القاسم والتقطيع “السياسي” والعزوف.. مطبّات أمام تعديل قوانين الانتخابات

في خضم النقاشات الجارية حول تعديل القوانين الانتخابية بالمغرب، تعود إلى الواجهة مجموعة من الإشكالات السياسية والقانونية التي طبعت الاستحقاقات الماضية، وأفرزت جدلاً واسعاً بين الفاعلين الحزبيين والخبراء القانونيين.

ويسود ترقب في الأوساط السياسية المغربية حول ما ستسفر عنه المشاورات السياسية، بعد الدعوة الملكية إلى “توفير المنظومة العامة، المؤطرة لانتخابات مجلس النواب، وأن تكون معتمدة ومعروفة قبل نهاية السنة الحالية”، ما يطرح تساؤلات حول أهم التعديلات المرتقبة، وما إن كانت ستطال عمق العملية الانتخابية.

وفي سياق النقاش المثار حول القوانين الانتخابية، يرى أحمد بوز، أستاد القانون الدستوري والعلوم السياسية بجامعة محمد الخامس، أن من بين الأسئلة المطروحة، إمكانية التراجع عن طريقة احتساب القاسم الانتخابي، الذي أثار ضجة في انتخابات 2021 دون أن يحقق الأهداف، بعدما “استفاد منه حزب العدالة والتنمية الذي كان يفترض أن يكون مستهدفا به”.

ويضيف بوز أن اعتماد “القاسم الانتخابي” اعتبر حينها “بدعة قانونية”، وطرح تساؤلات حول كيف يصبح جزء من احتساب نتائج الانتخابات من لم يشارك أصلا في التصويت. مشيرا إلى أن التراجع عن هذا القاسم يعد من أهم التعديلات المنتظرة. وشدد على أن القاسم الانتخابي “فضيحة قانونية”.

في سياق متصل، يطرح بوز تساؤلا حول ما إمكانية إعادة النظر في التقطيع الانتخابي، معتبرا أنه “ليس مجرد عملية تقنية”، مضيفا “عادة في التجارب الدولية يتم إعادة النظر في التقطيع الانتخابي بناء على نتائج إحصاء السكن والسكنى الذي يتم كل عشر سنوات”.

واعتبر بوز أن مشكلة التقطيع الانتخابي بالمغرب أنه “لا يحترم نتائج الإحصاء، ولا يبنى على معايير سكانية بل على معايير سياسية”، وبالتالي هل سيتم، خلال التعديلات المرتقبة، “الانتقال إلى تقطيع انتخابي يراعي معايير سكانية أكثر منها سياسية؟”.

وتابع أستاذ العلوم السياسية أن المعايير الدولية للنزاهة تقتضي أن لا يتعدى الفرق بين الدوائر 20 في المئة من حيث عدد السكان، مبرزا أنه “لا يمكن أن نجد دائرة انتخابية تضم 200 ألف من الساكنة وأخرى تضم 4 آلاف”.

ولفت إلى أن مسألة التقطيع الانتخابي من الأمور الحساسة والتي كانت دائما موضوع جدل بين الفرقاء السياسيين، حيث كان ينظر إليها دائما على أنها وسيلة للتحكم أكثر من كونها وسيلة لتحقيق الإنصاف الانتخابي.

ومن ضمن المحاور المثارة كذلك، مسألة تعزيز التمثيلية النسائية والشبابية، التي تطرح بدورها تساؤلات حول السبل التي يمكن اعتمادها. وتساءل بوز حول ما إن كان سيتم العودة من جديد إلى اعتماد لائحة الشباب التي ذابت في التمثيل الجهوي، ذلك أن الانتخابات الجهوية أتاحت إمكانية ترشحهم لكن في الصف الثالث بعد اشتراط أن يكون وكيل اللائحة ووصيفه من النساء.

ويطرح، وفق بوز، احتمال عودة صيغة اللائحة الوطنية للشباب التي تم اعتمادها سنة 2011 أو اعتماد أشكال جديدة تُعزز الحضور السياسي لهذه الفئة، متسائلا “هل المقصود تعزيز تمثيلية الشباب فقط أم تعزيز تمثيلية النساء أيضا؟”.

وبالنتيجة، تثار أيضا مسألة رفع عدد المقاعد المخصصة للانتخابات الجهوية، من 90 إلى 120 مقعدا كما تطالب بعض المنظمات النسائية، مستحضرا أن “الفاعل السياسي أضحى يتصرف مع التمثيلية الدستورية كما لو أنها مبدأ دستوري، والحال أن الغرض منها هو التأهيل، وهي مرحلة مؤقتة في انتظار أن يصبح المجتمع متصالحا مع المشاركة السياسية للمرأة ومع ترشيحها وانتخابها.

واستدرك المتحدث أن المجتمع المغربي نضج بما يكفي بالشكل الذي يتيح التصويت على المرأة في دوائر انتخابية، وهذا الأمر حصل بالفعل في أكثر من دائرة، خاصة لما تتجرأ الأحزاب الكبرى وتضع نساء على رأس اللوائح.

أما على مستوى التمويل، فيسجل البوز أن طرح وزارة الداخلية لهذا الملف يفتح الباب أمام تأويلات كثيرة، سواء من حيث النية في رفع الدعم العمومي، أو من حيث كيفية صرفه، علما أنه سبق أن تم توسيعه، كما أنه اتخذ عدة أبعاد منها ما يتعلق بميزانية الدراسات.

ويربط بوز بين التمويل ومآل إجراءات تخليق الحياة السياسية، وما إن كانت ستتجه نحو التشديد في استعمال الأموال، علما أن معضلة الحياة الانتخابية اليوم، وفق رأيه، “وإن كانت ابتعدت عن التزوير المباشر وطرقه البدائية، فقد أصبحت مرتبطة بما يمكن اعتباره “خوصصة التزوير” عن طريق اختيار المرشحين من رجال الأعمال والأعيان”.

وأشار أستاذ العلوم السياسية إلى نتائج انتخابات 2021 وما طالها من تشويه بعدما أصبحت الساحة السياسية غارقة في المتابعات القضائية غير المسبوقة، متسائلا حول ما إن التعديلات التي سيتم تقديمها في هذا السياق مندرجة في إطار استمرارية نهج التشديد والضرب على يد هذه الفئة.

وتابع أن “فئة رجال الأعمال والأعيان من حقها من الناحية الدستورية والقانونية الترشح، لكن الوسائل التي تعتمدها تغرق العملية الانتخابية في وحل الممارسات غير المقبولة”، مثيرا بالمقابل أسئلة حول ما إن كانت تبرئة عدد من السياسيين المتابعين ستؤثر في هذا المسار.

واعتبر بوز في هذا السياق أن الأحزاب “هي جزء من المشكلة وليست جزءا من الحل، وهي مدانة إلى أن تثبت العكس، مع تسجيل التفاوت بينها، إذ إن الأحزاب هي من رشحت هؤلاء المرشحين الفاسدين، وهناك تسابق من لدنها لاستقطاب الأعيان والرهان عليهم، مع الزج استثناء ببعض المناضلين في مغامرات انتخابية، بما في ذلك أحزاب يفترض أن رأسمالها كان نضاليا أكثر”.

وشدد على أن التخليق “يجب أن يقع على مستوى الأحزاب لأنه ليس قضية دولة فقط”، مضيفا أن الأجهزة المشرفة وأجهزة إنفاذ القانون لديها دور مهم، ولكن السؤال يطرح أيضا على الأحزاب والمجتمع والإعلام والمواطنين أيضا، ذلك أن من يبيعون أصواتهم بدورهم يتحملون المسؤولية، مما يجعل قضية التخليق مسؤولية جماعية.

وفي المغرب، يعود إلى الواجهة مع اقتراب كل استحقاق انتخابي جدل تعديل منظومة القوانين الانتخابية، الشيء الذي يخلف انطباعا حول وجود نية للتحكم بنتائج الانتخابات وهندسة المشهد السياسي.

وفي هذا الإطار يشير أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري إلى أنه “من أبرز المشاكل التي تعاني منها العملية الانتخابية هي مسألة تغيير القوانين الانتخابية في كل لحظة انتخابية”، مشددا أن القوانين والإجراءات توضع لكي تستقر وتُختبر”.

وتساءل حول ما إن كانت الفترة من سنة 2021 إلى اليوم كافية لاختبار المستجدات التي طرأت على النظام الانتخابي ككل، أم أن هناك شعور من جانب المشرع والفاعل السياحي أنه تم إدخال تعديلات كان لا يجب أن تدخل، ومنها قضية القاسم الانتخابي.

وأردف بوز أن التساؤل يبقى مشروعا حول الغاية من التغيير المستمر للقوانين، وما إن كان الغرض الأساسي هو “خدمة الديمقراطية والتراكم والاستمرارية والتجويد والتحسين لهذه القوانين، أم استعمال وتوظيف الآليات القانونية والانتخابية في خدمة ترتيبات انتخابية وسياسية مؤقتة؟”.

وتابع بوز أنه “في المغرب وصلنا إلى حالة، وهذا استثناء عالمي، أن لكل انتخابات قوانينها”، مضيفا أنه في التجارب الديمقراطية تكون القوانين الانتخابية من أهم القضايا التي عليها توافق وطني، مع استحضار أن المغرب يعتمد المشاورات السياسية، رغم أنها محصورة في الأحزاب الممثلة بالبرلمان.

وشدد على أن “أي تعديل يدخل على منظومة القوانين الانتخابية يجب أن يكون على الأقل سنة قبل الاستحقاقات الانتخابية”، علما “أننا بدأنا ورش التعديل في وقت انطلقت الحملة الانتخابية، ليس بمفهومها القانوني وإنما المفهوم الواقعي والسياسي، حيث يجري الآن اختيار المرشحين في الدوائر وغيرها من المؤشرات”.

وبخصوص المشاركة الانتخابية لمغاربة العالم، التي تعود لتلقي بثقلها مع اقتراب كل استحقاق انتخابي، أفاد بوز أنهم “عمليا غير مشاركين، إذ تنحصر مشاركتهم عبر صيغة الترشيح عبر اللوائح الجهوية، وبعض الأحزاب التي تدفع بترشيحات من الجالية المغربية”.

واستدرك بأن الإشكال لا ينحصر فقط في مسألة الترشيح وإنما بالأساس في مشاركتهم في التصويت، مضيفا أن الدستور يوجه إلى أن تصويت الجالية ينبغي أن يكون عبر دوائر انتخابية في أماكن تواجدهم، مثل ما يحدث خلال الاستفتاء حيث يتم وضع مكاتب التصويت في القنصليات.

واعتبر أنه أي إصلاح في هذا الجانب فسيهم التصويت بالوكالة الذي يتم العمل به وإلى أي حد الشروط ناضجة من أجل المشاركة الحقيقية لهذه الفئة في التصويت خلال الانتخابات، مشيرا إلى أنه إذا أخذنا عدد المشاركين من الجالية عبر التصويت بالوكالة سنجد أن النسبة لا تتعدى 0.01 في المئة، مشددا على أنه “لا يمكن الحديث عن رفع نسبة المشاركة في ظل حرمان أزيد من 6 ملايين من مغاربة العالم من التصويت”.

وبخصوص تخفيض سن التصويت لضمان رفع نسبة المشاركة في الانتخابات، اعتبر بوز أن “ذلك ليس المشكل، بل الإشكال هو خلق المناخ العام من أجل الثقة في العملية الانتخابية، لأن العزوف السياسي والانتخابي يوجد لدى الفئة التي يتجاوز عمرها 18 سنة ولديها وعي ومستوى دراسي”.

وأشار إلى أنه “لا يمكن إقناع الناس بالتصويت لمجرد أن المغرب مقبل على تنظيم المونديال، لأن المواطنين يصوتون بالرهانات، ولا يمكن أن نطلب منهم التصويت في غياب نقاش عمومي حقيقي حول الانتخابات”.

وشدد على ضرورة رفع منسوب الثقة، “ذلك أن الرهان الحقيقي هو حول ما إن كان الناس يستشعرون وجود آفاق وأن هذه المؤسسات تمثلهم”، مضيفا أن عددا من الأسئلة العميقة تطرح حول واقع العزوف السياسي والانتخابي، مؤكدا أن “السؤال يطرح حول الرسالة التي يقدمها الفاعل السياسي والرهان والعرض السياسي الذي يقترحه، ومدى الالتزام بالوعود الانتخابية”.

عن أسيل الشهواني

Check Also

تنفيذ 76% من مشاريع مكافحة الفساد و1744 إدارة تنخرط في بوابة الشكايات

أكدت الوزيرة المنتدبة لدى رئيس الحكومة، المكلفة بالانتقال الرقمي، وإصلاح الإدارة، مواصلة تنفيذ الاستراتيجية الوطنية …

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *