تزامنا والجدل الدائر حول سلوك بعض المهاجرين غير النظاميين من إفريقيا جنوب الصحراء، أكد نوفل البعمري، رئيس المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، ضرورة إعادة تقييم الاستراتيجية الوطنية للهجرة التي أطلقها المغرب منذ أزيد من عشر سنوات، وذلك في ضوء مستجدات الواقع وتحديات التنزيل.
واعتبر البعمري، خلال استضافته في برنامج مع يوسف بلهيسي، الذي يبث على منصات مدار21 الإلكترونية، أن المغرب انخرط في اختيار إنساني واضح من خلال فتح أبوابه أمام المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء، خاصة القادمين من بلدان إفريقيا جنوب الصحراء، معتبرا أن هذا القرار ذو أبعاد إنسانية وسياسية في آن واحد، وله كلفته التي تتطلب استعدادا دائمًا لمواجهتها ومواكبتها.
وأوضح المتحدث أن “الحديث عن مقاربة أمنية أو حقوقية لا يجب أن يُختزل في ثنائية جامدة، بل ينبغي أن ينبني على التقييم الواقعي للنتائج المترتبة عن الاستراتيجية الحالية ومدى انعكاسها على أوضاع المهاجرين”، مبرزًا أن “لا دولة بإمكانها أن تُنتج حلولًا مثالية بنسبة 100%، وأن التحديات القائمة ربما ستتعقّد أكثر في المستقبل”.
وعبر البعمري عن تخوفه من بعض الخطابات المتطرفة التي ظهرت مؤخرا، والتي تدعو إلى ترحيل المهاجرين باسم “السيادة الوطنية”، معتبرا أن هذا النقاش قد ينزلق نحو “خطاب يحمل بذور العنصرية والكراهية”، وهو أمر قال إنه يتنافى مع الطبيعة المتسامحة التي ميزت المجتمع المغربي تاريخيا، بحكم أن المغاربة أنفسهم عاشوا تجربة الهجرة ويدركون أبعادها الإنسانية والاجتماعية.
وفي سياق رده على الاتهامات المتداولة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والتي تتحدث عن اعتداءات أو تجاوزات من طرف مهاجرين، قال البعمري إن “هناك مبالغة كبيرة في تضخيم هذه الوقائع”، مبرزًا أن المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، التي تتوفر على خمسة مراكز تهتم بالمهاجرين واللاجئين، “لم تسجل أي حالة من هذا النوع بشكل موثق إلى حدود الساعة”، بالرغم من تعاملها اليومي مع المعنيين بهذه الملفات.
وحذر المتحدث من أن يفضي هذا التضخيم إلى “صورة مغلوطة عن المغاربة توحي وكأنهم أصبحوا يحملون مواقف عنصرية أو عدائية تجاه الأجانب”، مشيرا إلى أن الحسابات الفيسبوكية التي تروج لهذا الخطاب لا تعكس بالضرورة حقيقة الواقع، مما يفرض – حسب قوله – ضرورة التحلي بالحذر والتأني قبل إطلاق الأحكام أو تشكيل رأي عام سلبي.
وفي المقابل، دعا البعمري الدولة إلى الاضطلاع بمسؤوليتها الكاملة في هذا الملف، خصوصا عندما يتعلق الأمر بتجاوزات أو انتهاكات تمس حقوق المهاجرين، مؤكدا ضرورة التدخل “في حال وُجدت أي شبهة تتعلق بتعرض مهاجر أو مهاجرة لفعل يمكن تصنيفه كعنصري”، لافتا إلى أن أي معالجة لهذا الملف الحساس تستوجب مقاربة متوازنة، تراعي حقوق المهاجرين، وتحترم في الآن نفسه سيادة القانون ووحدة النسيج المجتمعي.
الفاعل الحقوقي ليس خصما
وبخصوص الانتقادات التي توجه إلى المنظمة المغربية لحقوق الإنسان بشأن مواقفها من بعض القضايا الحساسة، مثل حراك الريف وملفات معتقلي الرأي، اعتبر نوفل البعمري، رئيس المنظمة، أن المقارنات التي تُعقد بينها وبين هيئات حقوقية أخرى لا تعكس الحقيقة، موضحًا أن لكل إطار أسلوبه الخاص في العمل، وأن المنظمة اختارت الاشتغال بمقاربة حقوقية تعتمد على الترافع بلغة معيارية، وليست معنية بالاحتجاجات.
وشدد البعمري على أن “الاحتجاج الاجتماعي” من اختصاص النقابات والإطارات الجماهيرية، بينما تشتغل المنظمة على التأثير والترافع داخل المؤسسات، عبر لغة قادرة على إحداث الأثر المطلوب، من خلال النقد الموضوعي والتواصل البناء. واعتبر أن الاتهامات التي تطال المنظمة بمهادنة السلطة أو التماهي مع مواقفها هي اتهامات غير دقيقة، قائلا: “من يقول هذا الكلام إما لم يقرأ تاريخ المنظمة جيدًا أو لم يواكب تحركاتها عن قرب”.
وأضاف أن المنظمة لطالما كانت حاضرة في المحطات الحقوقية الكبرى، مذكّرًا بدور رئيسها الأسبق محمد نشناش في المبادرة المدنية التي أعقبت احتجاجات الريف، إلى جانب الزيارة الأخيرة التي قامت بها المنظمة إلى المعتقلين الستة المتبقين من حراك الحسيمة، فضلًا عن مواقفها المستمرة دفاعًا عن تجويد القوانين، والحق في الحياة، من خلال رفض عقوبة الإعدام، والدفاع عن المساواة الكاملة بين النساء والرجال في مدونة الأسرة، إلى جانب نضالها من أجل الحقوق السياسية والمدنية، بما في ذلك حرية التنظيم والتجمع السلمي.
وفيما يتعلق بما يتداول بشأن لعب المنظمة دور الوسيط بين الدولة والمجتمع الحقوقي، أوضح البعمري أن هذا ليس طعنًا في استقلاليتها، بل يدخل في صميم عملها الحقوقي، مضيفًا أن جزءًا من الأزمات التي شهدها المغرب، ومنها أزمة الحسيمة، تعود إلى غياب بنى الوساطة، وأنه “إذا كانت لدى المنظمة القدرة على لعب هذا الدور، فهذا أمر يُحسب لها وليس ضدها”.
وأكد المتحدث أن الفاعل الحقوقي ليس خصمًا سياسيًا، بل هو مدافع عن النهوض بحقوق الإنسان وحمايتها، ولا يمكن له أن يلعب دور المعارضة السياسية أو أن يتماهى مع أدوار الفاعل الحزبي، لأن ذلك من شأنه أن يخلط بين المهام ويُربك التوازنات الأساسية في المشهد الحقوقي، مؤكدا أن منظمته اختارت طريق التأثير والترافع، مع الالتزام الدائم بالمبادئ الحقوقية المعيارية، بعيدًا عن الحسابات السياسية أو الاصطفافات الظرفية.