شددت الحكومة على ضرورة مواصلة تعزيز دينامية الاستثمار العمومي، إذ خصصت لهذا الغرض غلافا ماليا قدره 340 مليار درهم برسم سنة 2025، بهدف دعم أولويات استراتيجية في مجالات البنية التحتية، والصحة، والتعليم، والرقمنة، مبرزة أيضا نجاح المغرب في تعبئة تمويلات خارجية بشروط تمويل تنافسية، من خلال إصدار سندات سيادية بقيمة 2 مليار يورو في الأسواق الدولية خلال مارس 2025، ما يعكس الثقة في صلابة الاقتصاد الوطني ومصداقية توجهاته الماكرو اقتصادية، بحسبها.
وأضافت المذكرة التوجيهية لمشروع قانون المالية لسنة 2026، التي وجهها رئيس الحكومة، إلى القطاعات الوزارية، أن المغرب، تمكن خلال السنوات الماضية من الحفاظ على مسار اقتصادي مستقر ومرن، رغم سياق دولي طبعته صدمات خارجية متعددة، منها جائحة كوفيد – 19، الأزمة الطاقية، والتوترات الجيوسياسية، والتضخم العالمي، والجفاف المتكرر.
وتشير المذكرة إلى أن هذه المرونة، تمثلت في بلوغ معدل نمو الناتج الداخلي الخام حوالي 4.4% منذ أزمة كوفيد، مما وضع المملكة من بين الاقتصادات الأكثر دينامية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والقارة الإفريقية، بينما بلغت القيمة الإسمية للناتج الداخلي الخام ما يقارب 1.600 مليار درهم سنة 2023، أي أكثر من الضعف في غضون عشرين سنة، وتجاوز الناتج الداخلي الخام بالنسبة للفرد 4.300 دولار أمريكي سنة 2024.
وسجل المصدر ذاته “تراجع ملموس لارتباط النمو الاقتصادي بالتقلبات المناخية، في حين كانت المواسم الفلاحية السيئة خلال الثمانينيات والتسعينيات تؤدي إلى انكماش الناتج الداخلي الخام، لم يعد معدل النمو يعرف منحى سلبيا على إثر موسم فلاحي سيء خلال العقد الأخير، وذلك بفضل تنويع النسيج الإنتاجي الوطني الذي عزز مرونة الاقتصاد الوطني”.
وفي سنة 2024، تفيد المذكرة بأنه تم التحكم في عجز الميزانية في حدود 3,8% من الناتج الداخلي الخام، بينما تجاوز %7 بالعديد من الاقتصادات الصاعدة الأخرى، بينما تمثل استقرار الدين العمومي في حدود 67,7% من الناتج الداخلي الخام، وهو مستوى مديونية أدنى من المستوى المسجل بالعديد من الاقتصادات الصاعدة مثل البرازيل وجنوب إفريقيا حيث تجاوز 85% من الناتج الداخلي الخام، مشيرة إلى أن هذا المستوى من المديونية ُصنف المغرب تحت عتبة النسبة الحرجة البالغة 70%، والتي تعتبر مؤشرا لليقظة في البلدان الصاعدة، مع مواصلة الاستثمار في أولوياته الاستراتيجية (التعليم، الصحة، الانتقال الطاقي، البنية التحتية).
وتطرقت المذكرة إلى تعزيز المالية العمومية من خلال اعتماد إصلاحات جبائية تدريجية الضريبة على القيمة المضافة، الضريبة على الشركات والضريبة على الدخل، وتوسيع الوعاء الضريبي، وتحسين حكامة النفقات، لافتة في سياق متصل إلى استقرار التضخم في مستويات نسبيا منخفضة على المدى الطويل بمتوسط تراوح بين 1,5% و2% و 0,9% سنة 2024)، وهو مستوى أقل بكثير مما هو مسجل في العديد من الاقتصادات المماثلة، أكثر من 30% في مصر، وأكثر من 50% في تركيا، وفق ما أوردته.
وأفادت أيضا بأن البنك المركزي (بنك المغرب) قام بتدبير استباقي لسعر الفائدة الرئيسي (3% سنة 2024)، مما أدى إلى تثبيت توقعات التضخم مع دعم الانتعاش الاقتصادي، فيما تظل سياسة الصرف متحكم فيها في إطار مرونة تدريجية، مما يعزز القدرة التنافسية الخارجية.
وأوضح المصدر ذاته أن الوضع الخارجي للمغرب يعكس تدبيرا صارما لميزان الأداءات مدعوما باستقرار الدرهم، ودينامية الصادرات الصناعية (السيارات الفوسفاط الصناعات الغذائية)، والتحويلات المستدامة للمغاربة المقيمين بالخارج (أكثر من 117 مليار درهم سنة 2024)، استمرار جاذبية الاستثمارات الأجنبية المباشرة (43 مليار درهم).
وبالنسبة للاحتياطيات من العملة الصعبة، تشير إلى أنها بلغت ما يناهز 403 مليار درهم عند بداية شهر يوليوز 2025 أي ما يفوق 5,5 أشهر من واردات السلع والخدمات، عادة أنها مستوى يعتبر مريحا جدا مقارنة مع 3 أشهر من الواردات الذي يعتبر الحد الأدنى بالنسبة للدول الصاعدة، مبرزة أن عجز الحساب الجاري يظل متحكما فيه 12- من الناتج الداخلي الخام سنة 2024)، رغم ضغط فاتورة الواردات لدعم الاستثمار.
وفي الشق المتعلق بالاستثمار، أوردت المذكرة أنه تم دخول الميثاق الجديد للاستثمار حيز التنفيذ وتسريع وتيرة تدخل صندوق محمد السادس للاستثمار يعززان جاذبية رؤوس الأموال الوطنية والأجنبية، إلى جانب استفادة النسيج الاقتصادي من سياسات صناعية موجهة (السيارات، الطيران الصناعات الغذائية، الطاقات المتجددة) التي تساهم في تطوير الاقتصاد.
ويتميز المغرب بحضوره المنتظم والمنضبط بالأسواق المالية الدولية، مما يسمح له بتعبئة الموارد على المدى المتوسط والطويل لتمويل احتياجاته التنموية ودعم مرونته الماكر واقتصادية، إذ تمكنت المملكة من إصدار عدد من السندات السيادية الناجحة، لاسيما باليورو والدولار، والتي اتسمت بانخراط متميز وآجال استحقاق طويلة وشروط تمويل تنافسية، وكان آخر هذه الإصدارات في شهر مارس 2025، إذ تم إصدار سندات بقيمة 2 مليار يورو في سوق السندات الدولية، يضيف المصدر ذاته.
وتعكس هذه المردودية، بحسب المذكرة، مصداقية الأسس الماكر واقتصادية للمملكة، وجودة وضعها السيادي وصلابة إطار حكامتها المالية والميزاناتية.
وفي إذار انخراط المغرب في ورش هيكلي لتحديث إطاره التنظيمي والمؤسساتي، تضمنت المذكرة “تحديث تدريجي للمنظومة المالية الوطنية، لاسيما من خلال اعتماد القانون التنظيمي لقانون المالية، الذي عمل على ادراج مقاربة ترتكز على نجاعة الأداء، والميزانية المتعددة السنوات، حيث يتم حاليا الاعداد لتعديل هذا القانون التنظيمي، وتعميق سوق الرساميل، من خلال تيسير الولوج إلى أدوات تمويلية متنوعة، تتماشى مع المعايير الدولية”.
وتضمنت أيضا في الصدد ذاته اعتماد أدوات جديدة السندات المستدامة، والصكوك (المطابقة للتمويل التشاركي) والسندات الخضراء، التي تمكن من توسيع نطاق مصادر التمويل للمشاريع العمومية والخاصة، مع تعزيز الاستدامة في سياسة الاستثمار، إضافة إلى بذل جهود مستمرة في مجال الشفافية الميزانياتية، وتدبير المخاطر والحكامة الميزانياتية ويتجلى ذلك بشكل خاص في تحسين التقارير المالية، وتعزيز دور مؤسسات الرقابة، وكدا مزيد من الانفتاح على المعايير الدولية في نشر المعلومات المالية والجبائية.