أثارت أحكام السجن التي صدرت بحق عشرات المعارضين ورجال الأعمال التونسيين في قضية “التآمر على أمن الدولة”، انتقادات واسعة بسبب حديث خبراء عن افتقارها لقواعد المحاكمة العادلة، وهو ما ينفيه مؤيدو الرئيس قيس سعيد.
وكانت المحكمة الابتدائية قد أصدرت أمس السبت أحكاما بالسجن تتراوح بين 13 عاما و66 سنة بحق نحو 40 شخصا بينهم زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي وقادة في المعارضة ورجال أعمال ومحامون، وذلك وسط تشديدات أمنية وتغييب وسائل الإعلام.
وصدرت الأحكام وسط غياب المتهمين عن الجلسة التي رافقتها احتجاجات خارج مقر المحكمة، للمطالبة بعقد جلسة علنية بحضور المتهمين، حيث اعتبر المحتجون أن المحاكمة تفتقر لأدنى شروط العدالة والشفافية.
كما اعترض المحامون أمام القاضي بعد تلاوته لائحة الاتهام وطرحها للمداولة، من دون أيّ مرافعات من جانب الدفاع. فيما قالت منظمة “هيومن رايتس ووتش” إن المحاكمة تجري في “سياق قمعي” وإن الاتهامات “لا تستند إلى أي دليل موثوق”.

محاكمة صورية
ووصفت هيئة الدفاع عن المتهمين المحاكمة بـ”الصوريّة والمهزلة القضائية”، في حين تقول السلطات إن المتهمين يُحاكمون بتهم جنائية تتعلق بأمن الدولة ومحاولة زعزعة استقرار البلاد ونشر الفوضى وقلب النظام، بالإضافة إلى قضايا فساد مالي.
ووفقا للمحامي والناشط الحقوقي مختار الجماعي، فإن هذه المحاكمة تتماشى مع ما يعرف بـ”مسار 23 يوليو/تموز 2023″، والذي أحال -حسب وصفه- القضاء إلى وظيفة ووسيلة لملاحقة المعارضين السياسيين.
وخلال مشاركته في برنامج “مسار الأحداث”، قال الجماعي إن هذه الأحكام كان يمكن أن تصل إلى الإعدام لولا خوف الحكومة التونسية من الدول الغربية التي لا تحب هذه الأحكام.
ووصف المتحدث المحاكمة بأنها “واحدة من صور توظيف القضاء لخدمة السياسة، وتدخل من السلطة التنفيذية في نظيرتها القضائية على نحو يفقد الأخيرة آخر مظاهر استقلاليتها؛ لأن القاضي لم يستمع للمتهمين ولم يواجههم بالتهم الموجهة لهم ولم يستمع لمرافعات الدفاع”.
دفاع عن المحاكمة وهجوم عليها
في المقابل، نفى المتحدث باسم تحالف “أحرار” الشبابي، أحمد الهمامي، أي تدخل للسلطة التنفيذية في هذه القضية التي قال إنه كان يتوقع صدور أحكام بالإعدام فيها بالنظر لما تحتوي عليها من تآمر مع جهات أجنبية لإسقاط الرئيس سعيد.
واعتبر الهمامي أن السلطات التونسية ليست مطالبة بتقديم مبررات لأنها ليست في موضع المتهم، ودافع عن القضاء التونسي واصفا إياه بأنه مستقل ولا يصدر أحكامه وفق ما تريده دول الغرب وإنما وفق ما يتوافر له من أدلة.
وقد بنيت هذه الأحكام على تسجيلات تم استخراجها من هواتف وحواسيب المتهمين وتم نشرها في وسائل الإعلام التونسية، وفق الهمامي، الذي قال إنه لا مانع من وجود معارضة شريطة ألا تتآمر مع الخارج أو مع قيادات في الجيش لإسقاط النظام.
وإلى جانب ذلك، اتهم الهمامي المحامين بمحاولة إثارة الفوضى وتعمد التغيب عن الجلسات بعدما عرفوا أنهم لن يتمكنوا من إثبات براءة المتهمين ودحض الأدلة التي بيد المحكمة.
لكن الجماعي رد على هذا الكلام، بقوله إن المحامين طلبوا الحضور مرارا وإن المحكمة هي التي ماطلت ثم أصدرت حكمها دون الاستماع لهم، لأنها تحاول لململة الأمور وراء السلطة الحاكمة.
ولم ينف الجماعي اجتماع هؤلاء المتهمين في جلسات سابقة، وقال “إن من حق المعارضة أن تجتمع وأن تعارض الرئيس الذي وصل للحكم بالديمقراطية ثم انقلب عليها”.
بَيد أن الهمامي واصل الدفاع عن نزاهة المحاكمة، وقال إن المعارضين لا يمكنهم إثبات تدخل الرئيس أو وزيرة العدل في سيرها، كما دافع عن منع دخول وسائل الإعلام للجلسة بقوله “إن الجلسات لها قدسية ولا يحق لكل من يريد دخولها أن يدخل”.

سقوط للسلطة القضائية
ومع ذلك، انتقد عبد المجيد مراري -مدير الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمنظمة “إيه إف دي” لحقوق الإنسان- المحاكمة شكلا ومضمونا، وقال إنها تفتقر لأبسط قواعد التقاضي، وإن كل ما صدر عنها من أحكام باطل بموجب القانون التونسي.
فلم تقدم المحكمة أدلة دامغة على التهم ولم تواجه المتهمين بها ولم تستمع لردهم، فضلا عن رفضها الاستماع لهيئة الدفاع، كما يقول مراري، الذي استغرب عدم توجيه تهم لقادة الجيش الذين يقول الهمامي إن المتهمين حاولوا استمالتهم لإسقاط الرئيس سعيد، كونهم شركاء في الجريمة.
وأضاف أن تونس “لم تعد بها سلطة قضائية وإنما أداة في يد السلطة”، واستدل على ذلك بأن المحاكمة “ضمت شخصيات معارضة من عدة توجهات وليست من النهضة فقط، مما يعني أنها كانت وسيلة تصفية حسابات سياسية”.
وقال مراري إن المحاكمة عن بعد إجراء استثنائي في كافة الدول لأن إحضار المتهمين ومنحهم الحق في الكلام والدفاع عن أنفسهم حق أصيل في أي محاكمة، مؤكدا أن هذا “لم يحدث في هذه المحاكمة التي هرب قاضي التحقيق فيها من البلاد بسبب الملاحقة”.
وأشار أيضا إلى أنه سبقت مواجهة زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي بتسجيلات صوتية خطيرة، لكن هذه التسجيلات اختفت عندما طلب الدفاع الاستماع لها.
ومنذ بدء المحاكمة في الرابع من مارس/آذار الماضي، طالب محامو الدفاع بمثول جميع المتهمين حضوريا أمام المحكمة، وقد أعلن بعضهم إضرابا عن الطعام في السجن احتجاجا على حرمانهم من حقهم في ذلك.
وتعود القضية إلى فبراير/شباط 2023، عندما تم إيقاف عدد من السياسيين المعارضين والمحامين وناشطي المجتمع المدني، ووجهت لهم تهم تشمل “محاولة المساس بالنظام العام وتقويض أمن الدولة”، و”التخابر مع جهات أجنبية”، و”التحريض على الفوضى أو العصيان”.