اخبار عاجلة

الروبوت بديل الإنسان في مواقع البناء: حقيقة أم خيال؟

في عصر يتسم بالتطور التكنولوجي السريع، يشهد قطاع البناء تحولًا جذريًا تقوده الروبوتات وأنظمة الذكاء الاصطناعي، حيث باتت هذه التقنيات الحديثة تغير وجه الصناعة بشكل لم يكن متوقعًا قبل سنوات قليلة. المهام التي كانت تتطلب جهدًا بشريًا مضنيًا ووقتًا طويلًا، أصبحت تُنفذ اليوم بدقة متناهية وبسرعة فائقة من خلال أذرع آلية ذكية، تحاكي مهارات الإنسان بل وتتفوق عليها في كثير من الحالات.

لم يعد استخدام الروبوتات محصورًا في الأعمال البسيطة مثل نقل المواد أو الحفر، بل امتد ليشمل مجموعة واسعة من العمليات المعقدة التي تتطلب دقة عالية، مثل صب الخرسانة، تركيب الهياكل المعدنية، التثبيت، الطلاء، واللحام في بيئات خطرة ومرتفعة، حيث تكون سلامة العاملين مهددة. ففي الولايات المتحدة، نجحت شركة “Built Robotics” في تطوير أنظمة ذاتية القيادة لمعدات الحفر، ما جعل من الممكن تنفيذ أعمال الحفر بشكل آلي تام، مخفضةً بذلك الاعتماد على العنصر البشري في المواقع الخطرة، ومنخفضةً التكاليف التشغيلية بشكل ملحوظ يصل إلى حوالي 30%.

وعلى الجانب الآخر من العالم، وبالتحديد في أستراليا، برز مشروع “Hadrian X” الذي أطلقته شركة “Fastbrick Robotics”، وهو روبوت قادر على بناء جدران منزل كامل خلال 48 ساعة فقط. يعتمد هذا النظام على تقنيات الذكاء الاصطناعي ونظام توجيه ليزري فائق الدقة، ما يقلل من نسبة الأخطاء البشرية إلى أدنى حد ممكن. هذا النوع من الابتكار يفتح آفاقًا جديدة لصناعة البناء، ويعيد تعريف مفاهيم الجودة والكفاءة.

وفي اليابان، البلد الذي يُعرف بتبنيه المبكر للتقنيات الحديثة، تستخدم الروبوتات في مشاريع ناطحات السحاب لتسريع وتيرة البناء، حيث استطاعت خفض مدة التنفيذ بنسبة تصل إلى 40% دون الاستغناء عن المشرفين والمهندسين البشر، الذين ما زالوا يضطلعون بدور مراقبة وتطوير أداء الأنظمة الآلية.

الفوائد التي تجنيها صناعة البناء من هذه التكنولوجيا لا تقتصر على مجرد تسريع وتيرة العمل، بل تشمل أيضًا تقليل التكاليف بشكل عام عبر خفض الحاجة إلى العمالة البشرية المكلفة وتقليل الهدر في المواد الخام، فضلاً عن تحسين معايير السلامة المهنية وتقليل الإصابات التي كانت شائعة في بيئات العمل الخطرة. إن الروبوتات لا تشعر بالإرهاق ولا تتأثر بالظروف البيئية الصعبة، مما يجعلها الخيار الأمثل لتنفيذ المهام التي كانت سابقًا تشكل تحديات كبيرة للبشر.

على صعيد الدول العربية، تتصدر المملكة العربية السعودية والإمارات المشهد في تبني هذه التقنيات الحديثة. ففي السعودية، ومع رؤية 2030 التي تسعى إلى تطوير اقتصاد متنوع ومستدام، تم إطلاق مشاريع ضخمة مثل “ذا لاين” في نيوم، حيث من المتوقع أن يعتمد البناء في هذا المشروع شبه بالكامل على الأتمتة والروبوتات، ما يضمن جودة وكفاءة عالية مع الحفاظ على معايير الاستدامة. كذلك في دبي، الإمارات، شهدنا استخدام تقنيات الطباعة الثلاثية الأبعاد والروبوتات الذكية التي تبني بسرعة فائقة، وتوفر التكاليف والموارد، مما يؤكد مكانة الإمارة كمركز إقليمي لريادة الابتكار في القطاع العقاري.

لكن هذه الثورة التقنية ليست خالية من التحديات. فتكلفة الاستثمار الأولي في الأنظمة المتقدمة لا تزال مرتفعة، مما يمثل عقبة أمام الشركات الصغيرة والدول ذات الميزانيات المحدودة. كما أن نقص البنية التحتية الرقمية المتطورة في بعض المناطق يُعيق التكامل الفعال لهذه التقنيات. بالإضافة إلى ذلك، يواجه قطاع البناء مقاومة مجتمعية من بعض العمال التقليديين الذين يخشون أن يؤدي الاعتماد على الروبوتات إلى فقدان وظائفهم. هذا يتطلب من الحكومات والشركات إطلاق برامج تدريب وتأهيل لإعادة دمج هذه الفئات في سوق العمل، ولكن ضمن أدوار تقنية متطورة مثل صيانة وتشغيل هذه الأنظمة الذكية.

على الجانب القانوني والتنظيمي، تحتاج الكثير من الدول إلى تحديث قوانينها وتبني أطر تنظيمية تواكب هذه التقنيات لضمان سلامة العمل وحماية حقوق الأطراف المختلفة في صناعة البناء.

في النهاية، لا يمكن اعتبار الروبوتات بديلًا كاملاً للعنصر البشري في قطاع البناء، بل هي شريك جديد يعزز من كفاءة الإنتاج ويخفف من العبء على الإنسان. فالإنسان يظل محور العملية من خلال برمجة الروبوتات، مراقبة أدائها، وتطوير تقنياتها. ويشهد العالم أمثلة عديدة حيث يستمر المهندسون والمشرفون في أداء دورهم الأساسي مع دعم الذكاء الاصطناعي والروبوتات، ما يؤدي إلى بيئة عمل متكاملة ومتطورة.

بالتالي، يشكل هذا التوازن بين الإنسان والآلة مستقبل البناء، حيث يُمكن للتكنولوجيا أن تعزز من قدرات العامل البشري، وليس أن تحل محله، لتكون هناك صناعة بناء أكثر أمانًا، سرعة، ودقة. الدول التي تتبنى هذا النهج وتستثمر في تطوير مهارات القوى العاملة لتحقيق هذا التوازن، ستقود قطاع البناء المستقبلي، وستضمن لنفسها مكانة ريادية في السوق العقاري العالمي.

عن آمنة البوعناني

Check Also

العقارات الفاخرة في دبي تحقق نمواً قياسياً بنسبة 62.7% في الصفقات التي تتخطى قيمتها 10 ملايين درهم في النصف الأول من 2025

التقرير كشف أن دبي تواصل جذب المستثمرين والأفراد ذوي الملاءات المالية العالية، مما يعزز مكانتها …

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *