الخرطوم- بعد معارك استمرت شهورا، أعاد الجيش السوداني اليوم السبت السيطرة على مصفاة الخرطوم لتكرير النفط في شمال العاصمة، في خطوة عدّها خبراء تحولا جديدا في مسار العمليات من شأنه أن يعجّل بإكمال تحرير مناطق الخرطوم بحري وشرق النيل، وعزل قوات الدعم السريع في شريط محدود.
وسيطرت قوات الدعم السريع على مصفاة الخرطوم للنفط بعد أيام من بدء الحرب، لكن المصفاة ظلت تعمل حتى توقفت عن الإنتاج في أكتوبر/تشرين الأول 2023.
تقع المصفاة في منطقة الجيلي على بعد 70 كيلومترا شمالي العاصمة، وأُسّست في عام 1997 وبدأ تشغيلها في عام 2000 بالشراكة بين وزارة الطاقة السودانية والشركة الوطنية للبترول الصينية قبل أن تؤول إلى الوزارة لاحقا، وبلغت كلفة إنشائها أكثر من مليار دولار.
وقال مسؤول عسكري، للجزيرة نت، إن قوات الدعم السريع لم تسيطر على مصفاة الخرطوم بالقتال بل كانت ضمن القوة التي تحرسها، وكان بالمصفاة عدد محدود من الجنود غدرت بهم قوات الدعم السريع.
ويوضح المسؤول العسكري أن منطقة مصفاة الخرطوم، التي تبعد عن ضاحية الجيلي نحو 20 كيلومترا، تقع في مساحة 40 كيلو مترا من المناطق المهمة عسكريا.
وحسب المسؤول، فإن المنطقة المحيطة بالمصفاة تشمل منطقة قري الحرة، والتصنيع الحربي، وقاعدة هيئة العمليات للتدريب التابعة لجهاز المخابرات، ومحطة قري الغازية لتوليد الكهرباء، بجانب تلال جبلية.
قاعدة إمداد
ويكشف المسؤول العسكري أن المصفاة منحت قوات الدعم السريع ميزة لوجستية، كما استغلت المرافق المحصنة ومخازن للأسلحة وقواعد للإمداد والتموين، وأنشأت منظومة اتصال وسيطرة، ونصبت مرصد مراقبة ومنصة لإطلاق الطائرات المسيرة نحو ولاية نهر النيل المتاخمة لها.
وتجنب الجيش استخدام الطيران والقصف المدفعي لضمان سلامة المصفاة وبنيتها ومرافقها الفنية، واستخدم تكتيكات متكاملة شملت الحصار وقطع خطوط الإمداد عن قوات الدعم السريع حتى أضعف قدراتها واستنزفها قبل أن يعيد السيطرة عليها، وفقا للمسؤول العسكري.
وأعلن رئيس مجلس السيادة والقائد العام للجيش، عبد الفتاح البرهان، خلال لقائه تنسيقية أبناء قبيلة الزريقات في 15 يناير/كانون الثاني الجاري، أن 70% من قوات الدعم السريع المتمركزة في مصفاة الجيلي للنفط بالخرطوم مرتزقة أجانب. وقال إن “التمرد استعان بعدد كبير من المرتزقة من الخارج”.
ويكشف مسؤول أمني -للجزيرة نت- أن “المرتزقة في مصفاة الخرطوم من جنسيات تشادية وليبية وسورية وجنسيات أخرى”، وقد استسلم عناصر من قبائل التبو الليبية للجيش يوم الجمعة بعد محاصرتهم في المصفاة.
ويقول المسؤول الأمني إن القوة التي دخلت المصفاة وجدت أسرى ومحتجزين في حالة سيئة، وأغلبهم مدنيون كانت تعتقلهم قوات الدعم السريع.
من جانبه، يرى الخبير العسكري العميد المتقاعد جمال الشهيد أن سيطرة الجيش على مصفاة الخرطوم انتصار عسكري واقتصادي حيث كانت تستغلها قوات الدعم السريع لإمداد مركباتها القتالية في ولاية الخرطوم ثم ولايتي الجزيرة وسنار، بجانب بيع المحروقات للمواطنين حتى بعد توقفها عن الإنتاج لوجود مستودعات ضخمة كانت معبأة بالمشتقات مما وفر لها موارد مالية كبيرة.
تحول عسكري
وفي حديث للجزيرة نت، يقول الخبير العسكري إن استعادة المصفاة لا يعني تحرير منشأة اقتصادية، بل تحوّل عسكري يؤمن ولاية نهر النيل المتاخمة للمنطقة من أي تهديد محتمل بعدما كانت قوات الدعم السريع تنتشر في قرى بالولاية في محيط منطقة المصفاة، وتحرمها من نقطة ارتكاز لوجستية مهمة.
ويأتي هذا التحول متزامنًا مع التحام قوات أم درمان مع سلاح الإشارة في الخرطوم بحري ومقر القيادة العامة للجيش في وسط الخرطوم، مما يعجل بتحرير أغلب مناطق العاصمة خلال فترة وجيزة بعد تقطيع أوصال قوات الدعم السريع وعزلها في جيوب صغيرة محاصرة، حسب الخبير العسكري.
وشهدت مراحل القتال المختلفة احتراق أجزاء من مصفاة الخرطوم ووحداتها ومرافقها، بجانب خسائر لشركات النفط باحتراق مستودعات في خارج المصفاة كانت معبأة بالمشتقات.
ويقول أستاذ الاقتصاد في جامعة الخرطوم إبراهيم أونور إن كلفة إنشاء المصفاة نحو مليار دولار، وتنتج 100 ألف برميل يوميا، وإذا تأكد دمارها فإن ذلك يعني خسارة السودان صرحا اقتصاديا لا تقتصر أهميته في أصوله الثابتة، بل تمتد تداعياته السلبية إلى توفير المشتقات النفطية للاستهلاك من السوق الخارجية.
خسائر اقتصادية
ويوضح أونور، في منشور له، أن التكلفة الاقتصادية للمصفاة تشمل قيمة الأصول الثابتة بسعر اليوم بالإضافة إلى كلفة استيراد المشتقات التي كانت توفرها المصفاة، بجانب سعر الفائدة في حال الحصول على قرض تجاري لتمويل المشروعات، والفترة الزمنية لإنشاء مصفاة بديلة. وقدر أن خسارة تدمير المصفاة بين 5 و8 مليارات دولار.
ودعا الأستاذ الجامعي الحكومة إلى تشكيل لجان لحصر وتقدير التكاليف الاقتصادية لمنشآت البنية التحتية التي دمّرت خلال الحرب للوصول إلى الكلفة الاقتصادية بدلا من التركيز فقط على الكلفة الإنشائية توطئة لرفع قضايا تعويض في المحاكم الدولية ضد الدول التي تموّل الحرب.
وتعد مصفاة الخرطوم من أكبر المصافي في السودان، وترتبط بخط أنابيب للتصدير بميناء بشائر على ساحل البحر الأحمر شرقي السودان بطول 1610 كيلومترات.
كذلك ترتبط بآبار النفط في ولايات غرب وجنوب كردفان، لكن قوات الدعم السريع سيطرت على عدد من الحقول في هذه الولايات، بينها حقل بليلة في ولاية غرب كردفان.
وتبلغ طاقة المصفاة اليومية 10 آلاف طن من الغازولين و4500 طن بنزين و8 آلاف طن من غاز الطهو، وتعادل 55% من احتياجات السودان، ويتم سد الفجوة عبر الاستيراد.
ورغم سيطرة قوات الدعم السريع على المصفاة منذ الأيام الأولى للحرب، فإن الإنتاج توقف في أكتوبر/تشرين الأول 2023، بعد تراجع إنتاج الخام، وإيقاف القوات ضخ المشتقات عبر الأنابيب إلى ولاية الجزيرة وبورتسودان في ولاية البحر الأحمر باعتبار أن الحكومة هي المستفيدة من ذلك.