ماثيو سميث، رئيس قسم الطاقة وعلوم الأرض والبنية التحتية والمجتمع في جامعة هيريوت-وات، دبي
في ظل التحولات المستمرة التي تشهدها المدن العالمية، قلّما تجد مكانًا يعكس وتيرة التغيير التي تعكسها دبي. فى وقت سابق كانت دبى ، مركزًا مؤقتًا للمغتربين، لكنها برزت كوجهة طويلة الأمد لأفضل المواهب العالمية. ومع تزايد تشبع قطاع العقارات وتطوره، يجب على المتخصصين إيجاد طرق لتمييز أنفسهم فى ظل تلك المنافسة الشرسة. ومن أبرز السبل للتطور هو العمل على تطوير المهارات الاستراتيجية، وتكييف المعرفة والكفاءات لتلبية متطلبات هذا القطاع المتغيرة.
كان قطاع العقارات قطاعًا يعتمد على المطورين، وكان يقوم المهنيين فى القطاع على زيادة خبراتهم والتعلم أثناء القيام بعملهم. غالبًا ما يعتمد المهنيون، سواءً كانوا قادمين من خلفيات مالية أو مصرفية أو تجارية، على الخبرة العملية لخوض هذا المجال. ومع ذلك، لم يعد هذا القطاع مجالًا يكفي فيه التعلم من خلال الممارسة. فمع المنافسة الشديدة، وتنافس الآلاف على عدد محدود من الأدوار الوظيفية، والتركيز المتزايد على التكنولوجيا والتنظيم، يجب على المهنيين أن يكونوا أكثر حرصًا على اكتساب مهارات ومؤهلات جديدة.
سوق مزدحم يحتاج إلى عوامل تميز:
شهدت سنوات ما بعد الجائحة تدفقًا غير مسبوق للمهنيين العالميين إلى الإمارات العربية المتحدة. وبفضل سياسات التأشيرات التقدمية، والتنوع الاقتصادي، وسمعتها في مجال الابتكار، أصبحت دبي نقطة جذب للأفراد الباحثين عن فرص ونمو طويل الأجل. لم يعد من الغريب سماع خبر انتقال مهنيين من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وآسيا وأوروبا إلى المنطقة. ويقارن الكثيرون جودة الحياة وبيئة العمل هنا بشكل إيجابي مع مدن مثل نيويورك أو لندن. لكن هذا التدفق خلق تحديًا: كيف يمكن للمرء أن يتميّز في سوق عمل عالميّ وتنافسيّ كهذا؟ لم تعد الخبرة كافية. بات على المهنيين الآن إثبات خبرتهم من خلال المؤهلات الأكاديمية والشهادات والمعرفة المتخصصة. كما يبحث أصحاب العمل بشكل متزايد عن الكفاءات ذات المهارات الحديثة والموثوقة، لا سيما في مجالات مثل إدارة المشاريع والاستدامة والمالية والتكنولوجيا.
التعليم كخطوة استراتيجية
لم يعد تحسين المهارات ترفًا، بل أصبح ضرورة. سواءً كان ذلك برنامج ماجستير أو شهادة مهنية قصيرة الأجل، يُعدّ التعليم الإضافي الآن استراتيجيةً أساسيةً لمن يتطلعون إلى التقدم أو تعميق خبراتهم. يتجه المهنيون في كثير من الحالات وفي منتصف مسيرتهم المهنية إلى خيارات الدراسة بدوام جزئي التي تتيح لهم مواصلة العمل مع تعزيز مهاراتهم. انتشر هذا التوجه بشكل كبير في جامعات دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث يعمل معظم الطلاب المسجلين في برامج الدراسات العليا في العقارات أو الإنشاءات كمحترفين. إنهم ليسوا أكاديميين طموحين، بل مشاركين نشطين في قطاع العقارات يسعون إلى صقل مهاراتهم. بالنسبة للبعض، يتعلق هذا التعليم بتغيير مسارهم المهني من التمويل إلى التطوير العقاري. وبالنسبة للآخرين، فهو وسيلة للنمو فى وظائفهم أو شركاتهم الحالية. في كلتا الحالتين، الهدف واضح: أن يصبحوا خبراء في مجال تخصصهم وأن يُعترف بهم في هذا المجال.
نمو التكنولوجيا العقارية والعقارات القائمة على البيانات
لم يعد دور التكنولوجيا في العقارات هامشيًا، بل أصبح محوريًا. يشهد القطاع تحولًا تكنولوجيًا من التوائم الرقمية والمباني الذكية إلى المعاملات المدعومة بتقنية البلوك تشين والتحليلات المدعومة بالذكاء الاصطناعي، مما يخلق طلبًا متزايدًا على المهارات والمتخصصين القادرين على التعامل مع البيانات الضخمة، وفهم أطر المدن الذكية، أو دمج حلول التكنولوجيا المالية في تطوير العقارات. ويخلق هذا التقارب بين التكنولوجيا والممارسات العقارية التقليدية نوعًا جديدًا من المهنيين، يتمتعون بروح المبادرة في الإجتماعات المتعلقة بتفاصيل البناء والأدوات التكنولوجية على حدٍ سواء. وتستجيب مؤسسات التعليم العالي لهذا التوجه من خلال تصميم برامج تجمع بين أساسيات العقارات والكفاءة التقنية. وتتضمن برامج تمويل العقارات، وتحليلات البناء، والتنمية المستدامة وحدات دراسية حول الأدوات الرقمية، وتفسير البيانات، وأطر الابتكار بشكل متزايد.
قيمة التقدير والسمعة
يُعدّ بناء هوية مهنية مرموقة وذات مصداقية ومعرفة وتطلع إلى المستقبل أمرًا بالغ الأهمية في هذا العصر الجديد. فالمهارات، المدعومة بمؤهلات معترف بها، تُسهم في بناء تلك الهوية. فهي تُشير إلى أصحاب العمل والعملاء والزملاء بأنك لا تُواكب التطور في هذا المجال فحسب، بل تُمهد الطريق أيضًا. ويكتسب هذا أهمية خاصة في دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث يُواصل التوسع العمراني السريع، ومتطلبات الاستدامة، والمبادرات الحكومية إعادة تشكيل القطاع. ومع نمو سوق العقارات من حيث الحجم والتعقيد، تزداد الحاجة إلى المواهب المؤهلة. وإلى جانب الشهادات، يجب على المهنيين أيضًا إيجاد طرق لعرض أعمالهم من خلال فرص التحدث، أو المساهمات البحثية، أو الريادة الفكرية. فالهدف ليس التوظيف فحسب، بل التأثير أيضًا.
مع تطور قطاع العقارات، يجب على من يُحركه أن يُطوروه. تحتاج مدن المستقبل إلى مهنيين يتمتعون بالمرونة والعلم والمعرفة والخبرة التقنية. في قطاع يُشكل آفاق المستقبل ويُحدد أنماط الحياة، فإن الثبات على النهج ليس خيارًا. بالنسبة لمحترفي العقارات، لم يعد تطوير المهارات عملية دورية، بل رحلة مستمرة. سواء كنت مطورًا متمرسًا، أو مصرفيًا يتطلع إلى تغيير، أو خريجًا جديدًا يدخل هذا المجال، فالرسالة واحدة: لبناء مسيرة مهنية هادفة ومستقبلية، عليك أولًا الاستثمار في بناء نفسك.