وجّه رشيد حموني، رئيس فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب، انتقادات لرؤية الحكومة في إعداد مشروع قانون مالية 2026، رغم إقراره بتحسن بعض المؤشرات المالية والاقتصادية خلال النصف الأول من 2025، مشدداً على أن الحكومة مطالَبة ببذل مجهود سياسي أكبر لجذب الاستثمارات، ومعالجة التفاوتات الاجتماعية والمجالية، وتوفير رؤية واضحة لإصلاحات كبرى في الحماية الاجتماعية، التقاعد، والتشغيل، مع التحذير من مخاطر الإفراط في الاقتراض وغياب سياسات فعّالة لمحاربة الفقر والهشاشة.
تحسن مؤشرات مالية واقتصادية
وقال رشيد حموني، رئيس فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب، في تعليق أولي تفاعلاً مع منشور رئيس الحكومة حول إعداد مشروع قانون مالية 2026، توصلت به جريدة “مدار21″، أنه يسجل بكل “موضوعية تحسن بعض المؤشرات المالية والاقتصادية في النصف الأول من سنة 2025″، مستدركا لكن هذا التحسن “لا يعوض أبدأ ما تم فقدانه في سنوات 2022 و2023 و2024، اقتصاديا واجتماعيا، كما أن هذا التحسن يعود في جزء كبير منه إلى ثلاثة عوامل لم تبذل فيها الحكومة مجهوداً سياسيا خاصاً في سنة فلاحية ممطرة وارتفاع عائدات السياحة ونجاعة أداء الإدارة الضريبية”.
وأردف أن “انخفاض عجز الميزانية مسألة إيجابية، لكن يتعين الانتباه إلى أن الأمر قد يكون راجعاً إلى إدراج مداخيل التمويلات المبتكرة ومداخيل صناديق خاصة غير مستدامة”، داعيا الحكومة لكي توضح الأمر، مضيفا أن تراجع المديونية، من حيث النسبة من الناتج الداخلي الخام “أمر صحيح إيجابي، لكن ينبغي الانتباه إلى ارتفاع القيمة المطلقة للمديونية، كما يتعين الحسم في النقاش الميزانياتي حول الجدوى من عدم إدراج مديونيات المؤسسات والمقاولات العمومية”.
وأبرز أنه “لا يمكننا من حيث المبدأ الاختلاف حول أولويات الإطار توطيد المكتسبات الاقتصادية والتنمية المجالية المندمجة والدولة الاجتماعية، والإصلاحات الكبرى والتوازنات المالية”.
المردودية الاقتصادية للاستثمارات العمومية
واستدرك الحموني “لكن نمو الاستثمارات الأجنبية المباشرة لا يعكس الفرص التي تتيحها المؤهلات الهائلة لبلادنا والفرص التي تجسدها”، مفيدا أن “الاستثمارات العمومية الضخمة في البنيات التحتية يجب أن تكون لها مردودية اقتصادية من حيث جلب الاستثمارات الخصوصية، ما يستلزم من الحكومة بذل مجهود سياسي وتفاوضي أكبر، ويقتضي منها العمل على بعد الحكامة وتحسين مناخ الأعمال، وعدم حصر هذا الأمر في مجرد تبسيط المساطر”.
واستحضر حموني “حديث الحكومة عن استراتيجية الرقمنة، بأرقام طموحة، نتمنى أن تتحقق، لكن الحكومة عليها التصدي لمعالجة الفجوة الرقمية، لأنها مظهر صارخ من مظاهر التفاوتات المجالية والاجتماعية”.
وتابع أن منشور رئيس الحكومة يتحدث عن تخصيص 4 ملايير درهم لدعم الخدمات السياحية لـ90 مؤسسة فندقية، مضيفا “لكن الواقع يبرهن على غلاء الخدمات السياحية والفندقية بما يطرح بحدة إشكاليتي التنافسية والجودة وإشكالية عروض السياحة الداخلية”.
وواصل رئيس فريق “الكتاب” أن حديث عن الاستثمارات الفلاحية لم يتضمن “إشارات كافية إلى الفلاح الصغير والزراعات الموجهة داخليا لتوفير السيادة الغذائية”.
وأورد أن “هناك، كما هو معروف، تطور كبير لصناعات معينة كالسيارات، لكن الدعم الحكومي للتصنيع يجب أن يتركز حول نقل التكنولوجيا، وحول التصنيع الوطني الحديث، وحول تشجيع التوطين المجالي للوحدات الصناعية للمساهمة في تجاوز الاختلال الترابي في إنتاج الثروة ومناصب الشغل”.
وأوضح أنه “لا يكفي التطرق إلى أنه ستتم معالجة القطاع الاقتصادي غير المهيكل، دون تخصيص أي ميزانية لذلك، لأن الإدماج يتطلب تحفيزات مالية وجبائية لها كلفة يجب أن تكون واضحة ومحددة بدقة”، مستغربا من جهة أخرى حديث الحكومة “عن هدف تقليص البطالة إلى 9% في أفق 2030، علما أن ولايتها تنتهي في 2026، والأدهى أنها تربط تحقيق هذا الهدف بالتساقطات المطرية، وفي هذا تناقض مع تصريحها بكونها تعمل على فصل النمو الاقتصادي عن الظروف المناخية”.
الحماية الاجتماعية وملف التقاعد
وأردف حموني أنه “لأول مرة، تعترف الحكومة في هذا المنشور، بعدم تحقيق هدف تعميم التغطية الصحية، وتتحدث عن 32 مليون نسمة من أصل 37 مليون، لكنها لا تدرج المسجلين الذين حقوقهم في التغطية الصحية مغلقة، ليصل العدد غير المستفيد إلى حوالي 8 ملايين وزيادة”.
وأضاف أنه “ليس هناك أي حديث عن ميزانية إصلاح التقاعد، ولا عن توسيع التعويض عن فقدان الشغل، بما يعني أن سنة 2026 ستكون بيضاء على مستوى هذين الإصلاحين المنصوص عليهما في القانون الإطار للحماية الاجتماعية الشاملة”، مشيرا من جهة أخرى إلى أنه “من الإيجابي عزم الحكومة على تخصيص ميزانية مهمة للأمن المائي من حيث تعزيز العرض المائي، وينبغي أيضاً ترشيد الطلب”.
وقال حموني إن “هناك 19 مليون مغربي (5.3 ملايين أسرة) مسجلون في السجل الاجتماعي الموحد، وعدد المستفيدين من الدعم المباشر بلغ 4 ملايين أسرة بقيمة 37.7 مليار درهم، وهو مبلغ ضخم”، مستدركا “لكن لا يشير المنشور إلى أي تفكير للحكومة في كيفيات إدماج هذا الجزء الهام من المغاربة في العجلة الاقتصادية والتمكين الاجتماعي والمهني المحاربة الفقر والهشاشة بشكل جذري، ولا إلى أي تفكير في مراجعة المعايير والعتبات المجحفة”.
زلزال الحوز وغياب إصلاح المقاصة
وأكد حموني أنه “لا حديث عن إصلاح صندوق المقاصة لكي يستفيد من أمواله العامة فقط المستحقون للدعم”، مشيرا إلى أن “التضخم تم حصره بالأرقام في 1.3% لكن على الحكومة أن تعطي بالنظر إلى الغلاء الفاحش واستمرار تدهور القدرة الشرائية النسب المرجعية للتضخم مقارنة مع أسعار 2021”.
وأضاف أنه “استفاد من برنامج الدعم المباشر للسكن حوالي 57 ألف أسرة بقيمة 4.7 مليارات درهم، وهو أمر إيجابي رغم أنه لا يصل إلى الأرقام المعلنة في بداية البرنامج. لكن الحكومة لم تأت بتصور المعالجة إشكالية التفاوت المجالي الصارخ في توفير العرض السكني المدعم ما يجعل الاستفادة متركزة في جهات وأقاليم بعينها”.
وسجل حموني أنه “إلى غاية يوليوز 2025 لم تتم تعبئة سوى 14.5 مليار درهم لبرنامج مواجهة تداعيات زلزال الحوز أغلبها من ميزانيات القطاعات الوزارية”، مضيفا “والحقيقة أنه حسب ما أعلنته الحكومة في البداية كان من اللازم في سنتين تعبئة حوالي 48 مليار درهم (24 مليار درهم في السنة) وليس 14.5 فقط في سنتين”.
وانتهر رئيس الفريق إلى أن “الأرقام والتوقعات المرتبط باستدامة المالية العمومية هي إيجابية، وتعزز ثقة الفاعلين الدوليين في متانة المالية العمومية المغربية، ومع ذلك ينبغي الحذر من الإفراط في الاقتراض الخارجي والعمل على تقوية ميزان المبادلات التجارية وتقليص الواردات غير الضرورية وتوفير رؤية مستدامة ودقيقة المصادر تمويل ورش الحماية الاجتماعية وأوراش البنية التحتية المونديالية والورش الكبير للحد من التمايزات المجالية”.