تحوّل جيلي ومطالب اجتماعية جديدة

تشهد عدد من القرى والبوادي، خلال الأشهر الأخيرة، احتجاجات من أجل المطالبة بفك العزلة ورفع التهميش، إذ باتت العديد من المناطق تتوجه بمسيرات احتجاجية حاشدة نحو العمالات والأقاليم لإيصال صوتها، بعدما عجز المنتخبون عن إيجاد حلول تستجيب لتطلعاتهم.

الاحتجاجات الجديدة التي تشهدها عدد من القرى تطرح تساؤلات بشأن دلالاتها وأبعادها، لا سيما وأنها تأتي بعد تراكم سنوات من الإقصاء من الخدمات العمومية، من طرق ومستشفيات ومدارس، إضافة إلى تفاقم البطالة بسبب توالي سنوات الجفاف، هذه الأخيرة التي أثرت على وفرة الموارد المائية للشرب والسقي.

وفي هذا السياق، يرى عبد الرحيم العلام، أستاذ القانون الدستوري وعلم السياسة بجامعة القاضي عياض بمراكش، أن الاحتجاجات الأخيرة “تعكس تحولا جيليا”، مشيرا إلى أن “العالم القروي يشكل 40 في المئة من سكان المغرب، والمفروض أنه ينبغي أن يشهد نسبة أقل من العطالة، لكن في السنوات الأخيرة ومع توالي سنوات الجفاف أصبح يفقد كل سنة مناصب الشغل مما أدى إلى تفشي البطالة”.

وأفاد العلام، في تصريح لجريدة “مدار21″، أن هذه البطالة كانت سابقا في صفوف غير المتمدرسين، لكنها اليوم تطال خريجي الجامعات من أبناء البوادي الذين يعودون إلى مناطقهم الأصلية حاملين ثقافة حقوقية ومطالب اجتماعية ويقيمون مقارنات مع المدن.

وأشار إلى “وجود وعي حقوقي وانتشار ثقافة مطلبية بالقرى والبوادي، تنضاف إلى وجود مطالب ضاغطة، ذلك أن سكان العالم القروي يحتجون من أجل أمور بعضها تقليدي، مثل الماء خاصة بعد توالي سنوات الجفاف، وتوفير المستشفيات والطرق والمدارس وغيرها من الخدمات الأساسية”.

وتابع أن هناك أيضا مطالب جديدة متمثلة في توفير شبكة الاتصالات لتجاوز المشاكل التي تحدث في التواصل مع ذويهم، إضافة إلى مطلب توفير النقل المدرسي للتلاميذ ورياض أطفال ومدارس لا تشهد ظاهرة الأقسام المشتركة التي تعتبر ظاهرة قروية، وهي أمور من المطالب الحديثة.

واعتبر أن من العوامل الجديدة ما يتعلق بالاستفادة من ورش الدعم الاجتماعي، ذلك أن البعض يرى نفسه مُستحقا للدعم ولا يستفيد منه ويقارن نفسه بغيره، بالإضافة إلى أن هناك من كان يستفيد من الدعم قبل أن يفقده.

وأشار إلى الإشكاليات المرتبطة بالتغطية الصحية، إذ تجبر عدد من العائلات على الدفع مقابل الاستفادة من الخدمات الصحية، إضافة إلى شعور البعض أنه يغبن في حقه بالاستفادة من الدعم الفلاحي المرتبط بالتغطية الصحية.

وأوضح العلام أن العوامل المؤدية للاحتجاجات بالعالم القروي فيها أمور بنيوية ومركبة يتداخل فيها ما هو تقليدي وأمور مستجدة، مبرزا أن الفئات التي تحتج، كما يظهر من مقاطع الفيديو المنتشرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تتوفر على وعي ومتعلمة ولديها مطالب دقيقة ومحددة.

وواصل العلام أنه إلى حدود اللحظة فإن المطالب التي ترفع في احتجاجات القرى ليست سياسية ولا نلمس تغيرا في الطابع الاحتجاجي لأبناء القرى، ذلك أن المطالب دائمًا اجتماعية محضة لا يحضر فيها السياسي، عكس الاحتجاجات التي تشهدها المدن والتي ترفع مطالب الإصلاح الديمقراطي والتوزيع العادل للثروة والمساواة وتجاوز الطبقية وغيرها من المطالب التي تغيب عن احتجاجات سكان القرى والجبال.

وحول الإشارات التي تضمنها الخطاب الملكي الأخير وإعلان ملك البلاد عن إطلاق جيل جديد من برامج التنمية المحلية لتجاوز منطق السير بسرعتين، يقول العلام إن وجود مطالب من الجيل الجديد يستدعي بالضرورة برامج من الجيل الجديد، مشددا على أن مطالب المواطنين لم تعد مقتصرة على الحصول على الحق فحسب، بل امتدت لتشمل جودة هذا الحق.

عن أسيل الشهواني

Check Also

السكوري يدافع عن حصيلة برامج التشغيل في امتصاص البطالة

في الوقت الذي تتحدث فيه تقارير مؤسسة رسمية عن ارتفاع في أرقام البطالة، دافع وزير …

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *