أقمار ستارلينك “تخرّب” علم الفلك الأرضي وتوقفه عن التقدم | علوم

|

في عصر تتسارع فيه التكنولوجيا لتوفير الإنترنت عالي السرعة في كل بقعة من الأرض، تظهر آثار جانبية غير متوقعة على العلوم الأساسية. من بين هذه العلوم، يقف علم الفلك الراديوي مهددا بانبعاثات غير مقصودة تصدر من الأقمار الاصطناعية التي تحلق حول كوكبنا، وتحديدا أقمار شركة “ستارلينك” التابعة لسبيس إكس.

فبحسب دراسة حديثة أجراها باحثون في جامعة كيرتن الأسترالية ونشرت في دورية “أسترونومي آند أستروفيزكس”، ظهرت مشكلة تتمثل في تداخل الإشارات الراديوية من آلاف الأقمار الاصطناعية مع إشارات الكون الضعيفة التي يحاول العلماء التقاطها من أعماق الفضاء.

ستعمل الأقمار الصناعية الصينية في المدار القريب من الأرض على ارتفاع يتراوح بين 300 و2000 كيلومترا، لتوفر تغطية شبه كاملة للإنترنت حول العالم (ويكيبيديا)
علم الفلك الراديوي مهدد بانبعاثات غير مقصودة تصدر من الأقمار الاصطناعية التي (ويكيبيديا)

أكبر مسح راديوي

قام الباحثون باستخدام تلسكوب راديوي تجريبي يُمثل النموذج الأولي لمشروع تلسكوب “سكا-لو” في أستراليا، ودرسوا ما مجموعه 76 مليون صورة راديوية تم التقاطها خلال شهرين فقط، في حين عد أكبر مسح على الإطلاق لانبعاثات الراديو منخفضة التردد من الأقمار الاصطناعية.

أظهرت النتائج أن ما يقارب 30% من الصور كانت مشوّهة بتداخلات من أقمار اصطناعية، وتم تسجيل أكثر من 112 ألف إشارة غير مقصودة من 1800 قمر من أقمار ستارلينك، كما أن عددا كبيرا من هذه الإشارات وقع ضمن ترددات محمية دوليًا لاستخدام علم الفلك الراديوي، مثل تردد 150.8 ميغاهيرتز.

علم الفلك الراديوي يعتمد على استقبال إشارات راديوية فائقة الضعف قادمة من أجرام كونية بعيدة مثل النجوم الأولى والمجرات البدائية والانفجارات النجمية، وبالتالي فإن أي تداخل صناعي، حتى لو كان ضعيفًا قد يُخفي أو يشوّه هذه الإشارات النادرة، مما يؤدي إلى فقدان بيانات علمية لا يمكن تعويضها.

وبالنظر إلى التلسكوبات الأحدث مثل “سكا-لو” في أستراليا، فإنها ستكون الأكثر حساسية في التاريخ ومن ثم فهي أكثر عرضة لأي تلوث راديوي حتى لو كان غير متعمد.

علم الفلك الراديوي يعتمد على استقبال إشارات راديوية فائقة الضعف (غيتي)

إشارات مهملة

ويعني ذلك أن أقمار الإنترنت الاصطناعية لا تخرّب علم الفلك الأرضي فقط، بل كذلك توقفه عن التقدم، لأنه مع كل تلسكوب جديد ستكون الأدوات أشد حساسية، ومن ثم أسهل في التلويث.

وبحسب الدراسة، فإن مصدر التداخل ليس إشارات الاتصالات المرسلة من الأقمار بشكل مباشر، بل انبعاثات عرضية ناتجة عن مكونات إلكترونية داخلية مثل أنظمة الدفع أو المعالجات، التي تسرّب موجات راديوية بشكل غير مقصود.

هذا النوع من الإشعاع لا يخضع عادة للقوانين الدولية التي تُنظّم الانبعاثات اللاسلكية، مما يجعله منطقة رمادية تنظيمياً، ومن ثم فإن شركة ستارلينك لم تخالف أي قوانين، إلا أنها تؤثر بالفعل في كل تلسكوبات الأرض.

قوانين جديدة

وينصح العلماء بتعاون بين الشركة والمجتمع العلمي لتقليل التداخلات، عبر تعطيل الانبعاثات عند مرور الأقمار فوق تلسكوبات راديوية، واستخدام دروع إلكترونية لتقليل الإشعاع الداخلي، وتحسين معايير التصنيع لتقليل التسرب غير المرغوب فيه من الأجهزة.

من ناحية أخرى، يدعو علماء الفلك في دراستهم إلى توسيع القوانين الدولية لتشمل الانبعاثات غير المقصودة، وليس فقط إشارات الاتصال الرسمية، وإلزام الشركات الفضائية بمراعاة الطيف العلمي عند تصميم وإطلاق الأقمار الاصطناعية.

وقال المدير التنفيذي للمشروع جون كيرتن والمؤلف المشارك في الدراسة البروفيسور ستيفن تينغاي إن “هناك مجالا لتحسين اللوائح التنظيمية للمساعدة في تجنب تداخل الأقمار الاصطناعية مع الأبحاث”.

وأضاف: “تُركز لوائح الاتحاد الدولي للاتصالات الحالية على عمليات الإرسال المتعمدة ولا تُغطي هذا النوع من البث غير المقصود”.

وأكد تينغاي أهمية تكنولوجيا الأقمار الاصطناعية قائلا إنه من الضروري أن ينسجما معًا بتناغم.

وأضاف: “نحن على أعتاب عصر ذهبي حيث سيساعد مشروع “سكا-لو” في الإجابة عن أهم الأسئلة العلمية: كيف تشكّلت النجوم الأولى؟ وما المادة المظلمة؟ وحتى اختبار نظريات آينشتاين، لكنه يحتاج إلى صمت راديوي لينجح”.

عن شريف الشرايبي

Check Also

كلمة الرئيس السيسي تاريخية وكشفت زيف الادعاءات ضد مصر

أكد النائب طارق رضوان – رئيس لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب – أن كلمة الرئيس …

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *