في اختراق علمي مثير، أكد فريق دولي من علماء الفلك والفيزياء الفلكية أن النصف المفقود من المادة المرئية في الكون، والذي حيّر العلماء لعقود، كان مختبئًا في سحب ضخمة غير مرئية من الهيدروجين المتأين، تحيط بالمجرات وتتمدد لمسافات أبعد بكثير مما كان يُعتقد سابقًا.
والاكتشاف، الذي تم باستخدام تقنية جديدة تعتمد على “تكديس” بيانات ضوء الخلفية الكونية الميكروية، كشف أن هذه السحب، أو ما يعرف بـ”هالات الهيدروجين”، تشكل ما يُعتقد أنه النصف المفقود من المادة الباريونية — وهي المادة الطبيعية التي تشكل النجوم والكواكب والكائنات الحية.
وبحسب موقع “sciencealert” للأبحاث العلمية، تقول عالمة الفلك بوريانا هادزيسكا من جامعة كاليفورنيا، بيركلي: “نعتقد أنه بمجرد أن نبتعد عن المجرة، يمكننا استرجاع كل الغاز المفقود،” مضيفةً أن الفريق لم يجرِ بعد تحليلات دقيقة بالمحاكاة، لكنها تؤكد: “نريد أن نقوم بذلك بعناية.”
ولطالما شك العلماء في وجود هذه المادة على هيئة ضباب كوني من الهيدروجين، لكنه كان صعب الرصد بسبب كثافته المنخفضة وسطوعه الخافت للغاية في الفضاء بين المجرات.
غير أن الفريق نجح في استغلال تأثير Sunyaev-Zel’dovich الحركي – وهو ظاهرة يُمكن خلالها رصد تغيّرات دقيقة في ضوء الخلفية الكونية عندما يمر عبر سحب الهيدروجين المتأين – لتحديد مواقع هذه السحب.
ويقول عالم الكونيات سيموني فيرارو من مختبر لورانس بيركلي الوطني: “الخلفية الكونية الميكروية هي الحافة البعيدة لكل ما نراه في الكون. لذا يمكن استخدامها كخلفية ضوئية لرؤية مكان الغاز.”
وحل الفريق هذه المشكلة عبر تجميع بيانات أكثر من مليون مجرة حمراء ضمن نطاق يبلغ 8 مليارات سنة ضوئية من درب التبانة، وتكديس الصور فوق بعضها لاكتشاف الإشارات الخافتة التي كانت ستضيع لولا ذلك.
وأظهرت النتائج أن هالات الهيدروجين أكبر بكثير مما كان يُعتقد، بل وربما أكبر من حدود القدرة الحالية لأجهزة الرصد.
ويضيف فيرارو: “القياسات تتماشى تمامًا مع فكرة أننا وجدنا كل الغاز.”
لكن هذا الاكتشاف يفتح أيضًا بابًا لأسئلة جديدة تتعلق بدور الثقوب السوداء الهائلة في قلب المجرات، والتي قد تكون تطلق هذه الغازات إلى الفضاء بين المجرات بفعل نشاطها المتقطع، ما يوقف عمليات تشكّل النجوم.
ويرى الباحثون أن هذه النتائج تشكل خطوة كبيرة لفهم بنية الكون وتطور المجرات، وتدعم جهود العلماء لحل ما يُعرف بـ”لغز المادة الباريونية المفقودة”.
وجاء في الورقة البحثية: “فهم العلاقة بين الغاز والمادة المظلمة لن يساعد فقط في التحليلات المستقبلية لعلم الكون، بل أيضًا في فهم تكوّن وتطور المجرات. هذا العمل يضيف قطعة أساسية إلى لغز الغاز الكوني في عصر المسوح الكونية الكبرى.”
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news