على مدى 26 سنة من حكم الملك محمد السادس، شهد المغرب تحولات جوهرية شملت كل أوجه الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إذ شكّلت هذه الإصلاحات الكبرى محطة مفصلية في تاريخ المملكة المعاصر.
كانت هذه الفترة بمثابة مرحلة فاصلة أطلقت خلالها رؤية شمولية طموحة تهدف إلى ترسيخ الدولة الحديثة، وضمان التنمية المستدامة، وتعزيز مكانة المغرب إقليميًا ودوليًا.
في صلب هذه الإصلاحات يبرز ملف الصحراء محورا أساسيا في السياسة الوطنية والدبلوماسية الملكية، إذ استطاع المغرب أن يحصد اعترافات دولية مهمة تعزز وحدته الترابية وتؤكد شرعيته في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية.
هذا الملف، الذي ظل لعقود مصدرًا للتوتر، تحوّل إلى نموذج دبلوماسي ناجح بفضل رؤية ملكية ثاقبة ومقاربات تنموية شاملة استهدفت بناء مستقبل أفضل للأقاليم الجنوبية.
إلى جانب ذلك، شهدت المملكة إصلاحات اجتماعية هامة، على رأسها مدونة الأسرة التي مثلت قفزة نوعية في مجال حقوق المرأة والمساواة، فضلاً عن الإصلاحات الاقتصادية الكبرى التي تمخضت عن مشاريع بنيوية ضخمة أبرزها الاستعداد لاستضافة كأس العالم 2030.
ولم يكن الحدث الرياضي العالمي مجرد مناسبة احتفالية، بل شكّل رافعة لتنمية متكاملة من خلال إطلاق أوراش تنموية كبرى شملت تحديث البنية التحتية للنقل، وتطوير القطاعات الاقتصادية الحيوية، مما يرسخ رؤية ملكية متقدمة تجمع بين الأصالة والمعاصرة.
محسن الندوي: الدينامية الملكية تتيح السير قدما نحو الحل النهائي لقضية الصحراء
محسن الندوي، رئيس المركز المغربي للدراسات الاستراتيجية والعلاقات الدولية، أكد أن الاعترافات الدولية المتنامية بمغربية الصحراء تمثل مكسبًا دبلوماسيًا تاريخيًا للمملكة المغربية، واصفًا إياها بأنها “أحد أبرز إنجازات الدبلوماسية الملكية التي يقودها الملك محمد السادس”.
وأبرز أن اعتراف دول دائمة العضوية في مجلس الأمن مثل الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، واعتماد مبادرة الحكم الذاتي كحل وحيد للنزاع، يعد تحولًا جوهريًا في مسار القضية.
وأوضح الندوي أن مرحلة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب شكّلت “فرصة ذهبية” للمغرب بعدما أعلن سنة 2020 اعتراف واشنطن بسيادة المغرب على صحرائه.
وقال: “كنت قد توقعت أن فوز ترامب بولاية ثانية لن يحل قضية الصحراء بشكل نهائي، رغم أن أمريكا هي صاحبة القلم في صياغة مسودة القرارات الخاصة بقضية الصحراء داخل مجلس الأمن، لكنه كان سيؤكد الالتزام بإعلان ترامب لعام 2020 الذي اعتبر مبادرة الحكم الذاتي الحل الوحيد للقضية”.
وأضاف أن “عهد ترامب كان أكثر اهتمامًا بالملف مقارنة بعهد الرئيس السابق جو بايدن، ما يجعل تلك المرحلة محطة مهمة كان يجب استثمارها جيدًا في صياغة قرارات مجلس الأمن”.
ومع ذلك، دعا رئيس المركز المغربي للدراسات الاستراتيجية والعلاقات الدولية إلى الواقعية في تقييم الإنجازات، مبرزًا أن “الفيتو ما زال بيد روسيا والصين عند اتخاذ أي قرار يخص قضية الصحراء في مجلس الأمن”، معتبرا أن “هذا الواقع قد يساهم على الأقل في إعادة صياغة قرارات مجلس الأمن في اتجاه تسمية مبادرة الحكم الذاتي بوضوح واعتمادها كأحد أهم الخيارات الواقعية للحل النهائي”.
ويرى الندوي أن الدينامية الحالية للدعم الدولي لسيادة المغرب على صحرائه تتعزز بفضل “الدبلوماسية الملكية التي يقودها الملك محمد السادس”، مشيرًا إلى أن هذا المسار يتجلى في “ثبات الملك في الدفاع عن الحق التاريخي الواضح، والعمل على مسارين متوازيين”.
واعتبر أن “المسار الأول داخلي، يقوم على تمكين الأقاليم الجنوبية اقتصاديًا وتنمويًا بمشاريع كبرى في الداخلة والعيون، مثل ميناء الداخلة الأطلسي، والطريق السيار تزنيت–الداخلة، وإنشاء مراكز لتحلية مياه البحر في الداخلة وكلميم، فضلًا عن بناء مستشفيات وجامعات وموانئ ومصانع”. وأضاف أن هذه المشاريع “تعكس إرادة ملكية واضحة في جعل الأقاليم الجنوبية قاطرة للتنمية وواجهة للمغرب الصاعد”.
أما المسار الثاني، بحسب الندوي، فهو خارجي، ويرتكز على “الزيارات الملكية المكثفة لإفريقيا منذ اعتلاء الملك العرش، إذ قام بأكثر من خمسين زيارة اعتمد فيها دبلوماسية اقتصادية ودينية وتضامنية، من بينها إلغاء ديون عدة دول فقيرة”.
ولفت إلى أن “نتائج هذه الدبلوماسية الملكية بارزة على الساحة الدولية، إذ اعترفت ثلاث دول دائمة العضوية في مجلس الأمن بمغربية الصحراء، كما دعمت دول أوروبية محورية مثل إسبانيا والبرتغال، إلى جانب عشرين دولة أوروبية أخرى، مبادرة الحكم الذاتي ووصفتها بالجدية وذات المصداقية”.
وشدد الندوي على أن “هذا الدعم الدولي المتنامي للوحدة الترابية يعكس متانة الأسس التي تقوم عليها مبادرة الحكم الذاتي وفعالية الدبلوماسية المغربية بقيادة الملك محمد السادس في كل القارات، شرقًا وغربًا”.
في المقابل، أكد رئيس المركز المغربي للدراسات الاستراتيجية والعلاقات الدولية، في تصريحات لجريدة “مدار21” الإلكترونية، أن “أمام الدبلوماسية المغربية الكثير من العمل لإقناع روسيا والصين، وهما قوتان كبريان في مجلس الأمن، بأهمية مبادرة الحكم الذاتي كحل وحيد للنزاع”.
وأبرز أن “العلاقات المغربية–الروسية جيدة على المستوى الاقتصادي، خاصة بفضل اتفاقية الصيد البحري التي تتيح للأسطول الروسي العمل في المياه الواقعة تحت السيادة المغربية، بما في ذلك مياه الصحراء”، معتبرًا أن “هذه الخطوة الإيجابية يمكن استثمارها دبلوماسيًا نحو تكريس الاعتراف الروسي”.
كما دعا إلى “تنويع مجالات التعاون مع موسكو، خاصة الصناعات الثقيلة والعسكرية”. أما في ما يخص الصين، فأشار الندوي إلى أن “تعزيز التعاون الاقتصادي والصناعي معها يمكن أن يشكل مدخلًا لتليين مواقفها من ملف الصحراء”.
وتطرق الندوي أيضًا إلى العلاقات المغربية–الجزائرية، معتبرًا أن “ما يجمع المغرب والجزائر أكثر مما يفرقهما”، مضيفًا: “العلاقة بين البلدين تستحق أفضل مما هي عليه الآن، وينبغي أن تعود كما كانت وأفضل، فالمغرب والجزائر دولتان مهمتان في المنطقة ويمكنهما أن تلعبا دورًا كبيرًا في إعادة إحياء اتحاد المغرب العربي”.
وشدد على أن “الخطوة الأولى نحو ذلك يجب أن تكون الجلوس إلى طاولة مستديرة للتفاوض حول حل الخلافات، والانطلاق نحو مستقبل مشترك اقتصاديًا ودبلوماسيًا”، مقترحًا أن تتم هذه الخطوة بوساطة “من الولايات المتحدة أو فرنسا أو حتى من دول عربية مثل سلطنة عمان أو قطر”.
وفي سياق تقييمه للترافع المغربي في الأمم المتحدة، أوضح الندوي أن “الدبلوماسية المغربية مطالبة بالتصرف بحكمة أكبر، بدل ردود الفعل الحماسية التي قد تؤدي إلى إبعاد الطرف الجزائري بدل إقناعه”.
واعتبر أن الأولويات يجب أن تتركز على “الانتقال من رد الفعل إلى الفعل والمبادرة لإقناع الجزائر بمضامين مبادرة الحكم الذاتي”، و“العمل على إبعاد الملف من اللجنة الرابعة بالأمم المتحدة لأنها غير مناسبة، خاصة وأن الملف بيد مجلس الأمن”، إضافة إلى “الانتقال من مرحلة الدفاع عن مغربية الصحراء إلى مرحلة الشرح المفصل لمضامين مبادرة الحكم الذاتي في لقاءات السفير المغربي مع السفراء من الدول التي ما زالت لم تقتنع بعد”.
ودعا الندوي أيضًا إلى أن “تتقدم الدبلوماسية المغربية بطلب رسمي للاتحاد الإفريقي لإدراج المملكة ضمن الأعضاء المؤسسين في ديباجة القانون الأساسي للاتحاد، على اعتبار أن المغرب كان من الدول المؤسسة لمنظمة الوحدة الإفريقية”، مشيرًا إلى أن هذا الأمر “يتطلب إقناع ثلثي دول الاتحاد الإفريقي، وهو تحدٍّ كبير لكنه ممكن”.
وأكد رئيس المركز أن “الرهان لا يجب أن ينحصر على الدبلوماسية الرسمية”، مشددًا على ضرورة “تحريك الدبلوماسية غير الرسمية في اتجاه التعاون الحزبي والسياسي والثقافي مع المنظمات غير الحكومية والسياسية والمدنية في الدول التي لم تعترف بعد بمغربية الصحراء”.
وأشار إلى أن هذا المسار “قد يحقق نتائج ملموسة كما حدث مع حزب ’رمح الأمة‘، أحد أبرز أحزاب المعارضة في جنوب إفريقيا، الذي أعلن دعمه لمغربية الصحراء”، قبل أن يختم بالقول: “هذا دليل على أن المستحيل قد يصبح ممكنًا إذا تحركت الدبلوماسية المغربية بذكاء على كل المستويات”.
الصقلي: مدونة الأسرة ثمرة رؤية ملكية ومعركة اجتماعية ما زالت مستمرة
بدورها قالت نزهة الصقلي، وزيرة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية السابقة، إن رؤية الملك محمد السادس منذ اعتلائه العرش كانت واضحة في ما يتعلق بحقوق النساء والمساواة بين الجنسين، مشيرة إلى أن “الملك عبّر في خطاب ثورة الملك والشعب سنة 1999 عن قناعته بأن المغرب لا يمكن أن يصل إلى التنمية في الوقت الذي نصف ساكنته يعانين من التمييز والعنف ولا يتمتعن بحقوقهن الكاملة، رغم الطاقات والكفاءات التي يتوفرن عليها”.
وأكدت الصقلي أن هذا التوجه الملكي كان بمثابة إعلان انطلاق ورش كبير لإقرار المساواة بين النساء والرجال وتجاوز كل أشكال التمييز، مبرزة أن “معركة 2004 التي توجت بمدونة الأسرة لم تكن سهلة، بل كانت عسيرة بين قوى التقدم، وعلى رأسها الحركة النسائية والحقوقية، التي طالبت بحقوق النساء، وبين قوى إسلامية متطرفة كانت ترفض أي تغيير في وضعية النساء وإزالة الظلم عنهن”.
وأضافت في تصريح لجريدة “مدار21” الإلكترونية، أن مدونة الأسرة شكلت “ثورة تشريعية هادئة” وأن الحركة النسائية لعبت دورًا مهمًا كقوة اقتراحية، حيث “تم إعداد مرافعات واقتراحات مدعومة بتبريرات سوسيولوجية ودينية تؤكد أن الإصلاحات التي طُرحت ضرورية من الناحية المجتمعية ولا تتعارض مع مقاصد الشريعة الإسلامية”.
واعتبرت الوزيرة السابقة أن الإصلاح الذي أفرز مدونة الأسرة كان “إصلاحًا كبيرًا نفخر به جميعًا”، مشيرة إلى أن “الأجيال الحالية ربما لا تدرك أن المرأة المغربية قبل 2004 لم تكن تملك حق الطلاق وكانت تبقى سجينة الزواج، في حين كان يمكن لزوجها أن يتزوج مرة ومرتين، كما لم تكن المرأة تستطيع تزويج نفسها ولو كانت يتيمة الأب، وكان يمكن لأي قريب من العائلة أن يزوجها بدلًا منها”.
وشددت الصقلي على أن “القوانين السابقة لمدونة الأحوال الشخصية كانت مجحفة بحق النساء، لذلك مثل صدور المدونة في 2004 إصلاحًا محوريًا اهتزت له الحركة النسائية فخرًا، وفتح الباب أمام إصلاحات تشريعية أخرى مثل قانون الجنسية، ومناهضة العنف ضد النساء، وتمكين النساء من ولوج مراكز القرار، وصولًا إلى إصلاح دستور 2011 الذي أعلن المساواة والمناصفة ومنع كل أشكال التمييز والعنف”.
وأوضحت أن دستور 2011 كان “نتاج التقاء الإرادة الملكية السامية مع القوى الحية في المجتمع، ومكّن المغرب من دخول مرحلة جديدة عنوانها تعزيز المساواة والعدالة، وملاءمة القوانين الوطنية مع مقتضيات الدستور والاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب”.
لكنها لم تُخفِ أسفها لأن “انتخابات 2011 أفرزت حزبًا محافظًا قاد الحكومة عشر سنوات، ولم يُظهر التزامًا فعليًا بمقتضيات الدستور ولم يدفع بمنظومة المساواة بالسرعة المطلوبة”، معتبرة أن “مسيرة المساواة لم تتوقف تمامًا لكنها لم تتقدم بالوتيرة التي كانت منتظرة”.
وعادت الصقلي لتؤكد أن “خطاب العرش لسنة 2022 شكّل لحظة فاصلة حين أعلن الملك عن إصلاح جديد لمدونة الأسرة أو إعادة النظر فيها، وهو الورش الذي انطلق منذ ثلاث سنوات، وتوّج برسالة ملكية في 2023 منحتنا أملًا كبيرًا بأن الإصلاح المقبل سيحقق قفزة نوعية”.
وقالت إن “التوجيهات الملكية ركزت على مبادئ الحق والقانون، ولم تكن جديدة تمامًا، بل أكدت على ضرورة الملاءمة مع التحولات التي عرفها المجتمع”، مضيفة: “الأسرة في 2025 ليست الأسرة في 2004، فقد حصلت النساء على حضور قوي في الدراسة والعمل والبحث العلمي والاقتصاد والسياسة والرياضة والثقافة، وأصبحن يساهمن في المجتمع وفي البيت بشكل حاسم”.
وأشارت إلى أن “التوجيهات الملكية سارت في الاتجاه الصحيح نحو تحقيق تنمية البلاد من خلال المشاركة الاقتصادية الواسعة للنساء”، معتبرة أن المقاربة التشاركية في ورش الإصلاح الجديد “منحت أملًا كبيرًا”، لكنها اعترفت بوجود “خيبة أمل بسبب مقاومة بعض القوى التي تتمسك بالمرجعية المزدوجة لمدونة الأسرة”.
وانتقدت الوزيرة السابقة هذا المنطق بحدة قائلة: “لا يمكن للبلاد أن تسير في اتجاه قوانين حديثة ومتجاوبة مع الواقع إلا في ما يتعلق بالأسرة والنساء، حيث يريد البعض قوانين تُطبق منذ 14 قرنًا، وهذا مستحيل، ولا يمكن تحقيق العدالة والمساواة واحترام الكرامة الإنسانية من خلالها”.
وكشفت الصقلي عن إشكالات عالقة بقولها: “الظلم الممارس ضد النساء لا يأخذ بعين الاعتبار التحولات المجتمعية، مثل عمل النساء المأجور الذي لا تعترف به المدونة، ما يخلق عواقب كبيرة، وأيضًا مسألة الاعتراف بالأطفال خارج الزواج، إذ ما زالت الفكرة السائدة أن الرجل وحده يجب أن يتكفل بالأسرة، وهو ما أدى إلى ارتفاع سن الزواج لدى الرجال إلى 32 سنة ونصف، مع استمرار التطبيع مع الحرية الجنسية لدى الرجال دون تحمّلهم أي مسؤولية خارج الزواج”.
وأضافت: “إذا لم نُحدث قطيعة مع هذه الأفكار، سيستمر ظلم النساء والأطفال خارج الزواج”، مشيرة إلى أن “الإصلاح المرتقب في 2025 لا يزال مصيره غير واضح، لأن الاقتراحات التي قُدمت للملك لم تكن مرضية ولم تعالج اختلالات المدونة الحالية، خاصة فيما يتعلق بتزويج الطفلات، وتعدد الزوجات، والإرث، وإلغاء التعصيب لصالح الأعمام”.
وختمت نزهة الصقلي بالقول إن “المغرب حقق في 26 سنة مجموعة من المكتسبات لصالح النساء، أبرزها وصولهن إلى مراكز القرار، لكن ما زال الظلم قائمًا في مدونة الأسرة وفي القانون الجنائي، خصوصًا في ما يتعلق بالحق في الصحة الإنجابية وحماية النساء من الإجهاض السري الذي له عواقب كبيرة”، معتبرة أن “الإصلاح المنتظر سنة 2025 يجب أن يكون جوهريًا ويلبّي تطلعات المجتمع، وألا يتنافى مع الإرادة الملكية ولا مع انتظارات المغاربة”.
الدرويش: مشاريع المونديال تتوج الرؤية الملكية للإصلاح والتنمية
يرى ياسر الدرويش، الباحث في الاقتصاد، أن تنظيم المغرب لكأس العالم 2030 يمثل منعرجًا اقتصاديًا استراتيجيًا مدعومًا برؤية ملكية واضحة، لأنه لا يُعد مجرد حدث رياضي ضخم، بل ورشة إصلاح يشمل البنية التحتية والنقل والسياحة والخدمات. ويؤكد أن اختيار المغرب لاستضافة البطولة يعكس تخطيطًا استراتيجيًا طويل المدى، جعل من الرياضة رافعة دبلوماسية واقتصادية لتعزيز مكانة البلاد إقليميًا ودوليًا.
ويشير الدرويش إلى أن تقديرات مؤسسة Valoris Securities أظهرت أنه إذا استضاف المغرب ثلث مباريات البطولة، فإن كل مباراة قد تدرّ ما بين 25 إلى 37.5 مليون دولار، ما يعني عائدات تتراوح بين 850 مليون و1.2 مليار دولار. ويصف هذه الأرقام بأنها دليل على الإمكانيات التحويلية للمونديال على الاقتصاد الوطني.
ويبرز الباحث الاقتصادي أن المملكة خصصت نحو 20.5 مليار درهم (حوالي 2 مليار دولار) لتحديث ستة ملاعب وبناء ملعب جديد بسعة 115 ألف متفرج قرب الدار البيضاء، ضمن خطة متكاملة لجعل البنية التحتية الرياضية بمعايير عالمية، وهو ما يُنتظر أن يحرك قطاعات البناء والأشغال العمومية ويخلق آلاف فرص العمل.
ويضيف في تصريح لجريدة “مدار21” الإلكترونية، أن المونديال ترافقه إصلاحات كبرى في شبكات النقل، فالمغرب يسعى إلى رفع طاقة استيعاب مطاراته من 38 مليون إلى 80 مليون مسافر سنويًا بحلول 2030، باستثمارات تتجاوز 42 مليار درهم، إلى جانب توسعة شبكة القطارات السريعة (TGV) التي ستربط بين الدار البيضاء ومراكش وأكادير بتمويل يقارب 14 مليار دولار، ما سيحدث نقلة في التنقل الداخلي حتى بعد انتهاء البطولة.
ويؤكد الدرويش أن قطاع البناء يشهد بدوره طفرة قوية، إذ يُرتقب أن تُصرف ما يقارب 9 مليارات دولار على مشاريع البنية التحتية في 2025، أي بزيادة 40٪ مقارنة مع 2024. كما تم رصد 60 مليار درهم سنويًا لمقاولات الأشغال الكبرى بين 2018 و2024، ما يخلق أثرًا اقتصاديًا واجتماعيًا واسعًا.
ويشير الباحث إلى أن الحكومة أطلقت أيضًا ميثاق الاستثمار الجديد الذي يمنح إعانات تصل إلى 30٪ من تكلفة المشاريع، وامتيازات ضريبية على المعدات والخدمات السياحية، وهو ما سيضاعف جاذبية المغرب للاستثمارات ويحول القطاع الخاص إلى شريك أساسي في تمويل الإصلاحات.
ويرى الدرويش أن قطاع السياحة سيكون أحد أكبر المستفيدين، إذ استقبل المغرب سنة 2024 نحو 15.9 مليون سائح بزيادة 20٪ مقارنة بـ2023، بعائدات تجاوزت 115 مليار درهم. ويضيف أن الهدف هو الوصول إلى 17.5 مليون سائح بحلول 2026 و26 مليون سائح مع موعد المونديال سنة 2030، وهو ما سيحول المغرب إلى وجهة سياحية عالمية بامتياز.
ويختم ياسر الدرويش بالتأكيد على أن كل هذه الأرقام والمشاريع تعكس رؤية الملك محمد السادس التي تربط بين الرياضة والتنمية الشاملة، مشددًا على أن المونديال ليس مجرد بطولة عابرة، بل محفّز استراتيجي لإصلاحات طويلة الأمد تجعل المغرب قوة اقتصادية صاعدة ومتجددة على الساحة الدولية.