أصدرت محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط، خلال يوم 13 ماي 2025، قرارا قضائياً مهماً في ثلاث ملفات تتعلق بمستشارين جماعيين بجماعة الغديرة (إقليم الجديدة)، يمثلون حزب التجمع الوطني للأحرار، حسمت من خلاله جدلاً قانونياً طال أمده بخصوص تفسير مقتضيات التجريد من العضوية في المجالس المنتخبة على خلفية “التخلي عن الانتماء السياسي”.
المحكمة رأت، في قراراتها الصادرة في الملفات عدد: 57/7212/2025، 58/7212/2025 و59/7212/2025، أن تصويت مستشار جماعي لفائدة قرار إداري بإقالة عضو من المجلس المنتخب، حتى وإن كان هذا العضو من الحزب نفسه الذي ينتمون اليه، لا يُعتبر تخلياً عن الانتماء السياسي، ولا يُرتب بالتالي عقوبة التجريد من العضوية.
واعتبرت الهيئة القضائية أن هذا النوع من التصويت يدخل ضمن الاختصاصات القانونية والإدارية للمستشار الجماعي المنصوص عليها في القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات، ولا يُمكن تأويله سياسياً خارج هذا السياق.
واستند القرار القضائي إلى مقتضيات المادة 20 من القانون “تجرد بحكم القانون من صفة عضو كل منتخب تخلى أثناء مدة الانتداب عن الانتماء السياسي الذي ترشح باسمه لانتخابات الجماعة”.
وفي مستوى آخر، فسّرت المحكمة هذا النص تفسيراً ضيقاً، مبيّنة أن التخلي المعتبر هو التخلي الواضح والصريح عن الانتماء السياسي، كالتصريح العلني أو الالتحاق بحزب آخر أو التمرد على المواقف الرسمية للحزب، وليس مجرد التصويت على قرار إداري يدخل في إطار التسيير المحلي.
بهذا الحكم، تكون محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط قد أنصفت ثلاثة مستشارين من حزب التجمع الوطني للأحرار، سبق أن جُرّدوا من عضويتهم بأحكام ابتدائية إدارية سابقة جرى استئنافها، بناءً على طلب حزبي اعتبرت المحكمة الادارية تصويتهم ضد أحد أعضاء الحزب “تخلياً عن الانتماء السياسي”.
ويُكرّس هذا القرار مبدأ هاماً في الاجتهاد القضائي الإداري، يتمثل في فصل الوظيفة السياسية عن المسؤولية الإدارية داخل المجالس المنتخبة، وضمان استقلالية القرار المحلي عن الحسابات الحزبية الضيقة.
ومن المرتقب أن يُحدث هذا الاجتهاد القضائي تأثيراً مباشراً على كيفية تعامل السلطات والهيئات الحزبية مع مسطرة التجريد، كما قد يُفتح الباب أمام إعادة النظر في عدد من قرارات التجريد التي اعتمدت على تأويلات موسعة للحق في التجريد.
كما يُعد الحكم دفعة قوية لفائدة تعزيز حرية المستشارين الجماعيين في اتخاذ قراراتهم داخل المجالس، بما ينسجم مع القوانين التنظيمية ومع روح الديمقراطية التشاركية التي كرسها دستور 2011.