عادت من جديد التصريحات “النارية” التي يطلقها بعض قادة الأحزاب السياسية المغربية إلى واجهة الجدل العمومي، لا سيما تلك الصادرة عن قيادات من المعارضة، والتي تميزت هذه المرة بتبادل الاتهامات بين الأطراف السياسية نفسها، وأحياناً باتهام وسائل إعلامية بخدمة “أجندات خفية”، في مشهد يعكس ارتفاع منسوب التوتر داخل الحقل السياسي الوطني.
ورغم أن هذه التصريحات يُفترض أن تعبّر عن مواقف سياسية “مشروعة” بحسب البعض، إلا أن تصاعد حدتها وابتعادها أحياناً عن القضايا الجوهرية للمواطنين، جعلها في مرمى انتقادات متجددة من طرف البعض الآخر، الذين يرون أن هذه اللغة السياسية تُكرّس مناخاً شعبوياً قد يسيء إلى صورة الفعل الحزبي، ويزيد من تآكل الثقة بين النخب والمؤسسات التمثيلية.
وتعيد هذه التجاذبات إلى الواجهة تساؤلات قديمة جديدة حول أثر الخطاب الشعبوي على المشاركة السياسية، خاصة لدى فئة الشباب، الذين يشكلون الكتلة الأكبر عدداً، لكنهم الأقل إقبالاً على صناديق الاقتراع، في ظل شعور متزايد باللاجدوى من الانخراط السياسي، ومشهد مشحون بالصراعات الكلامية بدل النقاشات البرامجية الجادة.
الباحث في العلوم السياسية، عبد العالي سرحان، يرى أن تفشي الخطاب الشعبوي داخل الأحزاب، سواء في الأغلبية أو المعارضة، يجعل الشباب ينظرون إلى المشهد السياسي كمجال للصراع اللفظي وليس كمنصة لحل مشكلاتهم اليومية، مشيراً إلى أن استمرار هذه اللغة من شأنه أن يُعمّق فجوة العزوف السياسي ويُقوّي الشعور بالاغتراب المؤسساتي.
وأوضح سرحان، في تصريح لجريدة “مدار21” الإلكترونية، أن الشعبوية السياسية في المغرب غالباً ما تأتي على حساب النقاشات الرصينة التي تحتاجها الديمقراطية الناشئة، مضيفاً أن المزايدات الإعلامية بين الفاعلين الحزبيين تُبعد الفعل السياسي عن القضايا الحيوية، وتجعل الشباب، الذين يترقبون تغييراً واقعياً، ينكفئون نحو فضاءات تعبير أخرى، أقل مؤسساتية.
وأشار المتحدث إلى أن ما يفاقم الأمر هو غياب مبادرات جدية من طرف الأحزاب لربط جسور الثقة مع الجيل الجديد، إذ تظل اللغة التواصلية المستخدمة أقرب إلى الاستقطاب الشعبوي منها إلى الإقناع العقلاني، وهو ما يُنتج تراكماً نفسياً يُترجم في نهاية المطاف إلى لا مبالاة انتخابية أو رفض صريح للمشاركة.
وختم سرحان تحليله بالتأكيد على أن إصلاح العلاقة بين الشباب والسياسة يمر عبر ضبط الخطاب الحزبي، وتشجيع ثقافة سياسية عقلانية ومسؤولة، تراهن على تقديم حلول ملموسة عوض تبادل الاتهامات، معتبراً أن الرهان الحقيقي ليس فقط في التنافس على الأصوات، بل في استعادة المعنى الأخلاقي للسياسة كمجال نبيل لخدمة الصالح العام.