كابل – وقّعت حكومة أفغانستان اتفاقا مع مجموعة عزيزي الاستثمارية بـ10 مليارات دولار لإنتاج 10 آلاف ميغاواط من الكهرباء بحلول عام 2032، في مشروع يُعدّ الأكبر في تاريخ البلاد، ويُتوقع أن يُحدث تحوّلًا هيكليا في قطاع الطاقة ويمنح الاقتصاد دفعة جديدة.
يأتي المشروع، الذي وُقع الاتفاق بشأنه الأسبوع الماضي، في وقت تعتمد فيه أفغانستان على استيراد أكثر من 80% من حاجتها للكهرباء، وتدفع سنويا ما بين 220 إلى 280 مليون دولار لدول الجوار، مثل أوزبكستان وطاجيكستان وإيران وتركمانستان، مع طموحات بتحقيق الاكتفاء الذاتي، والتحوّل إلى مُصدر إقليمي للطاقة.
مشروع بحجم دولة
بموجب الاتفاق، تبدأ فورا أعمال المسح الفني والهندسي التي تستغرق نحو 6 أشهر، تعقبها مراحل تنفيذ تدريجية تبدأ بطاقة أولية بين 2000 إلى 3000 ميغاواط، وصولا إلى الإنتاج الكامل على مدى 7 إلى 10 سنوات.
تعتمد الخطة على مزيج متنوع من مصادر الطاقة، تشمل الفحم الحجري والغاز، إلى جانب الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، وربما الطاقة المائية، بحسب ما أعلنت مجموعة عزيزي.
يُخصص جزء من هذه الطاقة للاستخدام السكني، بينما سيُوجَّه الجزء الأكبر لدعم القطاع الصناعي وبناء مدن صناعية جديدة، وفقا لما قاله رجل الأعمال الأفغاني المعروف رئيس مجموعة عزيزي، ميرويس عزيزي.

رسائل سياسية وتنموية
شهد القصر الرئاسي في كابل حفل توقيع الاتفاقية، بحضور نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية الملا عبد الغني برادر، ووزراء ومسؤولين، إلى جانب ميرويس عزيزي.
وفي كلمته، وصف وزير الطاقة والمياه الملا عبد اللطيف منصور المشروع بأنه “خطوة إستراتيجية نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي”، مشيرا إلى أن الحكومة تسعى إلى توفير الكهرباء لجميع المواطنين وتعزيز الاقتصاد من خلال مصادر متجددة، لا سيما الكهرومائية.
وأضاف منصور أن حكومة أفغانستان “أدركت آلام ومعاناة الشعب، وبدأت الآن في اتخاذ خطوات عملية لمعالجتها”. وأن “هذا المشروع من أهم المشاريع في مجالات إنتاج الطاقة ونقلها وتوزيعها”.
وتابع: “قدوم المستثمرين إلى أفغانستان واستعدادهم للاستثمار يعكس ثقة تامة بالإمارة الإسلامية، ونعمل جاهدين لتحقيق الاستقلال الاقتصادي بعد الاستقلال السياسي”.
ورحب منصور بالاستثمار في مشروع الطاقة الجديد، مؤكدا التزام الحكومة بالتعاون الكامل في مختلف الجوانب لضمان نجاح المشروع.
مسارات جديدة للاقتصاد
ومن جهته قال ميرويس عزيزي “نحن لا نبني محطات طاقة فقط، بل نُطلق مسارا جديدا لاقتصاد أفغانستان، ونهدف إلى إنتاج طاقة تفوق الاحتياجات المحلية، ونخطط لتصدير الفائض إلى دول الجوار مثل باكستان والصين”.
وأضاف أن المشروع سيُسهم في زيادة الإيرادات وتنشيط الصناعة والزراعة، وتوفير فرص عمل لآلاف الأفغان. وتابع “نحن نستثمر في الإنسان بقدر ما نستثمر في البنية”.
وأشار إلى أن 98% من العاملين في المشروع سيكونون من الأفغان، بإشراف كوادر فنية أجنبية لتدريبهم، وأن المشروع سيوفر أكثر من 150 ألف وظيفة مباشرة وغير مباشرة، مما يجعله أحد أكبر مشاريع التوظيف في البلاد.
تشغيل وتدريب
من المنتظر أن يصاحب تنفيذ المشروع إنشاء مصانع داخلية لإنتاج أعمدة وأسلاك الكهرباء ومحطات التحويل. وأكدت مجموعة “عزيزي” أنها ستوظف الأفغان في معظم مراحل المشروع، مع توفير برامج تدريب فني بإشراف دولي.
وتنتج أفغانستان، حسب بيانات وزارة الطاقة والمياه، أقل من 20% من الكهرباء في أفغانستان، بينما يُستورد الباقي من الدول المجاورة، مما يجعل قطاع الطاقة رهينا للتقلبات الجيوسياسية.
وقال المتحدث باسم الوزارة مولوي مطيع الله عابد إن “هذا المشروع ليس فقط لتوليد الكهرباء، بل هو مشروع سيادة وطنية، واستقلال اقتصادي نعمل عليه رغم كل التحديات”.
ويأمل المسؤولون في أن يُسهم المشروع في تقوية الشبكة الوطنية وتوسيع التغطية، لا سيما في الأرياف والمناطق النائية.
وتشير بيانات بنك التنمية الآسيوي إلى أن لدى أفغانستان إمكانات هائلة في الطاقة المتجددة على النحو الآتي:
- 23 ألف ميغاواط من الطاقة الكهرومائية.
- 220 ألف ميغاواط من الطاقة الشمسية.
- 70 ألف ميغاواط من طاقة الرياح.
ورغم هذه القدرات، فإن البلاد لا تزال تعتمد على الاستيراد بما يقارب 80%، بتكلفة سنوية تتراوح بين 220 إلى 280 مليون دولار، مما يجعل مثل هذه المشاريع حاسمة لتقليل التبعية الخارجية.

فرص وتحديات
يرى مراقبون أن المشروع يعكس تحولًا في أولويات الحكومة نحو الاكتفاء الذاتي، رغم التحديات مثل ضعف البنية التحتية وغياب التمويل الدولي.
ويقول الخبير في شؤون الطاقة عبد الخالق ضياء، إن المشروع يحمل بُعدا اقتصاديا وسياسيا في آن واحد، إذ “يسعى إلى تعزيز ثقة الشعب بالقدرة المحلية على تنفيذ مشاريع إستراتيجية، وفتح الباب لعودة الاستثمارات الأفغانية من الخارج”.
وأضاف أن نجاحه يعتمد على الاستقرار الأمني والشفافية في التنفيذ وتوسعة الشبكة الوطنية.
وبدوره قال رجل الأعمال الأفغاني محمد أنور سلطاني -الذي يمتلك مصنعا لإنتاج البلاستيك في المنطقة الصناعية بكابل- “إن أي مشروع ضخم لتوليد الكهرباء داخل البلاد هو فرصة إستراتيجية للاقتصاد الوطني، وخاصة للقطاع الصناعي الذي يعاني منذ سنوات من عدم الاستقرار في إمدادات الطاقة”.
وأضاف في تصريح للجزيرة نت، أن “الطاقة هي العمود الفقري للصناعة”، وأن معظم المصانع اليوم تعمل بأقل من طاقتها الإنتاجية بسبب الانقطاعات المتكررة أو الاعتماد على الكهرباء المستوردة بأسعار مرتفعة.
وأكد سلطاني أنه “إذا نُفّذ مشروع بدخشان كما هو معلن، فسيغيّر قواعد اللعبة”، لكنه شدد في الوقت نفسه على أن التحدي الأكبر “ليس في الإعلان عن المشاريع، بل في ضمان تنفيذها وفق جدول زمني واضح، وبتمويل مستقر، ومن دون تدخلات تعرقل المسار”.
وقال “نحن رجال الأعمال نترقب مثل هذه المبادرات، لكننا بحاجة إلى ضمانات بأن الكهرباء المولّدة ستُوزّع توزيعا عادلا، وأن القطاع الصناعي سيُمنح أولوية في الاستفادة منها، بعيدا عن الاحتكار أو الفساد”.