في عرض قدمته وزيرة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، نعيمة بن يحيى، تم الكشف عن معطيات إحصائية دقيقة ضمن نتائج الإحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2024، أبرزت تحولات عميقة مست بنية الأسرة المغربية سواء من حيث تركيبتها أو أدوارها ووظائفها، “مما ينذر بتداعيات بعيدة المدى إن لم تتم مواجهتها بسياسات عمومية مندمجة وفعالة”.
أشارت بن يحيى إلى أن هذه التحولات تشمل تأثيرات ديموغرافية مقلقة، من أبرزها انخفاض معدل الخصوبة، حيث سجل المؤشر التركيبي للخصوبة تراجعًا من 2.5 سنة 2004 إلى 2.2 سنة 2014، ثم إلى 1.97 سنة 2024، ليصبح أقل من عتبة تجديد الأجيال المحددة في 2.1 طفل لكل امرأة.
هذا الانخفاض شمل كلا من الوسط الحضري والقروي، حيث تراجع المعدل في الوسط الحضري من 2.01 سنة 2014 إلى 1.77 سنة 2024، وفي الوسط القروي من 2.55 إلى 2.37 خلال الفترة نفسها. ومن المرتقب أن ينخفض معدل الخصوبة إلى 1.65 طفل في أفق 2050، ما يهدد بتراجع حاد في القدرة على تجديد الأجيال، واختلال في الهرم السكاني.
كما سجل تسارع في شيخوخة السكان، حيث بلغ عدد الأشخاص المسنين حوالي 5 ملايين نسمة سنة 2024، مع توقعات بأن تصل نسبتهم إلى أكثر من 25% في أفق 2050، وهو ما سيؤدي إلى ضغط كبير على أنظمة الرعاية الصحية والاجتماعية، وارتفاع تكاليفها، وزيادة العبء على الفئات النشيطة، مما يهدد بتآكل التوازن المالي لأنظمة التقاعد والرعاية الصحية.
وتظهر المعطيات، وبحسب ما جاء في عرض المسؤولة الحكومية، والذي اطلعت عليه جريدة “مدار21” الإلكترونية، أن الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 70 سنة يشكلون 58.8% من إجمالي كبار السن، و28.3% تتراوح أعمارهم بين 70 و79 سنة، بينما تبلغ نسبة من تفوق أعمارهم 80 سنة حوالي 12.9%.
كما أظهرت المعطيات ارتفاعًا في نسبة النساء المسنات التي بلغ عددهن حوالي 2.3 مليون سنة 2022، في وقت يرتفع فيه معدل الأمية مع التقدم في السن، حيث يبلغ 1.6% لدى الأطفال دون 15 سنة، و30% لدى الفئة العمرية 15-24 سنة، و51% لمن تفوق أعمارهم 50 سنة، مقارنة بنسب 3.9%، و11.0%، و61.4% على التوالي في سنة 2014.
فيما يتعلق بالإعاقة، تم تسجيل انخفاض طفيف في معدل انتشارها من 5.1% إلى 4.8% ما بين سنتي 2014 و2024. ويظل هذا المعدل أعلى في الوسط القروي بنسبة 5.6% مقابل 4.2% في الوسط الحضري، مع ملاحظة أن كبار السن (60 سنة فما فوق) يمثلون الفئة الأكثر تأثرا بالإعاقة بنسبة تصل إلى 18.5%. كما سُجل انخفاض طفيف في معدل الإعاقة لدى الأطفال أقل من 15 سنة بنسبة 1.9%.
أما على مستوى تركيبة الأسرة، فقد بلغ عدد الأسر المغربية 9.275.038، بمعدل نمو سنوي متوسط بلغ 2.4% مقارنة بـ2.6% بين 2004 و2014، وقد عرف هذا النمو وتيرة أسرع من نمو السكان (0.85%). وشهد متوسط حجم الأسرة انخفاضًا من 4.6 أفراد سنة 2014 إلى 3.9 أفراد سنة 2024، منتقلاً من 4.2 إلى 3.7 في الوسط الحضري، ومن 5.3 إلى 4.4 في الوسط القروي.
كما ارتفعت نسبة الأسر المكونة من شخص واحد من 7.2% سنة 2014 إلى 11.1% سنة 2024، وارتفعت نسبة الأسر المكونة من شخصين إلى ثلاثة من 26.1% إلى 31.7%، في حين تراجعت نسبة الأسر التي تضم أربعة أفراد أو أكثر من 66.7% سنة 2014 إلى 57.2% سنة 2024. وشهدت نسبة الأسر التي تعيلها نساء ارتفاعا من 16.2% سنة 2014 إلى 19.2% سنة 2024، مع بروز أكبر لهذا التطور في الوسط الحضري بنسبة 21.6% مقابل 14.5% في الوسط القروي.
وأوضحت وزيرة التضامن أن هذه التحولات لا تقتصر آثارها على الحاضر فقط، بل تنذر بإعادة تشكيل شاملة لوظائف ودور الأسرة على المدى المتوسط والبعيد، مع انعكاسات اقتصادية، اجتماعية، ومؤسساتية متشابكة. فعلى المستوى الاجتماعي، تم تسجيل تقلص في وظيفة الرعاية داخل الأسرة، خصوصا تجاه كبار السن، بسبب ضيق الوقت وارتفاع تكلفة المعيشة.
وقالت بن يحيى إن ذلك يفرض ضغطا إضافيا على الدولة لتوفير بدائل للرعاية الأسرية ومؤسسات الرعاية الاجتماعية والصحية، مسجلة أن انكماش حجم الأسرة يؤثر على آليات الدعم النفسي والاجتماعي الداخلي، ويزيد من هشاشة بعض الفئات، خصوصا النساء المسنات والأطفال في سن الطفولة الصغرى.
كما أشار العرض إلى تحول في العلاقات الأسرية نتيجة دخول المرأة بقوة إلى سوق الشغل، وصعوبة التوفيق بين الحياة المهنية والأسرية، مما يفرز توترات أسرية وتحديات كبرى. ودعت الوزيرة إلى ضرورة اعتماد سياسات داعمة لتثمين العمل المنزلي، وتكريس مبدأ الرعاية المشتركة في تدبير الشأن الأسري، وتعميم دور الحضانة، وإجراءات تحفيزية للتكفل بالغير، وتوفير فرص العمل المرن، والإجازات الوالدية.
وسُجل أيضًا ارتفاع في نسب الطلاق والعنف الأسري والاستغلال، مما يهدد بتفاقم المشاكل الاجتماعية والصحية والنفسية، إلى جانب تراجع التضامن بين الأجيال، وضعف الرابط الاجتماعي، مما يهدد صلابة النسيج الأسري والوطني، والتمسك بقيم الانتماء والهوية المغربية والمواطنة.
وفي ختام عرضها، شددت الوزيرة على أن النهوض بأوضاع الأسرة يمثل شرطًا أساسيا لإنجاح مختلف السياسات والبرامج التنموية الموجهة للفئات الاجتماعية ذات الأولوية. كما أكدت أن تأثير التغيرات الديمغرافية يمتد على المدى البعيد، ما يفرض ضرورة بلورة جيل جديد من السياسات المندمجة التي تضع الأسرة في صلب التخطيط العمومي والميزانية المستجيبة لاحتياجاتها.
وأبرزت وزيرة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، أن هذه السياسات العمومية تتطلب انخراط جميع المتدخلين في الفعل العمومي والاجتماعي، بما فيهم الفاعلون في التقييم والتتبع، مع تجديد مقاربات التقييم انسجاما مع روح الدستور المؤطرة للمسؤولية والمحاسبة.
واعتبرت بن يحيى أن التحدي الراهن والمستقبلي يكمن في الارتقاء بالفعل الاجتماعي المستهدف لرفاه الأسرة، وتحصينه بمنظومة يقظة استراتيجية وتنفيذية، يكون دورها الأساس هو التقويم المستمر ورفع رهان التجويد، بما يواكب التحولات ويستجيب للمعايير الدولية، ويحافظ في الوقت نفسه على القيم الأصيلة للمجتمع المغربي.