الخرطوم- دخل الحظر الذي فرضته السلطات السودانية على خدمة الاتصال الصوتي والمرئي عبر تطبيق التواصل “واتساب” حيز التنفيذ، أمس الجمعة، بعد أن أعلنت في وقت سابق أنه “إجراء احترازي لمواجهة المهددات الأمنية، حفاظا على الأمن القومي والمصالح العليا للبلاد”.
وأعلنت شركة “زين” للاتصالات في السودان حظرا شاملا للمكالمات الصوتية والمرئية عبر تطبيق “واتساب”، ابتداء من الجمعة. وقالت في إيجاز مقتضب إن الخدمة ستتوقف تماما عن جميع المشتركين في شبكتها دون استثناء، وذلك التزاما بالتعليمات الصادرة من جهاز تنظيم الاتصالات والبريد في السودان.
وفي حين لم يستبعد خبراء ومختصون تحدثوا للجزيرة نت أن يكون الحظر لأسباب اقتصادية تهدف لرفع أرباح شركات الاتصالات، التي تأثرت بمجانية الاتصال عبر “واتساب”، اعتذر جهاز تنظيم الاتصالات والبريد -في بيان- عن “أي ضيق قد يسبّبه هذا التقييد للمشتركين”.
بينما ظل المشتركون في السودان يتساءلون عن أسباب وحيثيات القرار المفاجئ بحظر التواصل الصوتي والمرئي.

ما أسباب حظر مكالمات واتساب في السودان؟
يقول الخبير الدولي في الأمن السيبراني وحماية الشبكات المهندس إسماعيل بابكر إن الحظر يعكس توجسّا أمنيا وسياسيا أكثر من كونه خطوة فعّالة لحماية الأمن القومي، لأن المستخدمين سيجدون بدائل، كما حدث في دول عديدة سبقت السودان في اتخاذ هذه الخطوة.
وأوضح الخبير بابكر للجزيرة نت أن قرار حظر خدمة التراسل الصوتي والمرئي غالبا ما يكون مدفوعا بعدة أسباب محتملة، ومنها:
أسباب أمنية:
- صعوبة المراقبة، حيث الاتصالات عبر واتساب مشفّرة، مما يصعّب على السلطات تعقّب المحتوى.
- توجس من تنظيمات معارضة، حيث يُعتقد أن بعض الجماعات أو النشطاء يستخدمون هذه الوسائل للتنسيق بعيدا عن أعين الدولة، خصوصا في أوقات الاضطراب السياسي أو الأمني.
أسباب سياسية:
- التحكم في تدفّق المعلومات في فترات التوتر، حيث تلجأ الحكومات إلى تقييد وسائل التواصل لمنع انتشار الأخبار التي تُعد مهددة للاستقرار.
- مواجهة الحملات الإعلامية، وهناك مخاوف من استخدام مكالمات “واتساب” لتوجيه الرأي العام داخليا وخارجيا.
أسباب اقتصادية:
- وهي عبارة عن خسائر شركات الاتصالات، بسبب اعتماد الناس على المكالمات المجانية عبر الإنترنت بدلا من الاتصال التقليدي.

من المتضررون من هذا الحظر؟
يقول مؤسس ومدير موقع “سوداني نت” الإخباري علاء الدين يوسف إنه سيتضرر من حظر خدمة الاتصال الصوتي والمرئي عبر تطبيق “واتساب”، نظرا لأن بعض شركات الاتصالات في تركيا، حيث يقيم، لا تتيح ميزة الاتصال الدولي المباشر إلى السودان.
ومع ذلك، فإنه يشجّع هذه الخطوة “لما قد يكون لها من أثر إيجابي في الحدّ من بعض المهدّدات الأمنية”. ولم يستبعد، في حديث للجزيرة نت، أن يكون الهدف من تقييد خدمة الاتصال الصوتي والمرئي عبر “واتساب” هو “الحد من نقل الأحداث من الميدان، بعد أن عجزت التعليمات العسكرية السابقة عن منعه”.
وأشار إلى أنه ليست هناك مخاوف من الاستخدامات العادية للتطبيق من قبل المواطنين، بل إن المخاوف تنبع من الاستخدامات التي تُعتبر “ضارة بالأمن”، بحسب رؤية الجهات الحكومية المختصة.
ولفت علاء الدين، وهو صانع محتوى رقمي وخبير في أمن المعلومات، إلى أن خيارات الاتصال الصوتي والمرئي كثيرة ومتوفرة في العديد من التطبيقات، ويصعب حجبها جميعا. وقال “حتى بعض الدول الخليجية، رغم إمكانياتها الكبيرة، لم تتمكن من إغلاق كل التطبيقات، مما دفع الناس إلى استخدام تطبيقات أخرى أكثر جودة في الاتصال”.
وأشار إلى أن السيطرة على المنصات الإلكترونية تُعد صعبة للغاية بسبب وجود أطراف ثالثة تطوّر تقنيات للالتفاف والتجاوز، وهو ما وصفه بـ”تجارة كبيرة ورائجة”.
كيف يهدد حظر مكالمات واتساب الأمن القومي؟
يقول الخبير بابكر إن الاتصال الصوتي والمرئي عبر واتساب يمكن أن يُشكّل تهديدا للأمن القومي من الناحية الفنية، لأنه يصعّب مراقبة أو اعتراض المكالمات بسبب التشفير القوي الذي يستخدمه التطبيق، مما يجعله بيئة مفضلة لنقل معلومات قد تكون حساسة.
وأضاف أن التهديد من الناحية الواقعية يعتمد على السياق، ففي حالة وجود جماعات مسلحة أو تنظيمات معارضة أو تنسيق احتجاجات، يمكن أن تُستخدم هذه الوسائل بفعالية.
لكن بالمقابل، فإن الغالبية العظمى من المستخدمين يستعملون واتساب لأغراض عائلية وتجارية عادية، وبالتالي، فإن التهديد قد يكون “محدودا” إذا نظرنا إليه بشكل مجتمعي واسع.
وأكد الخبير إسماعيل أن الالتزام الكامل بالحظر غير مرجح لعدة أسباب، منها: سهولة كسر الحظر، حيث يستخدم كثير من الناس في السودان تطبيقات تجاوز الحظر (VPN). كما أن هناك تطبيقات بديلة مثل إيمو “IMO”، و”تليغرام”، “ماسنجر”، وغيرها التي توفر خدمات الاتصال نفسها.
وقال إن ما قد يحدث بعد قرار الحظر هو فرض حظر شكلي وتقييد جزئي، يلجأ معه المستخدمون العاديون إلى حلول بديلة بسرعة. وقد يُرفع لاحقا إذا تبيّن عدم جدواه أو تغيّرت الظروف السياسية. داعيا إلى التفكير في تنظيم الاستخدام بدلا من منعه، وتحسين الوعي الرقمي، والتعاون مع شركات التكنولوجيا لتطوير حلول تلبي احتياجات الأمن دون خنق الحريات.
ما أبرز ردود الفعل على إعلان الحظر؟
أثار الإعلان عن حظر الاتصال الصوتي والمرئي عبر “واتساب” ردود فعل متباينة في الشارع السوداني، الذي يفضّل التواصل عبر هذا التطبيق داخل وخارج السودان، نظرا لسهولة استخدامه وانخفاض تكلفة الاتصالات عبره، مما جعله الخيار الأكثر استخداما بين السودانيين.
وقالت أسماء عبد المنعم، وهي محامية سودانية لجأت إلى مصر بعد الحرب وتقيم في منطقة بالجيزة، إنها مستاءة من تقييد حرية تواصلها عبر “واتساب” مع أهلها في السودان.
وأوضحت للجزيرة نت أن التطبيق ظل الخيار الأكثر شهرة والمفضّل لها ولأغلبية السودانيين، نظرا لسهولة استخدامه من قبل الجميع، خاصة في الرسائل النصية والصوتية والفيديوهات.
وتوقعت أن يكون السبب اقتصاديا وليس أمنيا، لتعويض خسائر شركات الاتصالات وزيادة أرباحها، بعد أن تعرضت لتدمير كبير في بنيتها التحتية عقب الحرب، لأن حظر “واتساب” يعيد البعض مرة أخرى للاعتماد على الاتصالات العادية المكلفة أو اللجوء إلى استخدام برامج كسر الحظر التي تستنزف الكثير من الإنترنت وبالتالي المزيد من المال، في وقت يعاني فيه أغلب السودانيين من ظروف اقتصادية قاسية.
في المقابل، بدا البعض غير مهتم بخطوة تقييد الاتصال الصوتي والمرئي عبر “واتساب”، ربما لمعرفتهم بالبدائل المتوفرة، حيث أصبح الحظر بالنسبة لهم مادة للمزاح وتبادل النكات، مثل قولهم إن “تطبيقات الماسنجر والإيمو تعلن جاهزيتها لاستقبال نازحي الواتساب اعتبارا من الجمعة”.