الذكاء الاصطناعي ينتج أغاني المطربين والفنانين ويقاسمهم الأرباح

أغنية “أصداء الغد” هادئة وجذابة وقد تشق طريقها بسهولة إلى قوائم رائجات الأغاني هذا الصيف عبر ”سبوتيفاي“ أو ”أبل ميوزيك“. تكشف كلمات الأغنية التي تتناول على نحو غير مألوف “الخوارزميات”، أنها من صنع الذكاء الاصطناعي وليس البشر.

تُشعرك محاكاة الأغنية لموسيقى البوب ​​الحقيقية بشيء من عدم الارتياح، لكن ما يُقلق بحق هو الكم الهائل من ألحان الذكاء الاصطناعي المشابهة المنتشرة على الإنترنت. أدوات مثل ”يوديو“ (Udio) و“سونو“ (Suno)، التي تدربت على ملايين الأغاني التي أبدعها البشر، تُنتج الآن ملايين الألحان الخاصة بها بنقرة واحدة.

تُقدر ”ديزير“ (Deezer)، وهي شركة تنافس ”سبوتيفاي تيكنولوجي“، أن عدد أغاني الذكاء الاصطناعي التي تُحمّل على منصتها يومياً يبلغ نحو 20000 أغنية، أي ما يُعادل 18% من الإجمالي. في حين أن هذه الأغاني لا تُمثل سوى 0.5% من إجمالي عدد المستمعين، إلا أنها تجني عائدات حقيقية وغالباً ما ينطوي هذا على احتيال، نظراً إلى انتشار برامج روبوتية لتضخيم عدد المستمعين. قد لا تكون هذه مشكلة بحجم ”نابستر“ بعد، لكن سوق الموسيقى الذي تبلغ قيمتها 20 مليار دولار تواجه لحظة ضعف.

لهذا السبب تُحاول ”ديزر“ جاهدةً أن تطهر منصتها، وستبدأ بتصنيف المحتوى المُولّد بالذكاء الاصطناعي، استناداً إلى برامج خاصة. في زيارة حديثة إلى مقر الشركة في باريس، شاهدتُ على جهاز كمبيوتر محمول كيف رصدت أداة الكشف بسرعة وبدقة تامة العلامات الدالة على وجود أغنية مُؤلّفة حاسوبياً، وكانت تلك الأغنية هي “أصداء الغد”.

الأذن الإلكترونية أدقّ

اتضح أنه بينما يُمكن خداع الآذان البشرية، يُمكن اكتشاف الموسيقى المُولّدة بالذكاء الاصطناعي باستخدام الأنماط الإحصائية المُستخدمة في إنشائها. وقد ساعد ذلك في مكافحة الاحتيال خلف الكواليس، والآن ستساعد في إعطاء المستمعين هذه القدرة.

تستحق ”ديزر“ الثناء لكن لا يلغي ذلك الشعور بالتوتر المصاحب لما يحدث. إن زيادة الشفافية بشأن منشأ الموسيقى هي إحدى الطرق لضمان تكافؤ الفرص في سوقٍ يبدو فيها نموذج الدفع مقابل السماع غير متكافئ تجاه الفنانين في أدنى الهرم.

كما أنها طريقة جيدة للضغط بشكل غير مباشر على المنصات الأكبر مثل ”سبوتيفاي“ لتحذو حذوها وتُظهر للمستخدمين ما يدفعون مقابله. يعتمد جزء كبير من قيمة ”سبوتيفاي“ السوقية وهي 145 مليار دولار أميركي، على توقعات بارتفاع الأسعار ومستويات الاشتراك المميزة- وسيصعب تبرير ذلك إذا بُني على محتوى ذكاء اصطناعي مُتنكر في صورة المحتوى الحقيقي.

مع ذلك، يبقى ما يُثير القلق هو مدى تطفل موسيقى الذكاء الاصطناعي على الفنانين البشريين الذين دُربت من خلالهم بلا مقابل. كما تشهد تجربة “ديزر”، فإن النظرة المثالية للذكاء الاصطناعي الذي يُمكّن المبدعين من خلال توليه مهاماً منخفضة القيمة ليست ما يحدث: بل على العكس، تُقدّر جمعية (CISAC)، المُعتمدة على جمع حقوق الملكية، أن نمو موسيقى الذكاء الاصطناعي حتى 2028 سيأتي إلى حد كبير على حساب البشر، مُولّداً ما يُقدّر بنحو 10 مليارات يورو (11.5 مليار دولار) من الإيرادات من خلال استبدال أعمال الفنانين.

الدور التنظيمي

وبينما تلعب منصات البث دوراً في هذا، فإن للحكومات والهيئات التنظيمية دوراً إذا أرادت شركات الذكاء الاصطناعي تحسين الشفافية بشأن مصادر بيانات التدريب الخاصة بها.

قال إد نيوتن-ريكس، المُتخصص في موسيقى الذكاء الاصطناعي ومؤسس مجموعة الضغط غير الربحية “فيرلي ترينيد”: “نشهد تقليصاً في حصة حقوق الملكية للفنانين من موسيقى الذكاء الاصطناعي… هناك تبعات اقتصادية حقيقية لهذه التقنية”.

إن اكتشاف موسيقى الذكاء الاصطناعي والإبلاغ عنها عند نقطة التوزيع هو مجرد البداية. ما نحتاجه أيضاً هو نموذج يحمي الفنانين المُهددين عند نقطة الإنتاج- مثل اتفاقيات الترخيص المدفوعة بين أصحاب حقوق النشر ومنصات التقنية مثل ”سونو“، وهي قيد النقاش حالياً.

قال نيوتن-ريكس إن أدوات الكشف، مثل أداة ”ديزر“، قد تستخدمها منصات البث لمعاقبة أدوات الذكاء الاصطناعي التي لا تحترم حقوق الموسيقيين من خلال إزالة محتواهم المُحمّل. وهو مُحقّ في ذلك. إذا كان الإبداع البشري سيحظى بدفعة قوية من الأدوات التقنية الجديدة، فلا بد أن تصبح أغنية “أصداء الغد” من الماضي.

عن آمنة البوعناني

Check Also

“أوتو ورلد” تستثمر 45 مليون درهم إماراتي لتأسيس منشأة في جافزا 

سيقوم المركز الجديد بتجميع وإعادة تصدير دراجات باجاج النارية إلى الأسواق الأسرع نمواً أسهمت جافزا …

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *