بين الذكريات ونكهة الشاي، نسجت الإماراتية، فاطمة الموسوي، حلمها الخاص، مستلهمة من الخلطة «السرية» التي ورثتها عن والدها، علامتها الإماراتية الأولى في الشاي، لم تكتفِ فاطمة بهذا المشروع، فبعد مرور سنوات على إطلاقه، أرفقت شغفها بالعلم، لتحصل في عام 2024 على شهادة اعتماد من رابطة خبراء الشاي الدوليين في أميركا، لتكون أول من يحصل على هذا الاعتماد في الخليج.
ولأن الشاي بالنسبة لها مصدر إلهام متجدد، عملت على مشاريع عدة تنبثق من هذا العالم وتواكب الاستدامة، من أبرزها مشروع تصفية المياه باستخدام مخلفات الشاي، الذي بدأ كبحث جامعي، وطورته إلى أن أصبح مشروعاً واعداً سيبصر النور قريباً، وكذلك تحويل مخلفات هذا المشروب إلى سماد زراعي.
الرقم واحد
وحول بداياتها مع عالم الشاي، قالت فاطمة لـ«الإمارات اليوم»، إن «رحلتي مع علامة (يقند الراس) بدأت منذ الصغر، فوالدي، رحمه الله، كان محباً للشاي، ولديه طقوس في تحضيره، كما كانت لديه خلطاته الخاصة التي يعملها على نحو شهري، ويوزعها على العائلة، ويجمع من خلالها تسعة أنواع ونكهات من الشاي من دول مختلفة».
وأكّدت أنها تأثرت بمقولة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله: «أنا وشعبي لا نرضى إلا بالرقم واحد»، ولهذا أقدمت على بناء علامة إماراتية للشاي المختص، خصوصاً أن هذا المشروب لا يحظى بالاهتمام، والثقافة حول أنواعه وخلطاته محدودة، بخلاف القهوة المختصة.
وكشفت عن أنها بدأت المشروع بخلطة والدها المكونة من تسع نكهات، إلى أن بدأت تنتج نكهاتها الخاصة، وآخرها خلطة الشاي الأخضر بالياسمين، وهي خلطة جذورها من الصين، وتجمع بين أجود أنواع الشاي الأخضر، الذي يقطف يدوياً في موسم محدد، ومن أعلى ستة جذوع للشجرة، وتؤخذ الأوراق المقطوفة ويُضاف إليها الياسمين الطبيعي، ثم يلف يدوياً كاللآلئ، وهو يُعد من أغلى أنواع الشاي.
براءة اختراع
وجمعت فاطمة بين شغف الشاي والعلم، فخلال دراستها للعلوم البيئية والطاقة المستدامة في جامعة زايد، دمجت ما بين حب هذا المشروب وكذلك حب البيئة وتخصصها الجامعي، فقدمت دراسة لمشروع تنقية المياه باستخدام مخلفات الشاي، إذ فكرت في شيء يخدم الدولة، لاسيما أنه يرتبط بالدائرة الاقتصادية الكاملة التي يمر بها الشاي في مراحله المختلفة، بدءاً من كونه نبتة مروراً بتحويله إلى كوب يعدّل المزاج، وصولاً إلى نفايات يمكن إعادة تدويرها لتعيد الحياة إلى الطبيعة.
وأوضحت أن فكرة مشروعها الجامعي ستبصر النور قريباً، وذلك بعد أن حصلت على أكثر من جائزة وكذلك براءة اختراع، فهي في مرحلة التنفيذ والتطبيق، لاسيما أن المشروع خضع للكثير من التطويرات.
ونوهت بأنها لم تتوقف عند هذا المشروع في الاستدامة، إذ كونت «سلسلة طاقة الشاي» التي تهدف إلى إعادة تدوير أوراقه واستخدامها لأهداف بيئية، عبر تعاونها مع شركة محلية في دبي، لصناعة سماد طبيعي مصنوع حصراً من أوراق الشاي ومن علامتها التجارية، بهدف تحقيق صفر نفايات في عالم الشاي، خصوصاً أنه المشروب الثاني الأكثر تناولاً بعد الماء على الصعيد العالمي، وكمية النفايات الناتجة عنه كبيرة.
ولم تتوقف مرحلة جمع الشاي بالعلم عند هذا الحد مع الشابة الإماراتية، إذ قرّرت استكمال مسيرتها في التخصص العلمي بالشاي، فدخلت رابطة خبراء الشاي الدوليين في أميركا، وهي منظمة مسؤولة عن منح الاعتماد للخبراء في علوم الشاي الكاملة، لتكون الوحيدة من الخليج العربي الحاصلة على هذا الاعتماد، حسب قولها.
وذكرت أن هذا التدريب فتح لها الأبواب على اختبار زراعة الشاي في الإمارات، مع أن هذا «الحلم» قد يكون شبه مستحيل بسبب عوامل المناخ، ولكن العلم في تطوّر مستمر، ويمكن الاستفادة من تقنيات التحكم بالمناخ والتربة ودرجة الحرارة والرطوبة، وقد أجرت أكثر من تجربة زراعة، على أمل أن تصل إلى التجربة الناجحة، وتتمكن من زراعة الشاي محلياً.
واعتبرت فاطمة أن التحدي الأكبر في مجال الشاي يكمن في نشر الثقافة حوله، فهناك الكثير من المعلومات المغلوطة عن هذا المشروب الذي تصفه بـ«المظلوم في الأسواق»، ولذا تسعى إلى نشر ثقافة الشاي المختص، وقد دخلت مجال صناعة المحتوى من أجل نشر المعرفة عن المشروب، وأصول النبتة وفوائدها؛ وصولاً إلى طريقة إعدادها الصحيحة.
في الصدارة
وتوفق فاطمة الموسوي بين التقاليد المختصة بشرب الشاي والمعرفة، مضيفة: «أسعى دائماً مع كل نجاح أحرزه إلى تقديم هويتنا، فالشاي والقهوة من المشروبات التي ترافقنا في المناسبات السعيدة والحزينة، ولذا من الممكن أن تبرز جزءاً من الهوية والثقافة، خصوصاً أن طريقة تقديم الشاي في العالم العربي بعيدة عن أسلوب الغرب».
ونوهت بأنها تمكنت من جعل منتجها في الصدارة في السوق، لاسيما أنها باتت تورّد لجهات حكومية وخاصة.
وذكرت أن متذوق الشاي العادي يختلف عن المتذوق صاحب المعرفة؛ إذ إنها بعد حصولها على الشهادة الدولية في هذا التخصص باتت مدركة لأهمية الاختلاف في أنواع الشاي والنكهات وشم الأوراق قبل الشرب والبخار، وتفاصيل كثيرة تحدث اختلافات في النكهة، مشيرة إلى أن كل أنواع الشاي تأتي من نبتة واحدة، ولكن اختلاف النكهات ينجم عن التباين في طريقة التحضير والتجفيف والأكسدة.
اقرأوا الإرشادات
قدّمت فاطمة الموسوي نصيحة لمحبي الشاي، مشيرة إلى أن أغلب الناس يعدون الشاي بطريقة غير صحيحة، إذ يغلون النبتة فتخسر فوائدها، مشددة على ضرورة قراءة الإرشادات المدونة على علب الشاي قبل تحضيره، إذ إن لكل نوع درجة حرارة يتحملها، فالأسود يحضّر بدرجة حرارة ماء تراوح بين 95 و100 درجة، بينما الأخضر من 80 إلى 85، كما تختلف مدة نقع الأوراق في الماء باختلاف نوعه، فضلاً عن البحث عن العلامة التجارية ومصدرها.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news