وقف النجار المتمرس ممسكًا بأدواته، كعادته، يقوم بعمله بثقة يد خبِرت الخشب وتمكنت منه، إلى أن أطلّ عليه رجل هادئ القسمات، وسأله بنبرة تجمع المزاح بالعمق، قائلًا: “شغلة (مهارة) ولا خلو بال؟!” فرد عليه النجار بثقة لا حد لها قائلًا: “شغلة طبعًا، أنا راجل صنايعي أدّ الدنيا”. فتركه الرجل ومضى بعد أن اتخذ قرارًا بأن يختبر قدراته المهنية تلك إذا سلبه “خلو البال”.
أورد يوسف إدريس القصة السابقة، وإدريس كاتب مسرحي وروائي مصري، نشر القصة ضمن أحد أبرز مقالاته “خلو البال”، وهو المقال الذي نُشر مع مجموعة مقالات أخرى لإدريس في كتاب يحمل نفس العنوان صدر عام 1986 عن دار المعارف المصرية.
خلال مقاله تناول إدريس مفهوم “خلو البال” كحالة نفسية ضرورية لتحقيق الراحة النفسية والوصول إلى الإبداع، وأوضح أن انشغال البال المستمر بالمشكلات اليومية والتفكير الزائد يعيق الإنسان عن تحقيق السلام الداخلي والإنجاز الحقيقي.
لكن هل كان إدريس، الذي مارس الطب النفسي، على حق حين أعطى وزنًا لخلوّ البال؟ وإذا كان ما يدّعيه من أهمية خلو البال حقيقيًّا، فهل يمكن لأي منا أن يصل إلى هذه الحال بإرادة شخصية؟ وإذا كانت الإجابة بنعم، فكيف ذلك؟
“خلو البال” من منظور اللغة وعلم النفس
يُشير “خلو البال” إلى صفاء الذهن وعدم إعطاء القلق دفة السيطرة، أما اصطلاحًا فيُشير خلو البال إلى حالة من الهدوء الداخلي والتوازن النفسي، حيث يكون الفرد متحررًا من التوترات والضغوطات حتى وإن كانت تحيط به، مما يتيح له التركيز والانخراط الكامل في لحظته الراهنة.
بالعودة إلى قصة إدريس فقد ذهب الرجل السائل إلى السوق، واشترى “سبَتًا” ملأه باللحم والخضراوات والفاكهة، وأرسله مع أحد الصبيان إلى بيت النجار لتتسلّمه الزوجة بعد أن يخبرها الصبي أن زوجها هو من أرسل هذه الأشياء إليها، وحينما عاد النجار في المساء وجد رائحة الطعام الشهي تملأ بيته، وحينما سأل زوجته من أين لها هذا كله؟ أخبرته أنه هو من أرسل هذه الأشياء.
انفعل النجار الذي شك في سلوك زوجته وحفلت ليلته بالأسئلة والشجار، وحينما عاد لاستئناف عمله في اليوم التالي لم يتمكن من القيام بمهامه المعتادة، فكلما أمسك بإطار نافذة ليركبها سقط منه الإطار وتحطم على الأرض، وكلما حاول أن يدق مسمارًا دق الشاكوش إصبعه.
حينها، عاد إليه سائل الأمس، ولما رآه النجار سبّه وأمره بالذهاب، فما كان من الرجل إلا أن أخبره أنه هو من أرسل إلى بيته الطعام أمس، وذلك ليثبت له أن مهارته أمس لم تكن أمرًا احترافيًّا تلقائيًّا، بل هي “خلو بال”، وأنه من الممكن ببساطة أن يُحرم من هذه المهارة المهنية إذا سُلب خلو البال منه.
وبعدما استمع النجار للرجل وتأكد من أن زوجته بريئة، عاد إليه انتظام عمله وإتقانه.

أما في علم النفس، فيُقارب مفهوم “خلو البال” عدّة مصطلحات علمية، أشهرها: “السكينة النفسية أو السلام الداخلي” (Inner Peace) وهو أقرب معنى لمفهوم “خلوّ البال”، حيث يُشير إلى حالة من الهدوء الداخلي والراحة النفسية، مصحوبة بشعور بالتوازن والاستقرار، حيث يكون خلالها الشخص غير مضطرب عاطفيًّا أو فكريًّا.
المفهوم الثاني هو “الصفاء الذهني” (Mental Clarity)، وهو مفهوم يصف الذهن الصافي غير المشتت، القادر على التركيز واتخاذ القرارات دون ضغط أو تشويش، المفهوم الثالث هو “الطمأنينة” وهو المفهوم الذي يُعبر عن حالة عميقة من الراحة النفسية والهدوء، غالبًا ما ترتبط بالتوازن العاطفي وعدم سيطرة القلق أو التوتر. وأخيرًا “اليقظة الذهنية” (Mindfulness)، وهي مفهوم يُشير إلى ممارسة بعينها، لكن نتيجة هذه الممارسة النهائية هي الإحساس بالسلام الداخلي.
فاليقظة تعني أن تكون حاضرًا كليًّا في اللحظة الحالية، دون أن تُرهق نفسك بآلام الماضي أو بالقلق من المستقبل.
هذا التقارب في معاني المصطلحات والمفاهيم وفي وصف الحالات المرتبطة بها يجعل “خلوّ البال” في علم النفس ليس مصطلحًا واحدًا بل هو “حالة” يمكن أن تعبر عنها مجموعة من المفاهيم النفسية التي تتداخل مع بعضها، في عدد من الأوجه والنقاط، لتصف في النهاية حالة من السلام النفسي والذهني.
الفرق بين الدماغ المضغوط والخالي البال
عند التعرض للضغط النفسي باستمرار، يُفعّل الدماغ استجابة مُحددة عبر اللوزة الدماغية، وهي منطقة في الدماغ تُساهم في معالجة المشاعر، هذه الاستجابة هي “المواجهة والقتال أو الطيران والهروب”، هذه الاستجابة تُسبب مجموعة من التغيرات الفسيولوجية، التي منها: خفقان القلب وتسارع التنفس وتوتر العضلات والتعرق. يحدث هذا لأن اتخاذ الدماغ لهذه الوضعية يؤدي إلى إفراز هرمون الكورتيزول، الذي يُعرف باسم “هرمون التوتر”.
رغم أن لهذا الهرمون أهميته في المواقف الطارئة، فإن ارتفاع مستوياته بشكل مستمر يمكن أن يؤدي إلى العديد من التأثيرات الإدراكية غير المرغوب فيها، ومنها ضعف قدرة الدماغ على القيام بالوظائف التنفيذية مثل التفكير والتحليل والإدراك، إضافة إلى التأثير السلبي في الذاكرة وعدم القدرة على تنظيم المشاعر واتخاذ القرارات، وبمدّ خط هذه النتائج الصحية على استقامته يفقد الشخص تدريجيًّا القدرة على القيام حتى بأبسط المهام اليومية العادية، وهو ما تمثل خلال قصة النجار بفقدان القدرة بشكل كامل على القيام بالعمل اليومي المعتاد.
يقول عالم الأعصاب بروس ماكوين إنه نظرًا لأن الضغط يُغير طريقة تواصل الخلايا العصبية في الدماغ بعضها مع بعض، فإن التوتر المزمن يُمكن أن يكيف أدمغتنا وأجهزتنا العصبية وسلوكنا مع حالة مستمرة من الانتباه الزائد عن الحد والتفاعل المبالغ فيه.
هذا يعني أنه يمكن أن تؤدي هذه الحالة إلى “مشكلات هضمية، وصعوبة في النوم، وضعف في جهاز المناعة”، وهو ما يجعل الشخص عُرضة للإصابة بفيروسات مثل الإنفلونزا ومشاكل صحية مُزمنة.
في المقابل، تُظهر الممارسات التي تسعى إلى تقليل التوتر، تأثيرًا معاكسًا كليًّا، حيث تساعد في تقليل نشاط اللوزة الدماغية، وهو ما يؤدي إلى انخفاض مستويات الكورتيزول وتحسين الوظائف المعرفية.
الحالة الثانية التي تحدث في الدماغ في ظل سيطرة الضغوطات تتعلق بـ”شبكة الوضع الافتراضي” (Default Mode Network – DMN)، وهي شبكة مكونة من عدّة مناطق مترابطة في الدماغ، وتنشط بشكل أكبر خلال أوقات الراحة، مقارنة بأوقات الانشغال في مهام إدراكية أو خارجية، هذه الشبكة تؤدّي دورًا هامًّا في عمليات التفكير الداخلي، مثل التأمل في الماضي أو المستقبل، والتفكير في الذات، والتفكير في الآخرين. وجدت الدراسات أن النشاط المفرط في هذه الشبكة مرتبط بالتشتت العقلي والمعاناة من القلق والاكتئاب.

حينما يخلو البال بسبب ممارسات معينة مثل التأمل أو اليقظة الذهنية أو من خلال الإستراتيجيات الخاصة بكل شخص التي تساعده على تقليل التوتر وتطهير الذهن من المخاوف والهموم، فإن نشاط “DMN” يقل وهو ما يعزز القدرة على التركيز والانتباه ويقلل من التشتت الذهني ويقلل أيضًا من سيطرة المشاعر السلبية.
التأثير الثالث الذي يرتبط بتأثير سيطرة الضغوطات أو خلو البال على الدماغ هو التغيرات الكيميائية، إذ ترسل أدمغتنا باستمرار رسائل كيميائية تؤثر في أفكارنا ومشاعرنا وسلوكياتنا. تعتمد هذه الرسائل على جزيئات خاصة تُسمى النواقل العصبية، وعندما تواجه مستويات هذه النواقل العصبية خللًا فإنها تتعطل عن القيام بوظائفها. تُساعد الناقلات العصبية في التحكم في كل شيء، بدءًا من ضربات القلب إلى مستويات سعادة الشخص.
يؤدي التوتر المزمن إلى إفراز مستمر للكورتيزول، مما يسبب خللًا في الناقلات العصبية مثل الدوبامين والسيروتونين، والدوبامين هو هرمون يرتبط بالمكافأة والتحفيز فهو يجعلك تشعر بالسعادة عند تحقيق إنجازات جيدة ويساعدك على الاستمتاع بلحظات الحياة الممتعة، وزيادة الدوبامين تعزز المشاعر الإيجابية.
أما السيروتونين فيتحكم في الحالة المزاجية للشخص ويساعد على استقراره العاطفي وهو مرتبط بالراحة النفسية، وزيادته تقلل من القلق والاكتئاب. حدوث خلل في الدوبامين والسيروتونين يزيد من خطر الإصابة بالاكتئاب والقلق.
في حال تمكن الشخص من تحقيق الصفاء الذهني، فإن هذا سيؤدي إلى انخفاض مستويات الكورتيزول وزيادة في الدوبامين والسيروتونين، مما يعزز المشاعر الإيجابية والهدوء العقلي. هنا، تذهب الدراسات إلى أن النتائج المرتبطة بممارسات مثل التأمل، ومنها تقليل التوتر وتحجيم الضغوطات، تؤدي إلى تغييرات إيجابية في كيمياء الدماغ.
خلال دراسة أُجريت على طلاب الطب في جامعة تايلندية، تم قياس مستويات الكورتيزول في الدم قبل وبعد ممارسة التأمل الذهني. أظهرت النتائج انخفاضًا كبيرًا في مستويات الكورتيزول بعد التأمل.
الباب الأمثل لتحقيق الرضا والتوازن
أشارت دراسة نُشرت عام 2023 في الدورية العلمية “الشخصية واختلافات الأفراد” إلى أن الرفاهية تتكون من عدة أبعاد مختلفة، ومن هذه الأبعاد المعروفة الشعور باللذة والسعادة، وأوضحت الدراسة أن “راحة البال”، التي فسرتها الدراسة بأنها جانب من جوانب الرفاهية تتميز بالسلام الداخلي والانسجام، لم تحظ بالاهتمام إلا مؤخرًا.
وأكدت الدراسة أن راحة البال تنبئ بنتائج مهمة، فيما يتعلق بالتعامل بفعالية مع الاكتئاب والقلق، مفسرة سبب ذلك بأن الشخص الذي يتمتع براحة البال قد يمتلك قدرة خاصة على تنظيم المشاعر، وأضافت الدراسة أنه على الرغم من ذلك، لم تُجرَ أي دراسات سابقًا حول راحة البال والقدرة على تنظيم المشاعر. وهو الأمر الذي اهتمت برصده الدراسة التي بحثت في العلاقة بين راحة البال والقدرة على تنظيم المشاعر.
أكدت نتائج الدراسة أن الأفراد الذين يتمتعون بمستويات أعلى من “خُلو البال” يكونون أكثر قدرة على إعادة تفسير المواقف لتنظيم مشاعرهم، اتجاهها بدلًا من كبتها، مما يعزز التكيف العاطفي.
في علم النفس الإيجابي، يُعتبر “خلو البال” عنصرًا أساسيًّا لتحقيق الرفاهية النفسية. وفقًا لدراسة نُشرت في الدورية العلمية لدراسات السعادة، فإن “خلو البال” يُحسّن من التوازن العاطفي ويُعزز الرضا عن الحياة.
وكذلك، في نموذج بيرما (PERMA) الذي طوّره عالم النفس الإيجابي مارتن سيليجمان، يُعدّ “خلو البال” أو الصفاء الذهني من المفاهيم التي تتقاطع مع عدة عناصر من هذا النموذج. ورغم عدم ذكره صراحة له عنصرًا مستقلًّا، فإن ممارسات مثل التأمل واليقظة الذهنية، أوردها سيليجمان خلال نموذجه، منتجها النهائي هو تحقيق حالة “خلو البال”.
يشير نموذج بيرما للرفاهية النفسية -الذي ترمز حروفه الإنجليزية للعناصر الخمسة الأساسية لتحقيق الرفاهية، وهي: المشاعر الإيجابية، والمشاركة، والعلاقات، والمعنى، والإنجاز- إلى أن الحالة الناتجة عن ممارسات التأمل واليقظة تُعزز المشاعر الإيجابية وتزيد من قدرة الشخص على الانخراط في الأنشطة ذات المعنى، مما يؤدي إلى تحسين الرفاهية النفسية بشكل عام.
البحث عن خلو البال منذ فجر التاريخ
كان تحقيق هذه الحالة من السلام والاستقرار النفسي وصفاء الذهن هدفًا أساسيًّا للعديد من الثقافات، فمثلًا في الشرق، وتحديدًا في الفلسفة الطاوية، التي نشأت في الصين، يُعدّ تحقيق التوازن بين “اليين” و”اليانغ”، وهما مفهومان يشيران إلى القوى المتعارضة التي يتكامل بعضها مع بعض لتحكم الكون وتشكله، ضروريًّا لتحقيق “خلو البال”، حيث تتضمن فلسفة الطاوية السعي لعيش حياة متناغمة، تسمح للأمور بأن تتدفق بشكل طبيعي.

وكذلك، في البوذية، غالبًا ما يُشار إلى السلام الداخلي بكلمة “شانتي”، وهو مصطلح يدل على شعور عميق بالسكينة ينبع من فهم الطبيعة الحقيقية للحياة وهو ما يتبعه توقف المعاناة، وتسعى فلسفة البوذية أيضًا إلى تحقيق “النيرفانا” كحالة من التحرر من المعاناة وتحقيق السلام الداخلي، ويصف البوذيون هذه الحالة بأنها سلام داخلي تام وخلو من الرغبات.
أما في الغرب، وتحديدًا في الفلسفة الرواقية، فيُعتبر “خلو البال” هو الغاية أو النتيجة النهائية من ممارسات وإستراتيجيات السيطرة على المشاعر والتفكير العقلاني، وقد عرّفت الرواقية “السلام الداخلي” بأنه “غياب” للمشاعر الهدامة والقدرة على تحقيق التوافق مع العقل. أما في الثقافات الإفريقية، فيرتبط “خلو البال” بتحقيق التناغم المجتمعي والتوازن مع الطبيعة، حيث ترتبط رفاهية الفرد، بشكل مباشر، برفاهية المجتمع. وغالبًا، ما يُنظر إلى السلام الداخلي على أنه التوازن الذي تم تحقيقه بين الذات والبيئة والمجتمع.
وفي التصوف الإسلامي، يُعتبر مفهوم “خلو البال” أو “صفاء الذهن” جزءًا أساسيًّا من المسار الروحي من أجل تحقيق القرب من الله. حيث يتخلى الفرد عن نفسه وعن الشواغل الدنيوية ويذوب في محبة الله متجاوزًا “أناه”، مما يُحقق حالة من السلام الداخلي العميق.
وقد عالج القرآن الكريم مفهوما قريبا أشار إليه بـ”النفس المطمئنة” التي يُخاطبها الله سبحانه وتعالى في سورة الفجر، بقوله: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ، ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً}، وبقوله تعالى في سورة الرعد {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}، وتُشير الأبحاث النفسية إلى أن الشعائر الروحية، تُسهم في تحسين الصحة النفسية وتقلل من التوتر والقلق.
بخطوات بسيطة يمكنك الوصول إلى “خلو البال”
“من يتعلم التحكم في تجاربه الداخلية سيتمكن من تحديد جودة حياته، وهي الحالة الأقرب لأي منا التي تُمكننا من الوصول إلى السعادة”.
- ميهاي تشيكسينتميهالي (Mihaly Csikszentmihalyi) التدفق: سيكولوجية التجربة المثلى
خلال مقاله “خلو البال” يوضح يوسف إدريس أن بعض الناس يعتقد أن الإنسان في أي وقت، يستطيع أن يُخلي باله من كل شيء، ويُعيد عقله صافيًا هادئًا، لكنه يؤكد أن هذا الاعتقاد خاطئ تمامًا، قائلًا: “الترمومتر المخدوش أو المكسور لا يمكن أن يقيس الحرارة، والكمبيوتر إذا اختل منه نصف موصل واحد يفقد قدرته على العمل.. فما بالك بالإنسان؟”.
قد يكون السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هو كيف يمكننا تحقيق هذه الحالة من خلو البال، لحصد فوائدها ونتائجها الإيجابية المتعددة؟ والإجابة هي أن هذه الحالة قد تتحقق من خلال اتباع خطوات وممارسات، منها:
- ممارسة الأنشطة التي تستمتع بها: أحيانًا نغرق تمامًا في حالة من التوتر والتشوش الذهني عندما تكون حياتنا مملّة أو راكدة أو غير مُلهمة. لهذا السبب، قد يساعد القيام بالأنشطة التي نستمتع بها على تهدئة عقولنا. يمكن أن يساعد القيام بالأنشطة الممتعة في تحفيز العقل، كما يساعده أيضًا على تحقيق الراحة والاسترخاء.
- السباحة: تُشير الدراسات إلى أن من أبرز طرق تهدئة الجسم تنشيط الجهاز العصبي الباراسمبثاوي، الذي من مهامه تحفيز الجسم على الاسترخاء وتحقيق الهدوء. ومن الطرق التي يمكن من خلالها تنشيط هذا الجهاز غمر الجسم بالماء البارد. فإذا كنت تشعر بتسارع في أفكارك أو سيطرة الضغوط عليك ولا تعرف طريقة للهرب، فاسبح في ماء بارد أو استحم بماء بارد.
- قضاء بعض الوقت في الطبيعة: تُظهر الأبحاث أن من أفضل الطرق لتهدئة العقل قضاء وقت في الطبيعة، إذ يوفر الخروج إلى الطبيعة العديد من الفوائد المختلفة التي يمكن أن تساعد في تهدئة العقل، ومنها استنشاق الهواء النقي، والتعرض لأشعة الشمس واستنشاق رائحة الأشجار، هذه الأمور كلها مفيدة لصحتنا. قد يكون كل المطلوب هو محاولة قضاء 15 دقيقة على الأقل في الخارج كل يوم. ويقابل هذه المفهوم في الإسلام التأمل والتدبر في آيات الله المبثوثة في الكون.
- الشعائر الدينية: العبادات والصلوات والممارسات الروحية على اختلافها، من الأمور التي تُساعد على تهدئة العقل، فقط عليك خلال ممارستها أن تركز على اللحظة الراهنة وتوجد في الحاضر كليًّا، فهذا سيساعدك على تصفية ذهنك وتهدئة عقلك، وهو ما يُعرف في الإسلام بالخشوع والتدبّر.
- اليقظة الذهنية وتنميتها: اليقظة الذهنية تعني الانغماس الكامل في ممارسة نشاط ما، بدلًا من الانشغال بأفكارك حول أشياء أخرى. تتضمن اليقظة الذهنية التركيز على شيء واحد، مع إيقاف جميع الأنشطة أو الأفكار الأخرى التي قد تتسابق في الحصول على انتباهك. يُمكنك أن تمارس اليقظة الذهنية من خلال ممارسات بسيطة للغاية مثل تنظيف غرفة، أو ترتيب خزانة، أو طهي وجبة صحية، مع التركيز التام على ما تفعل فقط.
- الانخراط في الكتابة التعبيرية: إذا كان عقلك مليئًا بالأفكار والمشاعر المُرهقة، فقد يكون من المفيد الاستسلام لها والتعبير عنها من خلال الكتابة. تُتيح لك كتابة اليوميات التعمق في الموضوعات التي تُؤرقك وتشغل تفكيرك. هذا التعمق يساعدك على اختبار مشاعرك وفحصها بشكل كامل، وهو ما قد يُساعدك على إيجاد حلول، وتتيح لك الكتابة أيضًا النظر إلى مشكلاتك بطرق مُختلفة. فقط، إذا قررت القيام بهذا سيكون عليك أن تحدد وقتًا مُحددًا حتى لا تغرق في دوامة التفكير المُفرط. وجدت دراسات مُتعددة أن 20 دقيقة هي مدة زمنية فعّالة لإحداث تغيير إيجابي في الحالة العقلية والعاطفية دون الانزلاق إلى دوامة التفكير المُفرط.
- تقليل التشتت: لتنمية السلام الداخلي، نحتاج إلى إيجاد مساحة من الهدوء الذهني، وهو أمر قد يصعب تحقيقه إذا كان العقل دائمًا مشغولًا أو مشتتًا، من الطبيعي أن يجعلنا الانشغال الزائد عن الحد والتشتت عرضة للشعور بالقلق وعدم الرضا. لتقليل التشتت والانشغال، حاول ألا تقع في فخ قضاء فترات راحتك اليومية في استخدام هاتفك المحمول، أو تصفح مواقع التواصل الاجتماعي، أو لعب ألعاب الكمبيوتر، أو مشاهدة التلفزيون. إذا كنت ممن يجدون صعوبة في تنظيم استخدامهم لهذه الوسائط، فحاول تحديد فترة محددة يوميًّا للتعامل مع الأجهزة، أما فترات الراحة والأوقات الفارغة بين المهام المختلفة فعليك أن تجعلها مخصصة فقط لتهدئة عقلك والتأمل.
- التنفس العميق: أثبتت الدراسات أيضًا أن التنفس العميق المُتحكم فيه يُنشط الجهاز العصبي الباراسمبثاوي. كذلك، أكدت الدراسات أنه يمكن للتنفس العميق أن يُقلل من الشعور بالقلق بسرعة ويُعزز الشعور بالهدوء. من خلال أخذ عدة أنفاس عميقة، نبدأ إخبار أجسامنا أننا في أمان، وأنه لا داعي لتفعيل وضعية “القتال/ الهروب”. التنفس العميق يُخبر الأنظمة المفرطة النشاط أنه بإمكانها أن تهدّئ من نشاطها الآن.