تفاعلا مع التوجيهات الملكية الأخيرة الواردة في الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى 26 لعيد العرش، وجه الائتلاف المدني من أجل الجبل، مذكرة إلى رئيس الحكومة، مشددا على أن “إنصاف الجبل ورش استعجالي لتصحيح التفاوتات وتحقيق العدالة المجالية”، داعيا إلى “اعتماد إطار قانوني ملزم، والتسريع بإصدار قانون إطار خاص بالمناطق الجبلية”.
وجاءت المذكرة، التي اطلعت عليها جريدة “مدار21″، وفق أصحابها، استنادا إلى التوجيهات الملكية الواضحة بخصوص مطلب العدالة المجالية، وذلك بعد سلسلة من النداءات والرسائل المفتوحة التي سبق توجيهها “في كل مناسبة أو حادث أو احتجاج تبرز فيه مظاهر الظلم والتهميش التي تعاني منها ساكنة المناطق الجبلية”.
وأكدت المذكرة على أن خطاب العرش لسنة 2025 وقف على واقع الاختلالات المجالية والاجتماعية، داعيا إلى “إحداث نقلة حقيقية في التأهيل الشامل للمجالات الترابية، وتدارك الفوارق الاجتماعية والمجالية، والانتقال من المقاربات التقليدية للتنمية الاجتماعية إلى مقاربة للتنمية المجالية المندمجة”.
توجيهات ملكية حازمة
واعتبرت المذكرة أن هذا التوجيه الملكي “يأتي في سياق استمرار التفاوتات العميقة بين المجالات، وتدهور أوضاع ساكنة الجبل وتنامي صرخات المطالبة بالحد الأدنى من الخدمات الأساسية”، مضيفة أن “هذا الواقع تؤكده المعطيات التي أصدرتها المؤسسات الرسمية”.
ومن ضمن المعطيات الرسمية، جردت المذكرة أن نسبة الفقر متعدد الأبعاد في بعض المناطق الجبلية تتجاوز 14% مقابل 6.8% على الصعيد الوطني، كما أن أكثر من 35% من ساكنة الجبال تعاني من صعوبة في الولوج إلى الخدمات الصحية الأساسية، و%97 من المستشفيات بالنظام الصحي العمومي تتوطن بالوسط الحضري، و98% من التجهيزات الطبية بالقطاع العام تتركز بالمدن الكبرى: الرباط – الدار البيضاء – فاس – طنجة”.
وأشارت المذكرة إلى أن جل الأقاليم والجماعات الجبلية تعرف خصاصا مهولا في الخدمات الصحية، مثال إقليم تاونات الذي يتذيل الترتيب في عدد الأسرة 1.3 لكل 10 آلاف نسمة، والأطباء 1.33 لكل 10 آلاف نسمة، والممرضين 5.8 لكل 10 آلاف نسمة، مسجلة وجود مستويات خطيرة في الهدر المدرسي ونقص حاد في البنية التحتية ونزيف مستمر في الهجرة القسرية نحو المراكز الحضرية.
ولفتت المذكرة إلى المخاطر الناتجة عن استمرار الوضع، ومنها تفاقم الفوارق المجالية والاجتماعية بما يهدد التماسك الوطني، وارتفاع كلفة معالجة العجز التنموي اجتماعيا واقتصاديا كلما تأخرت التدخلات، وتسريع وتيرة الهجرة القروية وتفريغ الجبال من ساكنتها، وفقدان الثقة في المؤسسات وتقويض ركائز النموذج التنموي الجديد.
إنصاف الجبل.. ضرورة وطنية
ولتجاوز هذا الواقع، يطالب الائتلاف المدني من أجل الجبل باعتماد إطار قانوني ملزم، والتسريع بإصدار قانون إطار خاص بالمناطق الجبلية، يكون مرجعًا استراتيجيًا لتوجيه السياسات العمومية وضمان العدالة المجالية، مع اعتماد سياسات عمومية ملائمة للخصوصيات المجالية.
ويتم ذلك، بحسب المذكرة، من خلال مقاربة ترابية مندمجة تضمن الانتقال من التدخلات التقليدية إلى برامج جهوية شاملة ترتكز على تحسين الخدمات الأساسية (الصحة، التعليم، النقل، الماء،)، وفك العزلة الترابية والرقمية، ودعم الاقتصاد المحلي والتشغيل للحد من الهجرة القسرية، واعتماد سياسة بيئية ومائية استباقية تراعي هشاشة الجبال.
واقترحت المذكرة آليات للتنفيذ، منها إحداث هيئة وطنية بصلاحيات عليا لتنمية المجالات الجبلية تحت إشراف رئاسة الحكومة، تضم ممثلي الوزارات، الجماعات الترابية، والخبراء والهيئات المدنية، وكذا عقد مناظرة وطنية حول العدالة المجالية وتنمية الجبل قبل نهاية 2025 للتشاور حول مكونات القانون الإطار وتعبئة الموارد المالية والبشرية. وسبل استفادة المناطق الجبلية من عائد ثرواتها ومن مزايا العدالة الجبائية.
ونادت المذكرة بـ”وضع خطة حكومية محددة الأهداف والمؤشرات، تشمل نسب فك العزلة الطرقية خلال 5 سنوات، ونسب التغطية الصحية والحماية الاجتماعية في المناطق الجبلية، ونسب توسيع التزويد بالماء الشروب، ونسب الاستثمارات العمومية والخصوصية المستهدفة، ونسب توسيع شبكة الاتصال والخدمات الإلكترونية”.
وشددت المذكرة المرفوعة إلى رئيس الحكومة على أن “إنصاف الجبل لم يعد خيارًا محبذا بل ضرورة وطنية واستراتيجية لضمان التنمية المتوازنة”، مبرزة أن الائتلاف المدني من أجل الجبل يعتبر أن تنزيل الرؤية الملكية السامية لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال إرادة حكومية قوية، مصحوبة باعتماد إطار قانوني واضح وسياسة عمومية ملائمة وخطة تنفيذية ذات أثر ملموس في المدى القريب.