشمال والقوات المتمركزة حول خان يونس بدأت تقترب من هذه النسبة الحرجة من الخسائر، ما يضع القيادة الإسرائيلية في مأزق استبدالها في ظل محدودية البدائل البشرية والعسكرية.
وأضاف أن الخريطة التي قدمتها إسرائيل مؤخرا وتستهدف اقتطاع نحو 40% من مساحة قطاع غزة، جاءت كرسالة سياسية هدفها كبح تقدم المسار التفاوضي وليس تأسيس واقع ميداني جديد، خاصة أن توقيت عرضها تزامن مع تصاعد الحديث عن تسوية محتملة.
واعتبر أن تركيز الاحتلال على بعض الجيوب الممتدة من كيلومتر إلى كيلومترين ونصف، مثل التفاح والقرارة وجحر الديك، يهدف إلى خلق “قابلية للحركة” تعزز السيطرة المؤقتة، بما يشبه النموذج العسكري المعتمد في الضفة الغربية.
وبشأن خصوصية المناطق التي تشهد تصعيدا، قال أبو زيد إن خان يونس تحولت إلى نقطة استنزاف مفتوحة بفعل فشل الاحتلال في التوغل داخلها، بينما تُعد الشجاعية وجباليا وبيت حانون مسرحا مكررا لعمليات فاشلة، رغم خضوعها سابقا لعدة اجتياحات ضمن خطط عسكرية متعاقبة.
ولفت إلى أن فشل الاحتلال في إدراك الديناميكيات المتغيرة على الأرض مردّه إلى ضعف في تقييمات جهاز الاستخبارات العسكرية (أمان)، والذي يفترض أن يمهّد ميدانيا لوحدات العمليات، لكنه بات يتعامل مع مشهد معقد لا يُحتوى بالوسائل التقليدية.