قال الكاتب والسياسي محمد الأشعري إن المذكرات تُقرأ عادة باعتبارها وثيقة عن الماضي أو تجربة تستحضر وقائع متباعدة، لكن مذكرات فتح الله ولعلو، المعنونة بـ”زمن مغربي: مذكرات وقراءات”، تُشكل، برأيه، قطعة حية من الزمن الحاضر، كما يوحي بذلك العنوان نفسه.
وأكد الأشعري خلال الندوة التي نظمتها مؤسسة عبد الرحيم بوعبيد لتقديم المؤلف، أن الكتاب يعكس إلى حد بعيد شخصية فتح الله ولعلو، سواء على المستوى الإنساني أو السياسي أو الأخلاقي، إذ يقول إن ولعلو “رجل يحب العمل إلى حد العبادة”، وهو ما يتجلى في مجلدين يتكونان من حوالي 1400 صفحة، تتخللها مئات الوثائق والدراسات والإحصاءات والمراجع.
وأضاف أن ولعلو يتمتع بصبر سياسي واستمرارية لافتة، ويتميز بميل دائم إلى المصالحة والتوافق والاعتدال، إذ بيّن أن الكاتب ظل طوال التزامه السياسي مستقلا في مواقفه، بعيدا عن الصراعات الحزبية والانحيازات الضيقة، وهو ما يُبرره بطبيعته الأكاديمية المُنصرفة إلى التحليل والدراسة أكثر من التفاعل العاطفي.
وأشار الأشعري إلى أن ولعلو “لم يكن يوما رجل صدام أو عنف لفظي، ولا معروفا بالصراحة الجارحة”، بل كان يُفضل الصمت على الخصومة، وهو ما يتجلى في الطريقة التي استحضر بها بعض الأسماء التي لم تكن دائما ودودة معه.
وأوضح أن الكتاب خالٍ من الفضائح السياسية أو تصفية الحسابات، بل هو أقرب إلى قراءة معمقة في التحولات والتراكمات، كما يدل عليه العنوان الفرعي: “قراءات في الأحداث الأساسية”.
وأشار إلى أن المذكرات تجمع بين السيرة الذاتية والتأمل السياسي، وتستعرض مراحل من التجربة الحزبية والحكومية، إلى جانب استحضار أحداث دولية وقراءات فكرية وسياسية متشابكة.
ويتضمن الكتاب، بحسب الأشعري، فصولا تسلط الضوء على تاريخ الحركة الوطنية، وتجربة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، وكذلك الحركة الاتحادية، وعلاقة حزب الاتحاد الاشتراكي بالقضايا الكبرى، مثل الديمقراطية، وحقوق الإنسان، والحريات العامة، والقضايا القومية.
ويعرض المؤلف حصيلة عشر سنوات من الإصلاحات الحكومية، من خلال تقديم 50 مؤشرا تم جمعها في إطار آخر قانون مالية أعدته الحكومة قبل مغادرتها سنة 2007، والتي اعتبرها ولعلو دليلا على أن تلك الحكومة تركت وراءها مغربا جديدا لا يمت بصلة لمغرب “السكتة القلبية” الذي ورثته.
وفي ملاحظاته حول الكتاب، قال الأشعري إن كتابة المذكرات فعل تحريري بامتياز، “فالسياسة تقيد، لكن الكتابة تحرر وتمنح القدرة على قول ما يَجرح”، مضيفا أنه رغم ما تحمله بعض المقاطع من نبرة ذاتية واعترافات حميمية، “إلا أن الكاتب ظل سياسيا حتى في لحظات البوح”.
وأبدى الأشعري إعجابه بالجزء الذي تناول فيه المؤلف رحلاته وأسفاره، معتبرا إياه من أكثر الأجزاء حميمية وصدقا. منوها بجرأة ولعلو في تحليل بعض المحطات السياسية ونقد التجربة الحزبية والحكومية، معتبرا أن الحديث عن الأخطاء بوضوح “تمرين ضروري لإنتاج معرفة حقيقية بتاريخنا السياسي، وإنارة طريق المستقبل”.
ومن بين المحطات الحزبية التي تناولها المؤلف، أشار الأشعري إلى الانتخابات الجماعية لسنة 2003، التي اعتبرها منعرجا خطيرا أدى إلى انكسار داخل الحزب لم ينهض منه حتى اليوم، إضافة إلى تناول الكتاب أيضا علاقات القادة فيما بينهم، من بينها توتر العلاقة بين اليازغي واليوسفي، وتحليل صراعات النفوذ داخل الحزب، لاسيما خلال مرحلة التحضير للتناوب التوافقي.