في ظلّ التوترات التجارية المتصاعدة بين العملاقين الاقتصاديين، الصين والولايات المتحدة، تتجه الأنظار إلى طاولة المفاوضات بين البلدين على أمل أن تُخرج حلولاً تُهدئ من مخاوف الأسواق العالمية. فهل تستطيع هذه المحادثات أن تعيد الاستقرار إلى الأسواق المالية والتجارية، أم أن الخلافات العميقة بين بكين وواشنطن ستُبقي الأسواق في حالة ترقبٍ واضطراب؟
خلفية الأزمة: حرب تجارية متجددة
شهدت العلاقات الصينية-الأميركية توترات حادة في السنوات الأخيرة، بدءاً من فرض رسوم جمركية متبادلة، ومروراً بصراعات حول التكنولوجيا المتقدمة وأمن supply chains، ووصولاً إلى خلافات حول سياسات الدعم الصناعي وحقوق الملكية الفكرية. هذه التوترات أثرت سلباً على الأسواق العالمية، حيث أدتّت إلى تقلبات في أسعار السلع الأساسية، وتعطيل سلاسل التوريد، وتباطؤ النمو الاقتصادي في العديد من الدول.
المفاوضات الأخيرة: بصيص أمل؟
في الأشهر الأخيرة، عاد الجانبان إلى طاولة المفاوضات في محاولة لاحتواء الأضرار. وقد أبدى كبار المسؤولين من البلدين تفاؤلاً حذراً، حيث ناقشوا تخفيض بعض الرسوم الجمركية وزيادة الشفافية في السياسات التجارية. وأعربت واشنطن عن رغبتها في ضمان وصول أكثر إنصافاً للشركات الأميركية إلى السوق الصينية، بينما طالبت الصين برفع القيود التكنولوجية والعقوبات المفروضة على شركاتها.

لكن الخبراء يشككون في إمكانية التوصل إلى اتفاق شامل قريباً، نظراً للخلافات الاستراتيجية العميقة، خاصة في مجالات مثل أشباه الموصلات والذكاء الاصطناعي والأمن القومي.
ردود فعل الأسواق: بين التفاؤل والحذر
عقب كل جولة مفاوضات، تشهد الأسواق المالية تحسناً مؤقتاً، حيث يرحب المستثمرون بأي إشارة إلى تخفيف التصعيد. على سبيل المثال، ارتفعت مؤشرات “داو جونز” و”هانغ سنغ” في أكثر من مناسبة بعد إعلان الجانبين عن تقدم في المحادثات.
لكن هذا التفاؤل غالباً ما يكون قصير الأجل، إذ سرعان ما تعود المخاوف عند ظهور أي موقف متشدد من أحد الطرفين. كما أن قطاعات مثل التكنولوجيا والصناعة التحويلية لا تزال تعاني من عدم اليقين، مما يجعل المستثمرين يتجنبون المخاطرة في أصول مرتبطة بالعلاقات الصينية-الأميركية.
التوقعات المستقبلية: استقرار مؤقت أم حل جذري؟
يعتقد بعض المحللين أن الصين والولايات المتحدة قد تتمكنان من تحقيق تهدئة مؤقتة، مثل اتفاقية تجارية محدودة أو وقف لزيادة الرسوم، مما قد يُهدئ الأسواق لفترة. إلا أن التوترات الاستراتيجية بين البلدين، خاصة في ظل التنافس على الهيمنة التكنولوجية والعسكرية، تجعل احتمالية عودة الأزمات واردة في أي لحظة.
في النهاية، بينما تُشكل المفاوضات خطوة إيجابية، يبقى السؤال: هل يمكن لواشنطن وبكين تجاوز خلافاتهما العميقة لتحقيق استقرار دائم في الأسواق العالمية؟ الإجابة قد تحددها ليس فقط اعتبارات اقتصادية، ولكن أيضاً موازين القوى الجيوسياسية في السنوات المقبلة.
—
بقلم : محمد سلمان،