جددت جمهورية غواتيمالا، خلال زيارة رسمية لوزير خارجيتها كارلوس راميرو مارتينيز ألفارادو إلى الرباط، دعمها الصريح والقوي لمبادرة الحكم الذاتي التي اقترحها المغرب سنة 2007، معتبرة إياها الأساس الجاد والموثوق والوحيد الكفيل بالتوصل إلى حل دائم للنزاع المفتعل حول الصحراء، في إطار الاحترام الكامل لوحدة المملكة الترابية وسيادتها الوطنية.
وفي لقاء جمعه بنظيره المغربي ناصر بوريطة، شدد رئيس الدبلوماسية الغواتيمالية على مساندة بلاده للجهود المغربية الرامية إلى إيجاد تسوية سياسية واقعية وعملية ومتوافق عليها، مشددًا على التزام الرباط وغواتيمالا المشترك بالدفاع عن مبدأي السيادة والوحدة الترابية في مواجهة كل محاولات التشويش على الاستقرار الإقليمي.
عبد العالي سرحان، الباحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية اعتبر أن موقف غواتيمالا: اصطفاف واضح مع الطرح المغربي، وأن تصريح وزير خارجية غواتيمالا بأن مبادرة الحكم الذاتي المغربية لعام 2007 تمثل “الأساس الجاد والموثوق والواقعي الوحيد” لحل نزاع الصحراء، ليس مجرد تعبير عن دعم سياسي، بل يعكس اصطفافًا دبلوماسيًا صريحًا إلى جانب السيادة المغربية.
وأكد سرحان، في تصريح لجريدة “مدار21” الإلكترونية، أن هذا الموقف يعزز ما أصبح يشبه “كتلة داعمة” للمغرب في أمريكا اللاتينية، ويتماشى مع مواقف دول أخرى بدأت تغيّر وجهة نظرها إزاء النزاع المفتعل، مشيرا إلى أن اختيار الرباط كمكان لإعلان هذا الموقف يحمل دلالة رمزية بالغة، فهو يكرّس المغرب ليس فقط كطرف في النزاع بل كفاعل دبلوماسي مؤثر في إفريقيا وأمريكا اللاتينية.
كما لفت إلى أن التوقيت كذلك ليس اعتباطيًا، إذ يتزامن مع حركية متزايدة للرباط على المستوى الدولي لحشد الاعتراف والدعم لمبادرة الحكم الذاتي، في أفق محطة كوب 30 المقبلة في البرازيل، حيث ستكون إفريقيا وأمريكا اللاتينية في صلب الأجندة.
وأكد في حديثه للجريدة أن الحديث المتكرر عن “الاحترام التام للوحدة الترابية للمملكة” من طرف مسؤولين أجانب يُعبّر عن تحول مهم في لغة الخطاب الدولي، مضيفا أن “الدول التي كانت في السابق تلتزم الحياد، باتت تميل صراحة إلى تأييد وحدة المغرب الترابية، وهو ما يُقوّض الحجة القانونية التي يستند إليها خصوم المغرب في المحافل الأممية”.
كما سجل أن افتتاح قنصلية عامة لغواتيمالا في الداخلة، باعتبارها أول دولة من أمريكا اللاتينية تقوم بهذه الخطوة، قبل سنوات، يُعد تجسيدًا ملموسًا للاعتراف بمغربية الصحراء، “فالدبلوماسية القنصلية ليست مجرد عمل إداري، بل هي فعل سيادي وسياسي يدل على أن الدولة تعتبر المدينة ضمن نطاق سيادة البلد الذي تحتضن فيه القنصلية”يضيف المتحدث.
وأفاد أن تأكيد الطرفين على التزامهما بمبدأي السيادة والوحدة الترابية يُؤشر إلى تقارب في الرؤية الدبلوماسية، ويُمهّد لبناء شراكة استراتيجية تتجاوز ملف الصحراء نحو قضايا إقليمية ودولية أخرى، خاصة في ظل التوترات العالمية المتصاعدة وعودة الجدل حول مفهوم الحدود والسيادة في القانون الدولي.
واعتبر أن دعم غواتيمالا يندرج ضمن سياق تغير بوصلة بعض دول أمريكا اللاتينية، التي كانت تاريخيًا تميل إلى أطروحات انفصالية بدافع أيديولوجي أو إرث من الحرب الباردة. اليوم، وبفعل التحولات الجيوسياسية وتنامي الوعي بمخاطر تجزيء الدول، بات المغرب يستقطب دعمًا متزايدًا، مدفوعًا بسياسة خارجية مرنة، وشراكات تنموية واعدة في القارة اللاتينية.
ويرى الباحث في العلاقات الدولية، أن الدعم العلني والقوي من دولة تنتمي إلى أمريكا اللاتينية كمثل غواتيمالا يُمثّل نكسة دبلوماسية للمقاربة الجزائرية في ملف الصحراء، التي لطالما سعت إلى كسب تعاطف دول الجنوب عبر سردية “تقرير المصير”.
وقال إن ذلك يُضعف هذا التطور الحجة الجزائرية أمام الرأي العام الدولي، ويُظهرها معزولة إقليميًا في ظل تزايد عدد الدول التي تعتبر الحكم الذاتي حلاً واقعياً وذا مصداقية، ما يُجبر الدبلوماسية الجزائرية على إعادة تموضعها أو المخاطرة بفقدان مزيد من الحلفاء التقليديين.
واعتبر أن تزايد عدد القنصليات في الأقاليم الجنوبية للمغرب وصدور مواقف مؤيدة من دول من خارج القارتين الإفريقية والأوروبية، تواجه الجزائر ضغطًا متناميًا في المنتديات الأممية، خاصة مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة.
وخلص الباحث إلى أن كل دعم جديد للحكم الذاتي يُقوّض حجج الجزائر و”البوليساريو”، ويُصعّب مهمة المناورة السياسية، خصوصًا في ظل ما تعتبره الجزائر “حيادًا رسميًا”، بينما الواقع يكشف عن انخراطها العميق سياسيًا وعسكريًا وماليًا في النزاع، وبالتالي فاعلا رئيسيا فيه.