خاص بالجزيرة نت
5/7/2025–|آخر تحديث: 04:38 (توقيت مكة)
أديس أبابا – في شرفة مُطلة على البهو الواسع للبرلمان الإثيوبي، خُصصت للصحفيين، كانت الاستعدادات تجري على قدم وساق، استعدادًا لتغطية الجلسة البرلمانية الأخيرة للعام الإثيوبي الحالي 2017، والتي سيتم فيها إقرار ميزانية العام القادم والذي يبدأ في سبتمبر المقبل.
في الخارج، اكتظت الطرق المؤدية إلى مبنى البرلمان بزحام المركبات، خاصة السيارات الدبلوماسية، إذ يُسمح في الجلسات المفتوحة التي يشارك فيها رئيس الوزراء، بحضور السفراء وممثلي المنظمات الدولية التي تتخذ من أديس أبابا مقراً لها، إلى جانب زعماء دينيين وشخصيات عامة.

يقع مقر البرلمان في منطقة (أرات كيلو) والتي تُعد قلب الحي السياسي والإداري في العاصمة أديس أبابا، وقد شُيّد المبنى في عهد الإمبراطور هيلا سيلاسي في خمسينيات القرن الماضي، ويتميز ببرج مرتفع تعلوه ساعة مربعة الشكل من أربع جهات، يشبه في تصميمه المنارة.
كان المدخل الرئيسي إلى المبنى يعج برجال الشرطة الفدرالية المصطفين لتأمين المكان، بينما بدا بهو القاعة الداخلية مكتظاً بالنواب والمسؤولين الذين تبادلوا الأحاديث في انتظار انطلاق الجلسة، والمقررة عند الساعة الثالثة ظهراً بالتوقيت الإثيوبي، الموافق التاسعة صباحاً بتوقيت مكة المكرمة.
تميزت هذه الجلسة البرلمانية التي عقدت أمس الخميس 3 يوليو/تموز، بمشاركة رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، والذي يمثل أمام البرلمان كل ثلاثة أشهر لاستعراض أداء حكومته والإجابة عن أسئلة النواب بشأن مختلف القضايا السياسية والأمنية والاقتصادية التي تشهدها البلاد.

استهل رئيس الوزراء كلمته بتقديم عرض شامل لأداء الحكومة، متناولاً عدة محاور، أبرزها أوضاع الصحة والتعليم والإسكان، إضافة إلى مشروعات البنية التحتية، كما تطرق إلى الوضع الاقتصادي، وخطط مراجعة الديون، فضلاً عن ملف إنتاج الغاز وأداء قطاع الزراعة، إضافة إلى علاقات إثيوبيا بدول الجوار.
ولكن تطورات مشروع سد النهضة الإثيوبي، هي الحدث الأكبر، فقد أعلن آبي أحمد، أن بلاده ستفتتح السد رسميًا في سبتمبر/أيلول المقبل، موجِّهًا دعوة إلى مصر والسودان للمشاركة في مراسم الافتتاح، وواصفًا السد بأنه رمز للبركة والمنفعة المتبادلة، وليس مصدرًا للصراع أو التهديد.
ولم يصدر حتى اللحظة أي رد فعل رسمي من مصر والسودان بشأن الدعوة الإثيوبية.
تاريخ السد
وُضع حجر الأساس لسد النهضة في 2 أبريل/ نيسان 2011، وكان من المقرر إنجازه بحلول عام 2017، إلا أن المشروع واجه سنوات عدة من التحديات والعقبات التي تسببت في تأخير استكماله عدة مرات، نتيجة صعوبات مالية وفنية وإدارية وأمنية.
وفي حديثه أمام نواب البرلمان، شدد رئيس الوزراء على أن سد النهضة لم يؤثر على تدفقات المياه إلى السد العالي، مؤكداً أن مصر لم تفقد لترًا واحدًا من حصتها بسبب سد النهضة، معربا عن استعداد بلاده للحوار مع مصر والسودان في أي وقت، بهدف ضمان مصالح جميع الأطراف وتحقيق التنمية المشتركة.
وعن المخاوف من تأثير سد النهضة خلال فترات الجفاف، أوضح آبي أحمد، أن الجفاف يضرب إثيوبيا نفسها أيضاً، مشيرًا إلى أن بلاده أطلقت مبادرة البصمة الخضراء لمواجهة تغير المناخ وتحفيز هطول الأمطار، الأمر الذي من شأنه تعزيز مخزون المياه في السدود داخل إثيوبيا وكذلك في مصر والسودان.
البرلمان يدعم دعوة آبي أحمد

تعليقاً على تصريحات رئيس الوزراء، قال النائب في البرلمان الإثيوبي محمد العروسي، إن حديث رئيس الحكومة حمل رسائل تطمين للشعبين المصري والسوداني، اللذين لطالما صُوّر لهما سد النهضة تهديدا وجوديا، مشيرا في تصريح للجزيرة نت، إلى أن تأكيد آبي أحمد على عدم نقصان قطرة واحدة من تدفقات المياه إلى السد العالي يُعد دليلاً على أن مخاوف القاهرة لم تكن مبررة، وأن إثيوبيا التزمت بوعدها بعدم الإضرار بمصر والسودان.
وأشار العروسي إلى أن دعوة مصر والسودان للمشاركة في احتفالات افتتاح سد النهضة، تمثل خطوة تستحق قراءة متأنية في أبعادها الجيوسياسية وانعكاساتها على مستقبل العلاقات بين الدول الثلاث، مشددا على أن هذه الدعوة لا تمثل تحولاً في الخطاب الإثيوبي، بل هي امتداد لمواقف سابقة، لكنها ظلت مغمورة بفعل الخطاب الإعلامي المشحون الذي ساد السنوات الماضية.
من جهته، اعتبر الكاتب الإثيوبي علي عمر، أن استعداد رئيس الوزراء آبي أحمد للتفاوض بشأن سد النهضة يعكس قناعة بأن استمرار النزاع عن مياه النيل يشكل عائقاً أمام التنمية، مشيرا في حديثه للجزيرة نت، أن آبي أحمد وضع الكرة في ملعب القاهرة، متسائلاً، ما إذا كانت مصر ستلتقط هذه الرسالة وتفتح صفحة جديدة من التفاهمات الجماعية حول نهر النيل بعيداً عمّا سماها سياسة الاحتكار.

وأوضح علي عمر أن (اتفاقية عنتيبي) دخلت حيز التنفيذ، ما يمهّد الطريق لبناء منبر قانوني جديدة لتقاسم مياه النيل بشكل أكثر عدلاً وشفافية، مشددا على أن الشراكة بين جميع دول حوض النيل تمثل خياراً إستراتيجياً أفضل من الدخول في مواجهات مفتوحة لا تخدم مصالح أي طرف، خاصة في ظل التحديات المشتركة التي تواجه دول الحوض، مثل التغير المناخي والنمو السكاني.
وبدأت مفاوضات سد النهضة منذ تدشين المشروع في أبريل 2011، وأسفرت عن توقيع اتفاق إعلان المبادئ بالخرطوم عام 2015، لكن الخلافات اشتدت لاحقاً حول قواعد ملء وتشغيل السد، ورغم محاولات الوساطة الإقليمية والدولية منذ 2019، لم تُحقق المفاوضات أي اختراق، وتوقفت فعلياً بعد جولة كينشاسا في أبريل 2021.