إماراتية تحلم بنشر «اللون الأخضر» في كل بيوت الوطن.. ولو بنبتة واحدة

في عالم يتسارع فيه إيقاع الحياة اليومية وتزداد الضغوط والمسؤوليات، اختارت خبيرة الزراعة، الإماراتية إيمان المري، العودة إلى سحر الطبيعة وألق الأرض والنباتات، لتحول شغف طفولتها السعيدة إلى مشروع مُلهِم يُرسّخ مفهوم الزراعة كأسلوب حياة.

وبدءاً من مراقبة والدتها في حديقة البيت، ووصولاً إلى تأسيس مشروعها البيئي المستقل، أيقنت إيمان بأن الزراعة ليست رفاهية، بل هي مصدر للسكينة النفسية، ووسيلة لبناء وعي مجتمعي بالاكتفاء الذاتي والاستدامة، كما نجحت في نشر رسالتها التعليمية بين الكبار والصغار، مقدمة عشرات الورش التي تشرح كيف يمكن لزراعة نبتة واحدة أن تفتح أبواباً للمعرفة والتوازن النفسي.

البدايات

وتوقفت إيمان المري، في مستهل حوارها مع «الإمارات اليوم»، عند بدايات شغفها وتعلقها بالزراعة العضوية منذ مراحل الطفولة المبكرة ومشاهدتها لـ«ست الحبايب»، قائلة: «كنت أراقب والدتي دائماً وهي تهتم بمزرعتها في البيت، ورغم أن البعض يرى أن هذه الأشياء بسيطة فإنها تركت أثراً كبيراً في نفسي، خصوصاً أن الزراعة كانت جزءاً مهماً من تفاصيل حياتنا اليومية في المنزل، وهذا ما فتح أمامي فرصة الاستكشاف ومحبة النباتات والأرض، وزرع في نفسي الطمأنينة والراحة».

وأضافت: «أعتقد أن هذه الذكريات الجميلة من طفولتي هي التي دفعتني مستقبلاً لأن أختار لاحقاً الزراعة كمجال للتخصص والعمل، ومن ثم مشاركة الآخرين هذه التجربة الإنسانية الغامرة والمثرية للمجتمع».

تحديات المشوار

وحول التحديات التي استطاعت تجاوزها للاستمرار في مشوراها المهني، أكّدت الخبيرة إيمان أن الطريق لم يكن سهلاً كما يعتقد البعض، إذ تعلمت من مختلف تجارب وعثرات البدايات، وشرحت: «لاشك أن نظرة البعض إلى الزراعة كانت من أكبر التحديات، إذ يعدّها البعض إما عملاً بسيطاً وإما جهداً ينهض به المتخصصون فيه، لكنني مع ذلك، استطعت المضي قدماً في هذا المجال ومواجهة تحدٍ حقيقي ثانٍ، وهو التوفيق بين مسؤوليتي كأم نحو أطفالي من جهة، وشغفي بالورش والعمل الميداني من جهة أخرى، خصوصاً أنني بدأت وحدي من دون الاستعانة بفريق عمل أو مساعدين، وهذه التجربة علمتني القوة والتوازن وقيمة الشغف الصادق الذي يمكن أن يفتح أبواباً غير متوقعة من النجاح والتميّز».

أسلوب حياة

مع إصرارها على تشجيع أفراد المجتمع على تأسيس مزارعهم المنزلية، وتحقيق الاكتفاء الذاتي من المحاصيل العضوية الخالية من المواد الكيميائية، نجحت إيمان المري في الانتقال من مرحلة الهواية إلى تأسيس مشروع متكامل في المجال، اختارت له اسم (Plant with Amy)، لافتة إلى أن هذه الخطوة بدأت كشغف شخصي، وقالت: «اعتمدت على نفسي في بداية الأمر، وكنت أقوم بتصوير تجاربي الصغيرة ومشاركتها عبر منصة (إنستغرام) مع مجموعة من الصديقات، إلا أنني لاحظت بعد فترة وجيزة وجود فئة جديدة من المتابعين كشفت عن رغبتها في تعلم أصول ومبادئ الزراعة المنزلية، لكنها لا تتقن كيفية الانطلاق ولا الخطوات الأولية الواجب اتباعها، وقتها بدأت أقدم مقاطع تشرح هذه الخطوات بشكل مبسط من خلال ورش تعليمية سعيت من خلالها إلى التركيز بشكل أساسي على تمكين أهل كل منزل في الإمارات، من زراعة ولو نبتة واحدة في حديقتهم الشخصية، وذلك، من منطلق حرصي على بث رسالة مجتمعية هادفة، تتلخص في أن الزراعة العضوية ليست فقط منتجات، وإنما يمكن أن تكون أسلوب حياة لأجيالنا اليوم ولأجيال المستقبل من بعدنا».

حماسة ورؤية هادفة

وحول تجربة تقديم الورش العلمية والنظرية أسبوعياً، والانطباعات التي تتركها لدى متابعيها، أكّدت إيمان أن المتعة الحقيقية تتجسّد بالنسبة لها في اكتشاف الأطفال والكبار للمرة الأولى على حد سواء، كيفية زراعة أول نبتة وطرق التمييز بين أنواع التربة، وصولاً إلى فهم طبيعة الأرض وأنواعها في الإمارات، وآليات تحسين جودتها، لتحقيق أفضل النتائج، إذ قدمت عشرات الورش في المدارس والحدائق والمعارض، ورغم اختلاف جمهورها ومضمونها فإنها تتفق على حماسة جميع حضورها للعمل وتأسيس حدائقهم المنزلية، وهذا ما يسعدها على الدوام، وفق تعبيرها.

ونوهت باعتمادها المنهج العلمي في مجال العمل على تحسين التربة، وتعزيز خصوبتها عبر تنمية وتغذية الكائنات الدقيقة، وتابعت: «لأنني شغوفة في هذا المجال، أؤمن تماماً بأن الزراعة تبدأ من التربة نفسها، لذا سعيت إلى دراسة الكائنات الدقيقة، وعمدت إلى تجريب الطرق الطبيعية المعروفة لتنشيطها، ولاحظت مع مرور الوقت، الفرق الشاسع في آلية نمو النباتات وصحتها من دون مواد كيميائية، وساعدني هذا المنهج في الوصول إلى نتيجة محققة، وهي أن التربة الحية، أساس الزراعة الناجحة».

وحول أهم النصائح التي يمكن أن تقدمها للمبتدئين في مجال الزراعة المنزلية، نصحت إيمان المري بأهمية البدء بزراعة نباتات لا تتطلب جهداً مضاعفاً وتركيزاً عالياً من ناحية العناية والاهتمام، وعدم النظر إلى المساحات المخصصة للزراعة للبدء بهذه الخطوات، موضحة أنه «يمكن أن نبدأ بنبتة واحدة لفهم احتياجاتها، والاقتناع أن الزراعة ليست عملية معقدة، بل تحتاج إلى اهتمام ومعرفة بأنه عندما يقوم الأفراد بالزراعة لأنفسهم، فإنهم يسهمون بطريقة مباشرة في حماية صحتهم وصحة عائلاتهم من ناحية، وخدمة أهداف الاستدامة التي تسعى إليها دولتنا من ناحية أخرى».


تعب له مذاق آخر

لفتت الخبيرة، إيمان المري، إلى الأثر النفسي الإيجابي للزراعة، معتبرة أن الأمر وجداني بالدرجة الأولى، وقالت: «في زحمة الحياة اليومية ومشاغل العمل والالتزامات المتعددة، يمكن أن تُقدم الزراعة كهوية وممارسة يومية نوعاً من التواصل مع الحياة، ففي فترة معينة من مشواري الإنساني، كنت بحاجة فعلية إلى نوع من الهدوء والسكينة، وهذا ما نجحت الزراعة في تقديمه لي، فحتى التعب والجهد المبذولان في هذا الإطار، يمكن أن يكون لهما مذاق آخر يختلف عن ممارسة أي نشاطات أو هوايات أخرى».

وفي إطار سعيها إلى نشر ثقافة الاكتفاء الذاتي في بيوت الوطن من خلال الزراعة المستدامة، وصفت مستقبل الزراعة المنزلية في الإمارات بالواعد في ظل وجود دعم حكومي واضح وملموس للرؤية البيئية والاستدامة، وذلك من خلال العديد من المبادرات والموارد المتاحة، مضيفة: «ينقصنا في بعض الأحيان الوعي والرغبة في خوض غمار هذه النوعية من التجارب، لأن المرء عندما يبدأ بالزراعة، يكتشف الكثير من الجوانب والنواحي المفيدة والممتعة، خصوصاً أننا لن نحتاج إلى مساحات كبيرة، بل البدء بنبات واحد نقوم بزراعته في شرفاتنا أو في زوايا منازلنا العامرة».

إيمان المري:

. في طفولتي كنت أراقب والــدتي دائمـاً وهي تهتم بمزرعتها في البيت، ما فتح أمامي فرصة الاستكشاف ومحبة النباتات والأرض.

. الزراعة ليست عملية معقدة، بل تحتاج إلى اهتمام ومعرفة، ونحن نسهم في ذلك بحماية صحة عائلاتنا وخدمة أهداف الاستدامة.

Google Newsstand

تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news

Share


تويتر


عن ثراء زعموم

Check Also

«مدرسة أبي» في ضيافة مكتبة محمد بن راشد

تستضيف مكتبة محمد بن راشد بمنطقة الجداف في دبي، بعد غدٍ، إطلاق كتاب «مدرسة أبي» …

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *