لم يكن كتاب «مدرسة أبي» للإماراتي محمد جاسم الريس مشروعاً مخططاً له، بل أتى نتيجة حالة وجدانية صادقة حين شعر الابن بأن الذاكرة لا تكفي لحمل يومياته ومواقفه مع والده الراحل، فراح يفرغها على الورق، ودوّن الكثير من الدروس والعبر في أوراقه التي رأت النور مؤخراً، إذ أطلق الكتاب خلال حفل توقيع في مكتبة محمد بن راشد بدبي، أول من أمس.
على مدى ما يقارب سنتين حوّل الريس كل التدوينات إلى كتاب أشبه بمرآة تعكس العلاقة التي جمعته بوالده، وأيضاً تبرز القيم الإماراتية الأصيلة في قالب بسيط وإنساني عميق، كما تشكلت بين سطور الذكريات دعوة للتأمل في العلاقات الاجتماعية؛ لاسيما التي تجمع الأبناء بالآباء.
التوثيق.. البداية
وحول تحويل الذكريات إلى كتاب «مدرسة أبي»، قال الريس لـ«الإمارات اليوم»: «لست أديباً، ولكن قبل عامين ونيف توفي والدي، ومنذ صغري كنت ألازمه كثيراً سواء في الدراسة والعمل، وكوني كثير السفر، رحت أكتب ذكرياتي خلال رحلاتي، خصوصاً التي تمتد ساعات طويلة في الطائرة، كنوع من التوثيق لي، ولم تكن نيتي وقتها أن تتحول إلى كتاب، ولكن حينما وصل عدد الكلمات إلى ما يقارب 10 آلاف كلمة، قررت توثيقها، لاسيما أنها تحمل دروساً».
وأضاف: «في البدء ترددت، فأنا رجل أعمال ولست بكاتب، ولكنني تواصلت مع دار النشر، وتحولت التدوينات إلى كتاب محمّل بالكثير من المواقف التي لا تغادر الذاكرة».
طريقة في التربية
ويبحث الريس دائماً في زوايا الحنين، فهو مازال إلى اليوم يبحث عن أصدقاء والده، لأنه يحب من يشاركه الحديث عنه، وحينما يكون وحيداً يكتب ليقتل هذا الشعور بالوحدة، وليتحدث إلى نفسه عن والده، مشيراً إلى أنه استرجع في الكتاب الكثير من الدروس التي تعلمها من والده، وكذلك المواقف التي شكلت محطات في حياته.
ورأى أن الكتاب لا يحمل الذكريات فقط، بل يمكن للقارئ أن يتعلم منه الدروس حول العلاقة مع الوالدين، مختصراً شخصية والده بكلمتين، إذ يتسم بكونه يجمع بين «الشدة والرحمة». ووصف طريقته في التربية بالقول: «كان والدي يوفر لنا الحياة الكريمة، وعلى الرغم من أنه كان مقتدراً مالياً، فإنه كان يقول لي: لك أن تكتسب حياة الرفاهية بنفسك، وأنا سأوفر لك الحياة الكريمة فقط».
ونوه بأنه حينما تخرج في الجامعة، وبدأ رحلة العمل مع والده، وظّفه في مستودعات خاصة بشركة استيراد وتصدير، ما أزعجه حينما كان شاباً، ولكنه بعد مرور السنين، أدرك أهمية هذه الخطوة التي قام بها والده، وكيف علمته تفاصيل العمل كافة.
تغيّر النظرة
وعبر الريس عن أن النظرة للآباء تتبدل مع النضوج، وهذا ما سعى إلى توثيقه في الكتاب، موضحاً أن الأبناء تتبدل أفكارهم ونظرتهم للآباء مع التقدم بالعمر، لافتاً إلى أنه يسعى – قدر الإمكان – إلى تربية أبنائه بالأسلوب نفسه ولكن بما يتماشى مع العصر الحالي، مشدداً على أن الدلال الكبير للأبناء ليس جيداً في الصغر، لذا يجب أن تكون التربية متوازنة لإنشاء جيل قوي.
وكشف الريس أنه يعد لكتاب ثانٍ يحمل عنوان «50 سنة و100 دولة»، إذ قرر الكتابة بسبب أسفاره الكثيرة إلى أكثر من 100 دولة، ولكنه لن يتناول جماليات البلدان التي زارها، بل سيختار التي شهدت تحولات جوهرية، لاسيما التي شهدت الكثير من المآسي والتحولات الجذرية فيها.
وإلى جانب ذلك سيتناول تعاطيه مع صالات المطارات التي بات متآلفاً معها، وكذلك معرفته بالشخصيات، والتي تكونت من خلال الأسفار الكثيرة.
وبالإضافة إلى التحولات سيشتمل الكتاب الجديد على تجربة زيارته إلى أحد أخطر الأحياء التي كان فيها بابلو أسكوبار، وهو من أخطر الأحياء في العالم، وشهد عدداً كبيراً من القتلى على مدار 10 سنوات.
وبالحديث عن المدن يتوقف الريس عند دبي بوجه خاص، وما تقدمه من خدمات مميزة جعلت كل من يعيش على أرضها ينتبه إلى الفروق حينما يقارن مع مدن أخرى، وإلى تقدم دبي في شتى المجالات، معتبراً أن الكتابة تحولت من حالة تفريغ إلى حالة توثيقية.
حفل توقيع
نُظم أول من أمس حفل إطلاق «مدرسة أبي» للإماراتي محمد جاسم الريس، وصُحب بندوة خاصة عن الإصدار الجديد في مكتبة محمد بن راشد.
وتناول الريس الأسباب التي دفعته إلى تحويل ذكرياته مع والده إلى كتاب، متطرقاً إلى أبرز المواقف التي جمعته بأبيه، لاسيما التي تركت أثراً في شخصيته حتى يومنا هذا.
واستعرض المؤلف المجال الذي يعمل به وهو مجال السفريات، خصوصاً أن والده – رحمه الله – قد أسس الشركة منذ 50 عاماً، موضحاً أنه رغم تبدل العصر والتطور التكنولوجي فإن هذه الشركات مازالت تعمل بالوتيرة نفسها، لارتباطها بشكل أساسي بمؤسسات.
محمد جاسم الريس:
. أسترجع في الكتاب الكثير من الدروس التي تعلمتها من والدي، وكذلك المواقف التي شكلت محطات في حياتي.
. بعد وفاة أبي بأكثر من سنتين مازلت إلى اليوم أبحث عن أصدقائه، لأنني أحب من يشاركني الحديث عنه.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news