مع التزايد السكاني السريع، والتغيرات المناخية، وارتفاع منسوب البحار، بات البحث عن حلول مستقبلية للحياة البشرية أمرًا ملحًا. إحدى هذه الحلول التي بدأت تتحول من مجرد رؤى مستقبلية إلى واقع ملموس هي “المدن الذكية العائمة” – تجمعات حضرية مصممة لتطفو فوق سطح المياه، وتوفر حياة مستدامة ومستقلة، بعيدًا عن القيود التقليدية للأراضي اليابسة.
فما أهمية تطبيق هذا المشروع بدول العالم؟ وهل سيساهم في حماية الأبنية من الغرق؟
- يقوم مهندسون عالميون بعمليات بحث واختبارات تجريبية فوق أمواج المياه لإنشاء أبنية خشبية قادرة على مواجهة المياه والصمود أمام تغيرات المناخ.
- الهدف من هذا المشروع بحسب خبراء هو إيجاد حل نهائي للمدن المعرضة لخطر الغرق.
- ويتكون المشروع من جدران خشبية تساعد في إبعاد المياه، ورفع المنزل على ركائز متينة.
- وأكد الخبراء أن هذه الفكرة طبقت سابقا تحت اسم مشروع ماكوكو ونجحت في مواجهة فيضانات مدمرة في أمستردام ولاغوس.
- وماكوكو تُعد منطقة مركزية في لاغوس، بنيجيريا، حيث يعيش آلاف الناس على هياكل خشبية عشوائية قائمة على ركائز متينة في البحيرة.
وفي ظل خطر قد يطال نحو تسعمائة مليون شخص تقريبًا يعيشون في المناطق الساحلية المنخفضة، قد تتجه حكومات إلى اعتماد هذه الفكرة. وهو ما يرجح زيادة كبيرة في المدن العائمة كملاذ أخير في مواجهة ذوبان الثلوج.

في هذا التقرير الصادر عن بزنس نيوز بالتعاون مع الذكاء الاصطناعي، نسلّط الضوء على مشاريع المدن العائمة حول العالم، وما تمثّله من نقلة حضارية في التفكير الحضري والتخطيط المستدام.
أحد أكثر المشاريع إثارة في هذا السياق هو مشروع “Oceanix City”، الذي تم الإعلان عنه رسميًا في عام 2019 بالتعاون بين الأمم المتحدة، حكومة كوريا الجنوبية، وشركة Oceanix. يُعد المشروع أول نموذج مدينة عائمة مستدامة على الإطلاق، حيث يتم بناؤه قبالة سواحل مدينة بوسان الكورية، ومن المتوقع أن يحتضن عند اكتماله نحو 12,000 نسمة. تم تصميم المدينة لتكون قابلة للتوسّع إلى أكثر من 100,000 شخص في المستقبل، وهي مبنية من منصات سداسية الشكل تطفو فوق سطح الماء، مربوطة ببعضها عبر جسور قابلة للفصل، ما يتيح تكوين أحياء صغيرة متكاملة من حيث الخدمات والبنية التحتية.
الهدف من Oceanix City ليس فقط توفير مساحة جديدة للسكن، بل اختبار نموذج جديد كليًا للعيش المستدام. إذ تتميز المدينة العائمة بالاكتفاء الذاتي في مجالات الغذاء، والمياه، والطاقة. يتم توليد الطاقة بالكامل من مصادر متجددة مثل الألواح الشمسية المثبتة فوق المباني والأسطح، بالإضافة إلى توربينات الرياح، وتقنيات تحويل طاقة الأمواج. كما تم اعتماد نظام ذكي لإدارة المياه، حيث تتم معالجة مياه البحر وتحليتها باستخدام الطاقة الشمسية لتوفير مياه شرب نظيفة، بينما تتم إعادة تدوير المياه الرمادية والسوداء عبر وحدات تنقية بيئية متطورة.
أما في ما يتعلق بالتخلص من الفضلات، فتعتمد المدينة على أنظمة مغلقة تحول النفايات العضوية إلى سماد يُستخدم في الزراعة الحضرية، في حين تُضغط النفايات غير القابلة للتحلل وتُجمع في وحدات خاصة لإعادة التدوير أو التصدير. وتُزرع الأسطح والمساحات العامة بالخضروات والفواكه، مما يقلل من الاعتماد على سلاسل التوريد الطويلة ويُحقق الأمن الغذائي المحلي.
لكن لماذا الانتقال إلى البحر أساسًا؟ السبب الرئيسي يتمثل في أن المدن الساحلية الكبرى – التي تضم نحو 40% من سكان العالم – تواجه خطر الغرق بفعل ارتفاع مستويات البحار الناجم عن الاحتباس الحراري. ومع ضيق الأراضي المتاحة، تصبح البحار خيارًا منطقيًا للنمو الحضري، خاصة مع تطور تقنيات البناء العائم والذكاء الصناعي الذي يدير البنية التحتية بكفاءة.
ليست Oceanix وحدها في هذا الاتجاه. في هولندا، طوّرت شركة “Blue21” مشروع “Floating Pavilion” في روتردام – مبنى متعدد الاستخدامات يطفو فوق المياه ويُستخدم كنموذج لاختبار التقنيات البيئية العائمة. وفي جزر المالديف، تَعاونت الحكومة مع شركة “Dutch Docklands” لتطوير أول حي سكني عائم مقاوم للتغيّرات المناخية، يضم فللًا فاخرة ومدارس ومحال تجارية، وجميعها مبنية فوق وحدات خرسانية طافية قابلة للحركة.
هذه المدن العائمة ليست فقط حلاً بيئيًا، بل تشكل أيضًا مختبرًا لاختبار نماذج جديدة للحكم الذاتي والحوكمة الذكية. إذ يُدار كل حي في Oceanix بواسطة نظام رقمي ذكي يُراقب استهلاك الموارد، مستويات الضوضاء، جودة الهواء، ودرجة الأمان. كل مواطن سيكون لديه بطاقة ذكية تتيح له الوصول إلى الخدمات دون أوراق أو بيروقراطية.
تُراهن الأمم المتحدة على هذه النماذج ليس فقط لحل أزمات السكن، بل لمواجهة التحديات المرتبطة بالتغير المناخي، وتوفير حلول مرنة وقابلة للتكرار في دول الجزر النامية والمناطق المنخفضة حول العالم. ومع توقع أن يصبح نصف سكان العالم يعيشون في مناطق مهددة بالفيضانات بحلول عام 2050، قد لا يكون الانتقال من اليابسة إلى البحر خيارًا، بل ضرورة.
في النهاية، تشكل المدن العائمة الذكية دمجًا مبتكرًا بين التكنولوجيا، الهندسة، والحلم الإنساني القديم ببناء “يوتوبيا” مثالية. وقد تكون Oceanix City أول خطوة في مسار طويل ننتقل فيه من الأرض إلى البحر – ليس فقط للنجاة، بل لنبدأ فصلًا جديدًا من الحضارة.
تقارير بزنس نيوز بالتعاون مع الذكاء الاصطناعي