المغرب يدعو لتقوية التعاون الدولي لمواجهة ترابط الإرهاب والجريمة المنظمة

أكد السفير الممثل الدائم للمغرب لدى مكتب الأمم المتحدة والمنظمات الدولية في فيينا، عز الدين فرحان، أمس الثلاثاء، أن مكافحة الجريمة المنظمة بشكل فعال تقتضي الانتقال نحو حكامة أمنية مندمجة، تقوم على التنسيق الميداني، وتبادل المعلومات بشكل استباقي، وتفكيك الشبكات الإجرامية من خلال عمليات مشتركة.

وشدد فرحان، في كلمته خلال الدورة الـ 34 للجنة الأمم المتحدة المعنية بمنع الجريمة والعدالة الجنائية، على أن الارتباط القائم بين الإرهاب، والاتجار بالبشر، وتهريب المهاجرين، والاتجار بالمخدرات والأسلحة النارية، يفرض أكثر من أي وقت مضى استجابة صارمة ومهيكلة وجماعية.

وأوضح أن هذه التحديات العابرة للحدود لا يمكن مواجهتها بشكل منفرد، بل تتطلب تنسيقا عملياتيا، وتبادلا فوريا للمعلومات، وشراكات قائمة على الثقة على المستويات الثنائية ودون الإقليمية والإقليمية والدولية.

وأضاف أنه “من أجل تحقيق ذلك، يدعو المغرب إلى التزام متجدد لفائدة تعزيز التعاون الدولي وتقديم المساعدة التقنية، بعيدا عن المقاربات المجزأة وغير التعاونية التي تحركها دوافع إيديولوجية أو سياسية”.

وأكد السفير أن المملكة تظل ملتزمة بتعزيز التعاون في مجال إنفاذ القانون، وتطوير القدرات المؤسساتية، وتعزيز المواءمة القضائية لضمان استجابات سريعة وقانونية.

وذكر بأن المغرب في إطار التزامه بالتنفيذ الكامل لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود، ومواءمة تشريعه الداخلي، خطا خطوة مهمة من خلال اعتماد قانون العقوبات البديلة، الذي أدخل تدابير غير سالبة للحرية مثل العمل لفائدة المصلحة العامة، والمراقبة الإلكترونية، وممارسات العدالة التصالحية.

وحسب فرحان، فإن هذا القانون الجديد يعكس تحولا جوهريا نحو إعادة التأهيل والإدماج الاجتماعي، بما يتماشى مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، والقواعد الدنيا للأمم المتحدة بشأن التدابير غير السالبة للحرية.

وأوضح أن المغرب، بفضل التزامه الراسخ، أبرم أزيد من 95 اتفاقية تعاون قضائي في المجال الجنائي مع شركاء من مختلف أنحاء العالم، “وهي اتفاقيات تعد أدوات أساسية للمساعدة القضائية وتسليم المجرمين وتعزيز القدرات”.

وقال إن المغرب يواصل، على الصعيد القاري، وفقا للرؤية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس من أجل إفريقيا آمنة ومستقرة ومزدهرة، الاضطلاع بدور ريادي في الدفع نحو إجابات جماعية للتهديدات العابرة للحدود.

وأبرز أنه تم، في هذا الإطار، انتخاب المغرب نائبا لرئيس منظمة الشرطة الجنائية الدولية (الإنتربول) عن قارة إفريقيا، خلال الدورة الـ 92 للجمعية العامة للمنظمة التي انعقدت بغلاسكو في نونبر الماضي، لافتا إلى أن “الانتخاب، الذي حظي بدعم 96 دولة عضو، يعكس الدور النشط والموثوق للمغرب في تعزيز التعاون الشرطي الإقليمي والدولي، وكذا التزامه الراسخ بتعزيز الاستجابة العالمية للجريمة المنظمة العابرة للحدود”.

وأشار إلى أن هذا الانتخاب يعكس، أيضا، التوجه الاستراتيجي للمغرب الهادف لتعزيز التعاون جنوب-جنوب، وتقوية قدرات المؤسسات الأمنية الإفريقية، وتقديم الدعم التقني والعملياتي للمبادرات الإقليمية.

وأكد السفير أن المغرب سيواصل انخراطه البناء داخل منظمة “الإنتربول” من أجل تعزيز الثقة، والتنسيق وتبادل المعلومات بين الدول الأعضاء، بهدف تقوية صمود أنظمة إنفاذ القانون الإفريقية في مواجهة التهديدات المعقدة والمتطورة بشكل مستمر.

وفي إطار مساهمته في التحضير للمؤتمر الـ 15 للأمم المتحدة لمنع الجريمة والعدالة الجنائية، وتنفيذا لالتزامه طويل الأمد تجاه التعددية والحوار الإقليمي، نظمت المملكة الاجتماع التحضيري الإقليمي الخاص بغرب آسيا، الذي انعقد في مراكش من 23 إلى 25 أبريل المنصرم، وشكل منصة أساسية للفاعلين الإقليميين الذين تمكنوا من إطلاق حوار موجه نحو العمل، وصياغة توصيات ملموسة تنسجم مع الموضوع الرئيسي للمؤتمر.

وبخصوص حكامة الهجرة، يواصل المغرب تنفيذ الاستراتيجية الوطنية للهجرة واللجوء، التي اعتمدت قبل نحو عقد، والتي تضمن للمهاجرين الولوج إلى سوق الشغل والتعليم العمومي والخدمات الصحية.

وفي المقابل، يضيف فرحان، تظل المملكة منشغلة بشكل عميق إزاء الارتفاع المستمر في نشاط شبكات تهريب المهاجرين، التي تستغل يأس الأشخاص في أوضاع هشة، وتعرضهم للعنف والابتزاز، ورحلات محفوفة بالمخاطر تهدد حياتهم، مسجلا أن المغرب، لمواجهة هذا الأمر، كثف جهوده لتفكيك شبكات التهريب، والحد من الهجرة غير النظامية، وفقا لمقاربته في مجال حكامة الهجرة المرتكزة على حقوق الإنسان.

وذكر، في هذا الإطار، بأن السلطات المغربية فككت، خلال سنة 2024، 332 شبكة تهريب، وأحبطت 78.685 محاولة هجرة غير نظامية، وأنقذت 18.645 مهاجرا في عرض البحر، أي بزيادة قدرها 4,6 بالمائة في عدد محاولات العبور مقارنة بالسنة السابقة. وقد تم دعم هذه الجهود بمراقبة استباقية، وتعاون عابر للحدود، وتدابير دعم إنساني.

من جهة أخرى، أكد السفير أن مكافحة الإرهاب تبقى في صلب العقيدة الأمنية للمغرب، لافتا إلى أنه تماشيا مع التوجيهات السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، اعتمد المغرب استراتيجية شاملة تقوم على تعزيز الآليات الأمنية الداخلية، وتنفيذ برامج للتنمية السوسيو-اقتصادية، وإصلاح الحقل الديني من أجل ترسيخ قيم التسامح ومحاربة الفكر المتطرف.

وأوضح أنه تعزيزا لهذه الجهود يواصل المغرب تحديث إطاره القانوني لمحاربة تبيض الأموال، وتمويل الإرهاب، والإرهاب السيبراني.

وبخصوص مساهمة المغرب في العمل الدولي لمكافحة الإرهاب، ذكر فرحان بأن المملكة تحتضن منذ سنة 2021 مكتب برنامج الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب والتدريب في إفريقيا بالرباط.

كما جدد المغرب التزامه القوي لفائدة التعاون متعدد الأطراف في مجال الأمن من خلال تنظيمه المشترك للإحاطة رفيعة المستوى حول القرار 79/136 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، المنعقدة بفيينا يوم 4 فبراير الماضي.

وقد مكن هذا الحدث من تقديم القرار المشترك بين المغرب وفرنسا بشأن التعاون بين الأمم المتحدة ومنظمة “الإنتربول”، وإبراز القدرات العملياتية لهذه المنظمة، بما في ذلك أنظمة الاتصال الآمن وقواعد البيانات الجنائية، التي تساهم في تنفيذ المهام الدولية، لا سيما في مجالات مكافحة الإرهاب، وأمن الحدود، والجريمة السيبرانية.

وسجل أن المغرب يواصل، في هذا الصدد، الدعوة إلى مقاربات مندمجة تحقق التآزر والانسجام بين الاستراتيجيات متعددة الأطراف للوقاية من الجريمة، من خلال تعزيز التنسيق بين أجهزة الأمم المتحدة في فيينا وجنيف ونيويورك.

وخلص فرحان إلى التأكيد على أن الدور الفاعل للمغرب في هذه الجهود سيتوج باحتضان الدورة الـ 93 للجمعية العامة لمنظمة “الإنتربول” بمراكش خلال سنة 2025، وهو حدث هام سيعزز مكانة المغرب الريادية في مجال التعاون الأمني الدولي.

عن أسيل الشهواني

Check Also

بركة يعترف بالتفاوتات المجالية ويؤكد انضباط قطاعه لنتائج الإحصاء

بعد قرابة نصف سنة على إفراج المندوبية السامية للتخطيط على نتائج إحصاء السكان، اعتبر وزير …

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *