عمّان- في بلد يُصنَّف بأنه الأفقر مائيا على مستوى العالم، يواجه الأردن أزمة خانقة تهدد استقراره المائي، مما يزيد من معاناة مواطنيه، إذ يلوح في الأفق شبح أزمة مائية متفاقمة بعد موسم مطري يُعد من الأضعف خلال السنوات الأخيرة، مما أدى إلى انخفاض مخزون السدود وتراجع تغذية مصادر المياه الجوفية.
وسجلت كميات الأمطار معدلات منخفضة بشكل مقلق خلال الشتاء الماضي، مما ينذر بآثار خطيرة على الموارد المائية المحدودة أصلا، ويهدد بتفاقم أزمة الشح المائي التي تعاني منها المملكة، مع تزايد الدعوات لإيجاد حلول مبتكرة ومستدامة، لمواجهة تحديات الأمن المائي وسط تغيرات مناخية تضرب المنطقة بقسوة.
ولم تعد الانعكاسات مقتصرة على الاستخدامات المنزلية، بل امتد أثر الشح المائي ليطال القطاع الزراعي، إذ يعبّر مختصون ومزارعون عن قلقهم من المستقبل، لا سيما في ظل استمرار الجفاف، وتراجع مخزون السدود.
وزير المياه: لا مياه في الأحواض المائية ومياه السدود لا نستطيع التسييل منها #الأردن #وزارة_المياه #السدود #هنا_المملكة pic.twitter.com/VtdHCSYKgP
— قناة المملكة (@AlMamlakaTV) December 17, 2024
تأثير الطقس
وأكدت منظمة الأغذية والزراعة (فاو) أن ظروف الطقس وقلة الأمطار أثرت سلبا على الإنتاج الزراعي في الأردن، الذي شهد في العام الحالي ظروفا مناخية جافة وارتفاعا في درجات الحرارة، مما أثر سلبا على إنتاج الحبوب، خاصة في محافظات إربد، وجرش، ومادبا.
وبيّنت المنظمة الأممية أن كميات الأمطار كانت أقل من نصف المعدل الطبيعي، مما يُتوقع أن يقلل من إنتاجية القمح والشعير وبعض محاصيل الحبوب الأخرى، فيما تشير بيانات وزارة المياه والري إلى تراجع حاد في تخزين السدود، حيث انخفض بنسبة 26.24% بين عامي 2023 و2024.
وبلغ حجم التخزين الكلي في السدود نحو 87.5 مليون متر مكعب العام الماضي، مقارنة بـ118.6 مليون متر مكعب في سنة 2023، في ظل تفاقم الفجوة بين كميات المياه الداخلة إلى السدود وتلك الخارجة منها، ويتخوف مختصون من تأثير الأزمة المائية على استقرار إمدادات مياه الشرب للمناطق ذات الكثافة السكانية المرتفعة، لا سيما في العاصمة عمّان ومحافظة الزرقاء، مع توقعات بفرض برامج توزيع وتقنين أكثر تشددا في الصيف المقبل.
وتعود أسباب تفاقم أزمة المياه في الأردن -وفقا لخبراء- إلى التالي:
- موسم مطري ضعيف للغاية هذا العام، تسبب في تراجع تغذية السدود والآبار.
- تغير المناخ أدى إلى تقلبات حادة في الهطول المطري وزيادة فترات الجفاف.
- الاستهلاك المرتفع للمياه مع زيادة عدد السكان واللاجئين.
- التعديات على مصادر المياه، والحفر الجائر للآبار الجوفية.
- ضعف البنية التحتية وتزايد فاقد المياه نتيجة التسرب والاعتداءات.

أزمة حادة
من جانبه، أكد الناطق باسم وزارة المياه والري عمر سلامة أن أزمة المياه والتحديات التي تواجهها البلاد مزمنة، مشيرا إلى أن المملكة تُعد من أفقر دول العالم مائيا، حيث لا تزيد حصة الفرد لكافة الاستخدامات عن 61 مترا مكعبا سنويا، وتعتمد بشكل كبير على إدارة المصادر المحدودة والعدالة في التوزيع، وسط تفاقم الضغوط الناتجة عن النمو السكاني واللجوء والتغير المناخي والاعتداءات.
وقال سلامة للجزيرة نت إن عجز مياه الشرب في الأردن خلال هذا الصيف يبلغ نحو 30 إلى 40 مليون متر مكعب، ويتركز في مناطق الوسط والشمال تحديدا، إذ إن تخزين السدود كان ضعيفا هذا العام، ولم يزد على 40% مما أثر على بعض الينابيع.
وتعمل وزارة المياه -وفقا له- على إدارة المياه المتوفرة وتوزيعها بمسؤولية عالية، مشيرا إلى أن كمياتها المتوفرة محدودة، وعمليات الضخ والتوزيع تنفد وفق أدوار أسبوعية أو شبه أسبوعية، باستخدام برامج محوسبة تراعي احتياجات كل منطقة، حيث يخصص لكل اشتراك ما بين 4 و6 أمتار مكعبة في كل دور مائي، بحسب التوزيع الجغرافي وحاجة المنطقة.
وبشأن أبرز المشكلات المائية التي تواجه الأردن، لفت سلامة إلى تراجع المياه الجوفية، موضحا أن الخطط والبرامج المنفذة وجهود خفض الفاقد وتأمين مصادر غير تقليدية واستخدام التكنولوجيا الحديثة وخاصة الذكاء الاصطناعي في توزيع المياه، حسّنت من رفع كفاءة عمليات التزويد بشكل كبير في معظم المناطق، وكذلك الشراكة مع المواطنين من خلال حملات التوعية.
بدوره، دعا الخبير في شؤون المياه دريد محاسنة، الحكومة إلى التحرك العاجل من خلال حفر آبار جديدة، وتعزيز استخراج المياه الجوفية، وتكثيف الرقابة على سرقات المياه، وتنظيم عمل صهاريج المياه التي يعتمد عليها المواطنون وقت الأزمات.

حلول
وقال الخبير محاسنة للجزيرة نت إن “المواطن لا يحصل على كميات كافية من المياه حتى في أفضل المواسم، فكيف سيكون الحال مع تراجع كبير في المخزون؟”، مضيفا أن هناك مناطق عديدة في عمّان ومحافظات أخرى تعاني من ضعف أو انقطاع المياه، وإن “وصلتها فهي لا تكفي لسد الاحتياجات الأساسية للأسر”.
وطالب بالتقليل من الزراعات الموسمية هذا الصيف وتوجيه الموارد المائية للتزويد المنزلي، مؤكدا أن عمليات “سرقة” المياه تضعف العدالة في التوزيع وتزيد من العبء على المواطنين الملتزمين.
كما دعا إلى فتح المجال أمام الاستثمارات الخاصة في مشاريع تحلية المياه، مع ضمان الرقابة الحكومية على أسعار المحطات الخاصة لمنع استغلال حاجة المواطنين.
وتبلغ حصة الفرد من المياه في الأردن نحو 60 مترا مكعبا سنويا، مقارنة بالمتوسط العالمي البالغ 500 متر مكعب، بحسب وزارة المياه. ونتيجة لتأخر هطول الأمطار وربما انحباسها الموسم الحالي، فإن حصة الفرد مرشحة للانخفاض إلى أقل من 30 مترا مكعبا خلال السنوات المقبلة، وربما أقل من ذلك، إضافة إلى الآثار التي ستلحق بالقطاع الزراعي وتراجع مساحات الأراضي المزروعة.
ومن أهم الخيارات المتاحة لمواجهة هذه الأزمة حفر آبار مياه جوفية في عدة مناطق للأغراض الزراعية والاستخدامات المنزلية، وفق الوزارة.
وكان الأردن قد وقّع عقد إنشاء مشروع تحلية ونقل المياه العقبة-عمان (مشروع الناقل الوطني) مع تحالف مستثمرين تقوده شركتا “ميريديام” و”سويز”، يهدف إلى تحلية 300 مليون متر مكعب من مياه البحر سنويا من خليج العقبة، وإيجاد حلول مستدامة لنقص المياه، ضمن خطة للتحديث الاقتصادي تتبناها المملكة.