عدم دستورية عدد من مواد قانون المسطرة المدنية حدث قانوني تاريخي حسم جدلا دستوريا طال أمده

الخط :

أثار قرار المحكمة الدستورية الصادر بتاريخ 4 غشت 2025، والقاضي بعدم دستورية عدد من مواد قانون المسطرة المدنية، نقاشا واسعا في الأوساط القانونية والحقوقية، بالنظر إلى حساسية هذا النص الذي يُعد بمثابة “دستور العدالة” في المغرب.

وفي تعليقه على الموضوع، قال المحامي بهيئة الرباط والدكتور في الحقوق والخبير في مجال العدالة وحقوق الإنسان، الأستاذ محمد الهيني، في تصريح لموقع “برلمان.كوم”، إن القرار “يشكل حدثا قانونيا تاريخيا” لأنه حسم جدلا دستوريا طال أمده، مشيرا إلى أن المحكمة أسقطت مقتضيات تمس بحقوق المتقاضين والأمن القانوني.

وأوضح الهيني أن المحكمة الدستورية قضت بعدم دستورية مواد محددة من القانون دون التطرق لبقية المقتضيات، وهو ما اعتبره “إعلانا ضمنيا بأن القانون فقد ماهيته كتشريع متكامل، وأصبح وثيقة ناقصة تحتاج إلى مراجعة شاملة من طرف الحكومة، بما يضمن الانسجام مع أحكام الدستور باعتباره أسمى قانون في البلاد”.

وأشار المتحدث إلى أن المحكمة ركزت في قرارها على ثمانية محاور أساسية لعدم الدستورية، من بينها: إلغاء الصلاحية غير المقيدة للنيابة العامة في طلب بطلان الأحكام، وضع ضوابط دقيقة للتبليغ، فرض ضمانات للتقاضي عن بعد، وتمكين الأطراف من التعقيب على مستنتجات المفوض الملكي. كما أضاف أن القرار شمل أيضا إلغاء مقتضيات تتيح لوزير العدل التدخل في مساطر قضائية، وفرض تبعية النظام المعلوماتي للمحاكم للسلطة القضائية بدل وزارة العدل.

وأكد الهيني أن المحكمة قدمت في هذه النقاط حماية مهمة لحقوق الدفاع والأمن القانوني، لكنها في المقابل تبنّت ما أسماه “منهجية الرقابة الانتقائية”، إذ اكتفت بفحص النصوص التي اعتبرتها “غير دستورية بشكل بيّن”، متجاهلة نصوصا أخرى لا تقل خطورة.

وانتقد ذات المحامي هذه المقاربة، معتبرا إياها “تراجعا عن الدور الدستوري للمحكمة” المنصوص عليه في الفصل 132، والذي يلزمها بفحص جميع مواد القانون المحال عليها، دون انتقاء أو ترك. وأضاف أن هذا الأسلوب “يحرم المتقاضين من ضمانة الرقابة الشاملة، ويترك نصوصا مشوبة بعيوب دستورية نافذة دون مراجعة”.

ولفت الهيني الانتباه إلى أن هذا المنهج “يُدخل حالة من الشك بدلا من اليقين في تطبيق القانون”، ويحرم الحكومة والبرلمان من تقييم متكامل للنصوص بما يسمح بصياغة قانون جديد محصن دستوريا. كما حذر من أن هذا القرار قد يشكل “سابقة” لتقليص نطاق المراقبة الدستورية في المستقبل.

وشدّد الخبير في مجال العدالة وحقوق الإنسان على أن المطلوب هو رقابة جريئة وشاملة من المحكمة الدستورية، تنحاز كليا لحماية الحقوق والحريات، وتدعم استقلال القضاء، وتحافظ على الثقة في العدالة كمؤسسة ضامنة لسيادة القانون، داعيا إلى مراجعة هذا التوجه في القرارات المقبلة لتفادي إهدار فرص تاريخية لإصلاح تشريعات جوهرية.

عن أسيل الشهواني

Check Also

“بيجيدي”يدعو لإجراءات لمواجهة تدهور القدرة الشرائية

نبهت فاطمة الزهراء باتا، عضو المجموعة النيابية لحزب العدالة والتنمية، إلى التدهور المستمر في القدرة …

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *