محمد الشوبي.. صوت المسرح في الدراما العربية | فن

يُعد الممثل المغربي محمد الشوبي واحدا من أبرز الوجوه الفنية في المغرب، امتدت مسيرته لأكثر من 4 عقود، قدّم خلالها ما يقرب من 90 عملا تنوّعت بين المسرح والتلفزيون والسينما. وتميز بتعدد أدواره وقدرته على تجسيد شخصيات مختلفة بخبرة واحتراف، مما جعله يحظى بمكانة خاصة لدى الجمهور والنقاد على حد سواء.

وبرز في أعمال تاريخية ودرامية داخل المغرب وخارجه، وشارك في إنتاجات عربية بارزة مثل مسلسل “ربيع قرطبة” و”ملوك الطوائف”، من إخراج المخرج السوري الراحل حاتم علي، مما أتاح له الحضور في المشهد الدرامي العربي بجانب نخبة من النجوم.

إلى جانب كونه أحد الأسماء النشطة في الساحة الفنية المغربية، من خلال مشاركته المستمرة في الأعمال التلفزيونية والمسرحية، وحرصه الدائم على تقديم أدوار تحمل قيمة فنية وإنسانية.

الخطوات الأولى

عرف محمد الشوبي، المولود بمدينة مراكش أواخر عام 1963، طريقه إلى التمثيل مبكرا، وانضم منذ سنواته الأولى إلى تجارب مسرح الهواة، التي شكلت مدرسته الأولى. ومع الوقت، اختار أن يؤسس لتجربته المهنية على أسس أكاديمية، فالتحق بالمعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي في الرباط، وهناك بدأت ملامح مشروعه الفني تتبلور، بانضباط الخشبة وتراكم المعرفة. تخرّج عام 1990، ليبدأ فصلا جديدا من مسار طويل، مزج فيه بين الالتزام الفني والبصمة الشخصية.

مسيرة مسرحية مؤثرة

كانت خشبة المسرح أولى محطاته الاحترافية، طيلة مسيرته التي امتدت لأكثر من 4 عقود، ظل المسرح جزءا أصيلا في تجربته.

شارك في مجموعة من العروض التي تركت أثرا في الذاكرة المسرحية المغربية، من بينها: “صوت وضوء” للطيب الصديقي، “الحصار” للحسن إدريسي، “خربوشة” لحبيب لصفر، “الباب المسدود”، “بوحفنة” و”أولاد البلاد” ليوسف فاضل، “العازب” لجمال الدين الدخيسي، “صوت ونور” للطيب الصديقي، و”النشبة” لمسعود بوحسين.

كما خاض تجربة الإخراج المسرحي، مقدما أعمالا مثل: “ارتجال”، “هستيريا”، “المدينة والبحر”، “حروف الكف”، “مرتجل”، و”رسائل خطية”، وهي أعمال عكست رؤيته الخاصة للمسرح، وحرصه على التجريب والتجديد في القالب والشكل.

حضور لافت في الدراما العربية

إلى جانب تجربته المسرحية الثرية، بصم محمد الشوبي على مسار مميز في التلفزيون والسينما، بدأه بمشاركته في مسلسل “أولاد الناس” للمخرجة فريدة بورقية، قبل أن يواصل ظهوره في أعمال مثل: “مول لمليح”، “هاينة”، “دقات القدر”، “دموع الرمال”، “دار الغزلان”، “صقر قريش”، “المجدوب”، و”علام الخيل”.

وفي السينما، شارك في أفلام بارزة من بينها: “الوشاح الأحمر”، “جوق العميين”، “الصالحة”، “تسقط الخيل تباعا”، “شجرة الزاوية”، و”ظل الجريمة”.

وتميّز الشوبي بقدرته على تجسيد شخصيات مركبة ومتنوعة، مما سمح له بالتألق في عدد من الإنتاجات المغربية والعربية، منها أعمال درامية شهيرة للمخرج الراحل حاتم علي مثل “ربيع قرطبة” و”ملوك الطوائف”، التي أسهمت في تعزيز حضوره كأحد أبرز الوجوه المؤثرة في المشهد الفني العربي. وكان آخر ظهور له على الشاشة العام الماضي 2024 ومشاركته في الجزء الثاني من مسلسل “أحلام بنات”، وفيلم “طاكسي بيض”.

جوائز وتكريمات

حظي محمد الشوبي بعدد من التكريمات التي تعكس تقدير الأوساط الفنية لمشواره الطويل وإسهاماته المتنوعة، من بينها تكريمه في المهرجان الدولي للسينما الأفريقية بمدينة خريبكة، وتكريم آخر في المهرجان الوطني للفيلم بطنجة، الذي شكل لحظة احتفاء بمسيرة مهنية امتدت لعقود من الإبداع.

***داخلية***محمد الشوبي
الشوبي تميّز بقدرته على تجسيد شخصيات مركبة ومتنوعة (مواقع التواصل)

اعتزال احتجاجي

لم يكن محمد الشوبي مجرد وجه مألوف على الشاشة، بل كان صوتا ناقدا داخل الوسط الفني، لا يتردد في التعبير عن آرائه مهما كلفه ذلك من تبعات. فنان حمل همّ الواقع الثقافي والاجتماعي، واتخذ مواقف صريحة وجريئة، عرضته أحيانا للتهميش. وفي مارس/آذار 2022، أعلن انسحابه المؤقت من الساحة الفنية، احتجاجا على ما اعتبره “فسادا ينخر جسد المهنة”، موجّها نقدا لاذعا إلى آليات الاشتغال وغياب الإنصاف بحق الفنانين المخلصين.

بين شائعة الرحيل والظهور الصادم

وفي أغسطس/آب 2023، واجه الشوبي حملة إشاعات تحدثت عن وفاته، بعد ظهوره في صورة من داخل المستشفى بدت فيها آثار التعب جلية، مما أثار تفاعلات واسعة وموجة سخرية على مواقع التواصل الاجتماعي. ورد الشوبي على هذه الشائعة بأسلوب ساخر وموجع في آن واحد، حيث كتب عبر الفيسبوك وقتها: “الحمد لله على نعمة الموت، بعد تشفّي الصالحين الورعين. انتقلت عبر تعليقاتهم إلى جوار ربي وهم الآن ينتظرون أي درك من النار سيصلاني”.

وأضاف “لعلم متتبعي هذه الصفحة، فصاحبها مات ودُفن”.

حضور لا يغيب

خاض محمد الشوبي معركته الأصعب بصمت داخل أحد مستشفيات العاصمة الرباط، بعدما أنهكه مرض الكبد وأدخله في دوامة من الألم لم تُجْدِ معها النداءات الإنسانية التي أطلقها زملاؤه لتأمين متبرع يعيد إليه الأمل بالحياة. لكن الوقت لم يسعفه، فرحل بهدوء، بعد رحلة فنية صاخبة بالإبداع والصدق.

لتعلن وزارة الشباب والثقافة والاتصال المغربية رحيله عن عمر يناهز الـ62 عاما، حيث قالت الوزارة عبر موقعها الرسمي: “فقدت الساحة الفنية المغربية، أحد أعمدتها البارزين”.

برحيله، لا يغيب الشوبي عن المشهد، بل يخلّد حضوره من خلال أدوار صنعت له مكانة خاصة في قلوب الجمهور، وأثرا ممتدا في ذاكرة المسرح والتلفزيون والسينما، كأحد أولئك الذين رحلوا، لكن لم يغيبوا.

عن شريف الشرايبي

Check Also

إيران تهدد برد شامل على أي اعتداء أمريكي أو إسرائيلي

أعلن وزير الدفاع الإيراني، العميد محمد رضا آشتياني، أن بلاده سترد بقوة على أي هجوم …

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *