محمد بن راشد سابق لعصره

أكد المؤرخ البريطاني، غريم ويلسون، الذي عُرف بسيره الذاتية السردية والدقيقة والغنية بالتفاصيل عن مختلف قادة العالم، أن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، شخصية استثنائية بكل معنى الكلمة، وقائد لم تشيّد رؤيته وعزيمته دبي وأيقوناتها وإنجازاتها الرائعة فحسب، وإنما أسهمت في تحويل أرض صحراوية لتنهض من الرمال القاحلة وتصنع مستقبل عالمنا اليوم، واصفاً سموه بأنه قائد سبق عصره بعقود.. ولايزال سابقاً.

وتوقف صاحب كتاب «الأول.. السيرة الذاتية لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم»، في مستهل حواره مع «الإمارات اليوم»، عند دوافع تناوله لتجربة هذا القائد الملهم، وقال: «نشر عملي الأول في مجال السير الذاتية (والد دبي) في 1999، وذلك بعد استقراري في دبي منذ ذلك العام، وكتابتي لسيرة المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيب الله ثراه، وفي ذلك الوقت تعرفت إلى الشخصية الاستثنائية لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وما زاد اهتمامي بالموضوع هو قلة ما نعرفه، وكمثال على ذلك، حصلتُ على بعض الأوراق من أرشيف خاص في كامبريدج، ومن بينها أوراق تشير إلى جهود سموه في تنظيم رحلات طارئة لإغاثة جنوب إفريقيا، إذ كانت الإمارات تقدم مساعدات عاجلة وملحّة لأكثر من 12.5 مليون شخص».

وأضاف المؤرخ البريطاني، الذي سيشارك في جلسة اليوم بمهرجان طيران الإمارات للآداب بدبي: «عندما كنت أجري مقابلات مع زعماء العالم في مشاريع أخرى، ويعلمون أنني من دبي، كانوا لا يترددون في عرض أكثر من قصة عن تفاعلاتهم مع صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، ويحضرني لقائي مع وزير الخارجية السوفييتي السابق والرئيس الجورجي لاحقاً، إدوارد شيفردنادزه ، الذي أخبرني كيف سارع سموه إلى إرسال المساعدات إلى المناطق المتضررة أعقاب زلزال سبيتاك، لتكون طائرات الإمارات حينها أولى المساعدات الواصلة، إضافة إلى العديد من الأمثلة والقصص المؤثرة التي كان لابد من سردها».

مانديلا ودبي

وكشف ويلسون عن أبرز مصادر الإلهام التي وجدها صنعت الفارق في شخصية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، ودفعته بالتالي لتناولها في سيرة تأريخية لقائد استثنائي، وأكمل: «سأقدم مثالاً يلخص تعريفه، فقد أجريت مقابلة مع مساعد سابق للزعيم نيلسون مانديلا، وكان وقتها من المقرّبين إليه، وحاضراً في الاجتماعات التي التقى فيها مانديلا زعماء آخرين لمناقشة التقدم الاجتماعي والاقتصادي، حينها اشتكى البعض إلى مانديلا صعوبة تحقيق التقدم، وعلى اعتبار أن ذلك الرمز العالمي زار دبي وشاهدها بنفسه، فنصحهم بأن يزوروا هذه المدينة للتعرف إلى ما حققته، لاستخلاص الدروس مما سيجدونه، ووجدت في هذا الأمر مؤشراً، فقد أصبح مانديلا معروفاً في أنحاء العالم باعتباره رمزاً للنضال ضد العنصرية، لكن عندما تعلق الأمر بالتقدم الاجتماعي والاقتصادي، كان يقتدي بـ(نموذج دبي) الذي قدمه بكل اقتدار صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم».

رجل الخير

وفي ما يتعلق بأهم المحطات التي ركز عليها في السيرة، ذكر ويلسون: «أعتقد أن أحد الجوانب الرئيسة المبهرة في السيرة، هو قوة الأعمال الخيرية لسموه، التي لامست حياة مليارات البشر، فقد تعرفنا إلى العديد من الأمثلة التي تعود إلى عام 1970، وأبرزها قصة إعصار بهولا الذي ضرب ما يُعرف اليوم ببنغلاديش في العام نفسه، مخلفاً كارثة بشرية بلغت نصف مليون قتيل وملايين المشردين، ومحت مجتمعات بأكملها، في ذلك الوقت لم يكن للأمم المتحدة السلطة التي تتمتع بها اليوم في المسارعة بإرسال المساعدات إلى المناطق المتأثرة بالكوارث الطبيعية، لكن في غضون ساعات من الإعصار، تحرك صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، مستعيناً بالمساعدات من مخازن الشرطة وقوات الدفاع المدني وغيرهما في دبي، ليتم تحميلها في طائرة متجهة نحو منطقة الكارثة، وعلى مدار الأسابيع القليلة التي قدمت فيها هذه الإغاثات».

دبلوماسية هادئة

ونوه ويلسون بأن الكتاب يضيء على مواقف في سيرة سموه، موضحاً «لكي أكون صادقاً، سأذكر أمراً حذف من الكتاب، فهذه أول سيرة ذاتية معتمدة لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وربما يُترَك الأمر لمؤرخين ومؤلفين آخرين في المستقبل لتناول عمله في تعزيز السلام، إذ أشرت في الكتاب إلى عمله لإنهاء التمرد الدموي الذي حصل في الفلبين، حيث اختارته الأمم المتحدة، وأمينها العام حينها، بوصفه حكماً واضحاً ومحايداً عندما كانوا يبحثون عن الشخص الأنسب لإنهاء صراع دموي منهك، وتمكنتُ من التحدث إلى العديد ممن شاركوا في الأمر، وعرفتُ أنه في غضون أشهر من استضافة سموه للمحادثات في دبي، انتهى الصراع».

واستطرد: «تحدثت بالكتاب مع شخصيات عالمية بارزة أخبرتني عن دبلوماسية سموه في سلسلة من الأحداث المهمة حول العالم، وبصفتي المؤلف، كان بودّي الكشف عن هذه القصص الرائعة، لكنني أحترم أن نجاح صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، يكمن في عمله الهادئ الذي لا يسعى به إلى الثناء، الأمر الذي يوجب علينا احترامه وعدم السعي وراء العناوين، وبالتالي التقدير دائماً بأن دبلوماسيته الهادئة هي سر فاعليته».

القيادة الواضحة

وحول الدروس التي تقدمها سيرة «الأول»، رأى المؤلف أن «هذا الكتاب أكثر من مجرد سيرة ذاتية بسيطة، فهناك بعض السير الذاتية التي تتجاوز الحدود، وأعتقد أن الكتاب يقدم التعريف الحقيقي لرجل يمثّل، من بين أمور أخرى، عين القيادة الاجتماعية والاقتصادية الرؤيوية، لهذا السبب أقول: لقد كان مانديلا على حق».

وعن المدة التي استغرقها العمل على الكتاب، لفت ويلسون إلى أن العمل تتويج لجهد دامَ 24 عاماً: «طوال مسيرتي المهنية، وبينما كنت أعمل في مشاريع أخرى بعشرات الأرشيفات في 25 دولة، كنت أبحث عن وثائق عن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وعن دبي والإمارات، ولم يكن هناك سوى القليل الذي عرفناه حقاً عن حياته وشخصيته، فأردتُ أن أنال شرف ومسؤولية كتابة سيرة حياة هذا القائد الاستثنائي، لأنني أعلم أنني أستطيع أن أُنصف هذه القصة القيّمة، ليس فقط بصفتي كاتباً، لكن بصفتي شخصاً يرى في دبي موطنه، ويعتبر سموه قائده، على الرغم من أنني لست إماراتياً.. فهو قائد بكل معنى الكلمة وقدوة لنا جميعاً».

ذكريات شخصية

حول أبرز المراحل التوثيقية لمسيرة القائد التي اختيرت، والتحديات التي واجهت تجربة تأليف الكتاب، أشار صاحب «الأول»، غريم ويلسون، إلى اعتماده على أدلة موثقة من عشرات الدول، والبناء على الذكريات الشخصية لزعماء من أنحاء العالم، إلى جانب أولئك الذين كانوا جزءاً من رحلة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، متابعاً: «أكثر ما أفتخر به هو عمق الحقائق، وتقاطعها مع حكايات من مختلف الأشخاص الذين عملوا معه ومن أجله، لهذه الأسباب تجد الكتاب يضج بمعلومات لم نكن نعرفها، وهذا ما مثل تحدياً كبيراً لي من ناحية حجم الكتاب، لكنّ سيرة زعيم بقيمة سموه وثراء إنجازاته، كانت لتمتد لمجلدات، فهو شخصية استثنائية بكل معنى الكلمة».


شهادة تاتشر

 

قال مؤلف سيرة «الأول»، غريم ويلسون: «أثناء بحوثي لإعداد هذا الكتاب لفتتني قصة استثنائية، ففي عام 1981 زارت رئيسة الوزراء البريطانية، حينها، مارغريت تاتشر، الإمارات، وأثناء وجودها هنا، قامت مع المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيب الله ثراه، بجولة في المطار، وفي ذلك الوقت كان صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم مسؤولاً عن المطار لأربع سنوات تقريباً، وعندما عادت تاتشر إلى لندن كتبت إلى وزير النقل والسلطات في هيثرو انتقادات، لأن مطار هيثرو كان مملاً ومروعاً، بينما كان مطار دبي مشرقاً ومضيافاً، وفي عام 1990 لم يكن مصطلح العلامة التجارية الوطنية معروفاً، لكن كان صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، في بداية رحلة قيادية من شأنها أن تخلق علامة رائعة تؤكد على كل ما تم إنجازه، لقد كان متقدماً على عصره بعقود من الزمن.. ولايزال كذلك».


. 1999 نشر ويلسون عمله الأول في مجال السير الذاتية «والد دبي»، واستقر في دبي منذ ذلك العام.

. واجهت تحدياً كبيراً في الكتاب، فسيرة محمد بن راشد، وثراء إنجازاته، يمتدان عبر مجلدات متعددة.

. الزعيم نيلسون مانديلا كان يقتدي بنموذج دبي في التقدم، الذي قدمه بكل نجاح محمد بن راشد.

. أردتُ أن أنال شرف توثيق هذه السيرة، ليس فقط بصفتي كاتباً، بل بصفتي شخصاً يرى في دبي موطنه.

Google Newsstand

تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news

Share


تويتر


عن ثراء زعموم

Check Also

مركز محمد بن راشد للفضاء و«الإمارات للآداب»» يحفّزان أصحاب الخيال

بالتعاون مع مركز محمد بن راشد للفضاء، أطلقت مؤسسة الإمارات للآداب، أمس، مسابقة «جائزة مركز …

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *