قضت المحكمة الدستورية بعدم دستورية بعض مواد قانون المسطرة المدنية، المحال إليها بمقتضى رسالة رئيس مجلس النواب، راشيد الطالبي العلمي، من أجل البت في مطابقتها للدستور.
وقضت المحكمة الدستورية بعدم دستورية المواد 17 (الفقرة الأولى) و84 فيما نص عليه المقطع الأخير من الفقرة الرابعة من أنه:” أو يصرح بذلك، أو أنه من الساكنين معه من الأزواج أو الأقارب أو الأصهار ممن يدل ظاهرهم على أنهم بلغوا سن السادسة عشر، على أن لا تكون مصلحة المعني في التبليغ متعارضة مع مصلحتهم”، و90 (الفقرة الأخيرة) و107 (الفقرة الأخيرة) و364 (الفقرة الأخيرة) و288 و339 (الفقرة الثانية) و408 و410 في الفقرتين الأوليين منهما فيما خولتا للوزير المكلف بالعدل من تقديم طلب الإحالة من أجل الاشتباه في تجاوز القضاة لسلطاتهم أو من أجل التشكك المشروع و624 (الفقرة الثانية) والمادة 628 (الفقرتان الثالثة والأخيرة.
وقضت أيضا بعدم دستورية المقتضيات التي أحالت على المقطع الأخير من الفقرة الرابعة من المادة 84، في المواد 97 و101 و103 و105 و123 في فقراتها الأخيرة و127 و173 و196 في فقراتها الأولى و204 في فقرتها الثالثة و229 في فقرتها الأولى و323 و334 و352 و355 و357 في فقراتها الأخيرة و361 في فقرتها الأولى و386 في فقرتها الأخيرة و500 في فقرتها الأولى، و115 و138 و185 و201 و312 و439.
سلطة تقديرية غير مألوفة
وعلّل قرار المحكمة الدستورية رقم “255/25 م.د”، الذي اطلعت جريدة “مدار21” على نسخة منه، عدم دستورية الفقرة الأولى من المادة 17 بخلوّها من التنصيص على حالات محددة يمكن فيها للنيابة العامة المختصة طلب التصريح ببطلان المقررات القضائية الحائزة لقوة الشيء المقضي به، التي يكون من شأنها مخالفة النظام العام.
وأضاف أن الفقرة اكتفت بتخويل هذه الصلاحية للنيابة العامة المختصة، تأسيسا على هذه العلة، ومنحت، تبعا لذلك، للنيابة العامة، طالبة التصريح بالبطلان، وللجهة القضائية التي تقرره، سلطة تقديرية غير مألوفة تستقل بها دون ضوابط موضوعية يحددها القانون، بما يتجاوز نطاق الاستثناء على حجية المقررات القضائية الحائزة لقوة الشيء المقضي به، ويمس بمبدأ الأمن القضائي.
وشدد القرار على أن المشرع بذلك “أغفل تحديد ما أسنده له الدستور في مجال التنظيم الإجرائي للدعاوى الخاضعة للمسطرة المدنية، ضمن النطاق الموضوعي للبند التاسع من الفقرة الأولى من الفصل 71 من الدستور”.
وتنص الفقرة الأولى من المادة 17 على أنه: “يمكن للنيابة العامة المختصة، وإن لم تكن طرفا في الدعوى، ودون التقيد بآجال الطعن المنصوص عليها في المادة السابقة، أن تطلب التصريح ببطلان كل مقرر قضائي يكون من شأنه مخالفة النظام العام، داخل أجل خمس سنوات من تاريخ صيرورة المقرر القضائي حائزا لقوة الشيء المقضي به.”؛
الاستدعاءات بناء على “الشك والتخمين”
أما الفقرة الرابعة من المادة 84 التي تنص على أنه “يجوز للمكلف بالتبليغ، عند عدم العثور على الشخص المطلوب تبليغه في موطنه الحقيقي أو المختار أو محل إقامته، أن يسلم الاستدعاء إلى من يثبت بأنه وكيله أو يعمل لفائدته أو يصرح بذلك، أو أنه من الساكنين معه من الأزواج أو الأقارب أو الأصهار ممن يدل ظاهرهم على أنهم بلغوا سن السادسة عشر، على أن لا تكون مصلحة المعني في التبليغ متعارضة مع مصلحتهم”، فقد أوضحت المحكمة أن عدم دستوريتها برجع إلى أنه “فضلا عن تسويغها صحة تسليم الاستدعاء بناء على الشك والتخمين، لا على الجزم واليقين، ألقت على المكلف بالتبليغ، الذي يعد مخاطبا بالقاعدة القانونية، عبء التصرف في حالات لا يعود أمر تحديدها إلا للقانون، وأخلت بما للمطلوب تبليغهم من ثقة مشروعة في تطبيق قواعد التبليغ التي يعود للمشرع تحديدها، بما يضمن حقوقهم في التقاضي”.
وأبرزت أن هذا الأمر “يكون معه ما نص عليه المقطع الأخير من الفقرة الرابعة من المادة 84 من أنه: أو يصرح بذلك، أو أنه من الساكنين معه من الأزواج أو الأقارب أو الأصهار ممن يدل ظاهرهم على أنهم بلغوا سن السادسة عشر، على أن لا تكون مصلحة المعني في التبليغ متعارضة مع مصلحتهم، مخالفا للدستور”.
وأكدت أنه “بالتالي فإن المقتضيات التي أحالت على المقطع المذكور أعلاه، في المواد 97 و101 و103 و105 و123 في فقراتها الأخيرة و127 و173 و196 في فقراتها الأولى و204 في فقرتها الثالثة و229 في فقرتها الأولى و323 في فقرتها الأخيرة و334 و352 و355 و357 في فقراتها الأخيرة و361 في فقرتها الأولى و386 في فقرتها الأخيرة و500 في فقرتها الأولى، و115 و138 و185 و201 و312 و439، تعد أيضا مخالفة للدستور”.
جلسات عن بعد بلا تأطير
وبخصوص الفقرة الأخيرة من المادة 90، لفتت المحكمة الدستورية إلى أنها اكتفت بالتنصيص على إمكانية حضور الأطراف أو من ينوب عنهم في الجلسات المنعقدة عن بعد، دون تحديد الشروط والإجراءات والضمانات المذكورة أعلاه.
وتابعت بأن المشرّع بذلك “لم يستنفذ صلاحية التشريع في الحالة المعروضة، وبالتالي تكون الفقرة الأخيرة من المادة 90 غير مطابقة للدستور”.
لا تكافؤ في وسائل الدفاع بين أطراف المنازعة
وبخصوص عدم دستورية تنصيص الفقرتين الأخيرتين من المادتين 107 و364 بالتوالي، على أنه: “يحق للأطراف أخذ نسخة من مستنتجات المفوض الملكي للدفاع عن القانون والحق دون التعقيب عليها.”، وعلى أنه: “يحق للأطراف أو دفاعهم أو وكلائهم الحصول على نسخة من مستنتجات المفوض الملكي للدفاع عن القانون والحق دون التعقيب عليها.”، أوضح القرار أنهام “حرمتا الأطراف أو دفاعهم أو وكلاءهم من التعقيب على مستنتجات المفوض الملكي للدفاع عن القانون والحق قبل حجز القضية للمداولة.
وأكدت أن هذا التنصيص “لا يضمن تكافؤ وسائل الدفاع بين أطراف المنازعة، مما تكونان معه غير مطابقتين لأحكام الفقرة الأخيرة من الفصل 120 من الدستور”.
خطأ في إحالة “الوصية المفتوحة”
ورأت المحكمة الدستورية في شأن المادة 288، التي تنص على أنه: “يثبت كاتب الضبط حالة الوصية التي عثر عليها مفتوحة ويسلمها إلى القاضي أو المحكمة وفق ما هو مقرر في المادة 284 أعلاه”، أن “خطأ شاب الإحالة الواردة في هذه المادة 288 المعروضة، إذ أحالت على المادة 284، التي تحدد المسؤول عن مفاتيح أقفال الأبواب التي وضعت عليها الأختام، بدل الإحالة على المادة 285 التي تبين الإجراءات المسطرية الواجب القيام بها عند العثور على وصية أو أوراق أخرى عند وضع الأختام”.
وأوضحت أنه “تبعا لذلك، تكون المادة 288 بإحالتها على المادة 284، غير مستوفية لمتطلبات وضوح ومقروئية القواعد القانونية التي يفرضها المستفاد من مطلع الفقرة الأولى من الفصل السادس من الدستور، التي تعتبر القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة”.
تناقضات المادة 339
وبخصوص الفقرة الثانية من المادة 339 التي تنص على أنه “يتعين أن يكون القرار معللا في حالة رفض الطلب”، فسرت المحكمة عدم دستوريتها بأنه “يستفاد من صيغة الفقرة الثانية من المادة 339 المعروضة، بمفهوم المخالفة، أن القرار القاضي بالاستجابة لطلب التجريح لا يستلزم تعليلا، رغم أن الفقرة الأولى من نفس المادة تنص على الاستماع لإيضاحات طالب التجريح والمطلوب تجريحه عندما تبت المحكمة المختصة في غرفة المشورة”.
الدستور يُفرمِل تغوّل وزير العدل على القضاة
وفيما يرتبط ببطلان ما جاء في الفقرتين الأوليين من المادتين 408 و410، اللتين تنصان بالتوالي، على أنه: “يمكن لوزير العدل أو للوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، أن يقدم طلب الإحالة إلى هذه المحكمة المقررات التي قد يكون القضاة تجاوزوا فيها سلطاتهم”، وعلى أنه: “يمكن لوزير العدل أو للوكيل العام للملك لدى محكمة النقض تقديم طلب الإحالة من أجل التشكك المشروع أمام هذه المحكمة عند عدم تقديم طلب في الموضوع من الأطراف”، أكد القرار ذاته أنهما “مخالفتان للدستور فيما خولتا للوزير المكلف بالعدل من تقديم طلب الإحالة من أجل الاشتباه في تجاوز القضاة لسلطاتهم أو من أجل التشكك المشروع”.
وأشار إلى أن “الوزير المكلف بالعدل عضو في الحكومة التي تمارس السلطة التنفيذية، والتي تعتبر السلطة القضائية مستقلة عنها، وأنه يترتب عن استقلال السلطة القضائية، في ظل الدستور، عدم إسناد الاختصاصات المتعلقة بحسن سير الدعوى، في مجال التنظيم الإجرائي للدعاوى الخاضعة للمسطرة المدنية، إلا لمن يمارس السلطة القضائية دون سواها”.
وأبرز أن ذلك تحقق في “الفقرتين المعروضتين اللتين أسندتا إلى محكمة النقض البت في طلب الإحالة من أجل تجاوز القضاة لسلطاتهم، أو من أجل التشكك المشروع بناء على طلب الوكيل العام للملك لدى هذه المحكمة، بوصفه أيضا رئيسا للنيابة العامة، وساهرا على حسن سير الدعوى في مجال اختصاصها، وعلى حماية النظام العام والعمل على صيانته”، مستطردة بالقول: “وهو ما يجعل هاتين الحالتين تختلفان عن الحالة الواردة في الفقرة الأولى من المادة 411 المعروضة والتي خولت وزير العدل إمكانية تقديم طلبات الإحالة، على سبيل الوقاية، من أجل الأمن العمومي و هو طلب لا يمس باستقلال السلطة القضائية”.
مس لمبدأ فصل السلط
وبخصوص الفقرات؛ الثانية من المادة 624 والثالثة والأخيرة من المادة 628، بمرد عدم دستوريتها وفق المحكمة الدستورية يعود إلى أن “إجراء تعيين النظام المعلوماتي، بصفة آلية، للقضاة أو المستشارين المقررين أو القضاة المكلفين بالقضايا، أو تغيير هذا التعيين من قبل رئيس المحكمة عبر النظام المعلوماتي، متى كان النظام المذكور مدبرا من قبل السلطة القضائية لا غيرها… ضمن نظام معلوماتي تتولى السلطة الحكومية المكلفة بالعدل تدبيره، ومسك قاعدة المعطيات المتعلقة به، ويسند فيه إلى المجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة، مجرد “التنسيق” مع السلطة الحكومية المذكورة بشأنه، يعد مخالفا لمبدأ فصل السلط ولاستقلال السلطة القضائية”.
وأكدت المحكمة أن “العمل القضائي يظل، في كليته، مما تستقل به السلطة القضائية، ويعود معه إلى هذه السلطة لا غيرها مسك وتدبير هذا النظام، دون أن يحول ذلك، وفق ما يستقل المشرع بتقديره، من إمكانية التنسيق مع السلطة الحكومية المكلفة بالعدل بخصوص النظام المذكور، وفي حدود التعاون بين السلط”.
ونصت الفقرة الثانية من المادة 624، والفقرتان الثالثة والأخيرة من المادة 628 تواليا على أنه: “تتولى السلطة الحكومية المكلفة بالعدل تدبير هذا النظام المعلوماتي ومسك قاعدة المعطيات المتعلقة به، بتنسيق مع المجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة.”، وعلى أنه: ” تقيد القضايا حسب الترتيب التسلسلي لتلقيها في السجل الإلكتروني المعد لهذه الغاية بالنظام المعلوماتي، ويعين النظام المعلوماتي القاضي أو المستشار المقرر أو القاضي المكلف، حسب الحالة، باعتباره مكلفا بتجهيز الملف المحال إليه فورا بطريقة إلكترونية.”، وعلى أنه: “يمكن لرئيس المحكمة أو من ينوب عنه، عبر النظام المعلوماتي، تغيير القاضي أو المستشار المقرر أو القاضي المكلف، حسب الحالة، باعتباره مكلفا بتجهيز القضية والذي تم تعيينه وفق مقتضيات الفقرة الثالثة أعلاه”.