حاصرت فواجع نقل العاملات والعمال الزراعيين المتكررة، اليوم الثلاثاء، وزير النقل واللوجستيك عبد الصمد القيوح، بمجلس المستشارين، وذلك بعد استحضار عدد من الحوادث التي خلفت ضحايا، بسبب انعدام شروط السلامة وكذا الظروف غير الإنسانية التي تتم فيها عملية النقل، ما فجر مطالب برلمانية بضرورة تعزيز حماية هذه الفئة.
ودق المستشار البرلماني لحسن نازهي، منسق مجموعة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، في تعقيبه خلال جلسة الأسئلة الشفهية بمجلس المستشارين، ناقوس الخطر، مثيرا ما اعتبر أنها “واحدة من أبشع مظاهر الحيف الاجتماعي التي تطال فئة واسعة من العاملات والعمال الزراعين ببلادنا، وملفا مأساويا يتكرر، ويتعلق بظروف نقلهم في مختلف مناطق المغرب، خاصة في الأحواض الفلاحية الكبرى بسوس، الغرب، دكالة، واللوكوس”.
وأشار نازهي إلى أنه “رغم ما تم الترويج له في الخطاب الحكومي من التزام بتحسين أوضاع العمل في القطاع الفلاحي، فإن هناك حالات واقعية توثق هذا الوضع المرفوض”، مستحضرا أنه “في سنة 2025، ومنذ بدايتها، سجلنا ما لا يقل عن خمس حوادث خطيرة، أبرزها: حادثة 17 فبراير ببيوكرى (5 عاملات مصابات)؛ حادثة 14 و18 مارس بآيت عميرة (إصابات متفاوتة لعشرات العمال)؛ حادثة 23 يونيو بجماعة سيدي بوسحاب، والتي أسفرت عن إصابة 19 شخصًا، بينهم حالة حرجة؛ ثم حادثة 27 يونيو بالفقيه بنصالح (11 مصابًا)”.
واعتبر نازهي أن كل هذه الوقائع تؤكد وجود نمط من الاستهتار بأرواح العمال، عبر: “استخدام مركبات مخصصة للبضائع (ترانزيت، بيكوب) بدل حافلات مؤمنة ومهيأة”، مسجلا ما تعرفه من اكتظاظ غير إنساني داخل وسائل النقل، وغياب تأمينات ضد الحوادث؛ واستغلال مقاولات المناولة التي تتنصل من المسؤولية القانونية مع تغاضي مفتشية الشغل عن مراقبة هذا القطاع بسبب ضعف الإمكانيات أو ضغوطات أرباب الضيعات الكبرى، إضافة إلى غياب أي إطار تشريعي ينظم نقل اليد العاملة الفلاحية.
وخاطب المستشار نفسه وزير النقل قائلا: “كيف يمكن للحكومة أن تتحدث عن الجيل الأخضر والعدالة المجالية وتسمح باستمرار هذا النقل للعنصر البشري؟ وكيف تُقبل حكومة على صرف مليارات على دعم الإنتاج والتصدير، وتغض الطرف عن ظروف نقل أولئك الذين يُنتجون ويُصدّرون؟”، مؤكدا ضرورة “ربط الدعم العمومي الفلاحي باحترام شروط العمل اللائق، وعلى رأسها النقل”.
وشدد نازهي “نحن أمام فراغ قانوني صارخ، إذ لا يتضمن قانون النقل أي مقتضى صريح يفرض شروطًا خاصة بنقل العمال الزراعيين، أمام المعاناة الجماعية المتكررة لهذه الفئة”، مبرزا أن استمرار هذه اللامبالاة “وصمة عار في جبين السياسات العمومية، ومؤشر واضح على اختلال مفهوم التنمية في شقها الاجتماعي”.
وأورد المستشار أن “العاملات والعمال الزراعيين ليسوا مجرد أرقام إنتاج، بل مواطنون لهم كرامة يجب صونها، وحياة يجب حمايتها”، مضيفا أن “السكوت عند هذه الممارسات لم يعد ممكنا، لأن كرامة العامل والعاملة الفلاحية ليست موضوع صدقة أو إحسان، بل حق دستوري وقانوني يجب أن يضمن ويحاسب عليه من يخرقه”.
وأفاد وزير النقل واللوجستيك أن “هذه الظاهرة ليست جديدة”، مؤكدا أن وزارة النقل واللوجستيك مقيدة بموجب القانون رقم 52.05 المتعلق بمدونة السير على الطرق، مشيرا إلى أن سائر المهن يكون فيها النقل إما مضمونا من طرف أرباب المعامل أو المصانع أو الضيعات أو غيرها، أو يكون النقل لحساب الغير.
وأفاد قيوح أنه يتم الاشتغال بجدية مع وزارة الفلاحة، وتم عقد اجتماعات على مستوى عدة جهات مع الولاة والعمال، في المناطق التي تعرف هذه الإشكاليات، للبحث عن ضمان نقل يتماشى مع المتطلبات، مبرزا أن ذلك يتطلب استثمارات.
وقال قيوح، ضمن جوابه، إن ممارسة نشاط النقل العمومي مؤطر وخاضع لضوابط وشروط محددة بموجب نصوص قانونية وتنظيمية جاري بها العمل، مفيدا أنه يروم توفير عرض لائق بمختلف أنواعها يلبي حاجيات النقل ويراعي ضمان شروط الراحة والسلامة.
وأكد الوزير أن معالجة إشكاليات نقل العاملات والعمال الفلاحيين باعتباره نقل جماعي للأشخاص يمكن أن يتم بواسطة النقل العمومي الجماعي للأشخاص أو نقل المستخدمين للحساب الخاص أو نقل المستخدمين لحساب الغير، مشيرا إلى أن الترسانة القانونية المنظمة لهذه الخدمات ببلادنا تشكل إطارا ملائما لنقل هذه الفئة مما يراعي خصوصيتها الاجتماعية ويضمن كرامتها وسلامتها خلال النقل.
وأشار قيوح إلى أن هذه المركبات تخضع، على غرار جميع المركبات الخاضعة للتسجيل والمخصصة للنقل الجماعي للأشخاص، لعملية المراقبة التقنية كل 6 أشهر بهدف التحقق من أنها في حالة جيدة للسير ولا يشوبها أي عيب أو خلل ميكانيكي وأن أجهزة سلامتها تشتغل بصفة عادية ومزودة باللوازم الضرورية، وتستجيب للشروط المنصوص عليها 52.05 المتعلق بمدونة السير ونصوصه التطبيقية.