الجزائر تستجدي الاهتمام الأمريكي بدبلوماسية الموارد لفك العزلة

في مشهد لافت تزامن مع تصاعد التوترات الجيوسياسية بين إيران وإسرائيل وتدخل الولايات المتحدة على خط الأزمة، كثّفت الجزائر من تحركاتها الاقتصادية والدبلوماسية تجاه واشنطن، معلنة في يوم واحد عن ثلاث خطوات تعزز التعاون الاستراتيجي مع الولايات المتحدة في قطاعي الطاقة والدبلوماسية.

ففي قصر المرادية، استقبل الرئيس عبد المجيد تبون وفدًا من شركة “شيفرون” الأمريكية، في خطوة تشير إلى دخول أحد عمالقة النفط الأمريكيين على خط التعاون الطاقي مع الجزائر.

وقال المتحدث باسم الوفد عقب اللقاء: “لقد كان لنا شرف استقبالنا من قبل الرئيس، إلى جانب وزير الطاقة والمدير العام لسوناطراك. هذا اللقاء يشجعنا، إذ أنه يتطابق مع الاتفاق المبدئي من أجل التفاوض ومباشرة العمل. وقد لمسنا تجاوبًا لمواصلة المباحثات”.

اللقاء حضره عدد من كبار المسؤولين، بينهم محمد عرقاب، وزير الطاقة والمناجم، ورشيد حشيشي، الرئيس المدير العام لسوناطراك، إضافة إلى بوعلام بوعلام، مدير ديوان رئاسة الجمهورية.

في السياق ذاته، وقّعت سوناطراك مذكرة تفاهم جديدة مع شركتين أمريكيتين هما “هيكاتي إينيرجي غلوبال رينيوبالز” و”توسيالي آيرون ستيل إينداستري الجزائر”، لتطوير مشروع رائد لإنتاج الهيدروجين الأخضر، انطلاقًا من الطاقات المتجددة، وذلك بهدف دعم صناعة الحديد والصلب المحلي.

المذكرة، التي وُقعت خلال فعاليات الطبعة 12 للأيام العلمية والتقنية بوهران، تشمل مرحلتين؛ الأولى لدراسة جدوى المشروع، والثانية لتطويره بما يساهم في إنتاج “الصلب الأخضر” بوسائل نظيفة.

دبلوماسيًا، اجتمعت سفيرة الولايات المتحدة لدى الجزائر، إليزابيث مور أوبين، مع الأمين العام لوزارة الخارجية، لوناس مقرمان، لبحث التطورات الإقليمية، حيث جدّد الطرفان التأكيد على الالتزام المشترك بتعزيز العلاقات الثنائية ومواصلة توسيع مجالات التعاون.

الباحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، اعتبر أن التحركات الجزائرية الأخيرة اتجاه الولايات المتحدة محاولة مدروسة لفك ما يمكن اعتباره عزلة جيوسياسية متزايدة، عبر بوابة الاقتصاد الطاقي والتكنولوجي.

وقال سرحان إنه في يوم واحد، أطلقت الجزائر رسائل سياسية واقتصادية متعددة الأبعاد، في وقت حساس إقليمياً ودولياً، حيث يشهد الشرق الأوسط تصعيداً غير مسبوق بين إيران وإسرائيل، مع تدخل مباشر من واشنطن.

في هذا السياق، يرى الباحث في تصريح لجريدة “مدار21” الإلكترونية، أن الجزائر تراهن على الإغراءات الاقتصادية – من خلال مشاريع الهيدروجين الأخضر، والانفتاح أمام شركات النفط العملاقة مثل “شيفرون” – لإعادة تموضعها كشريك استراتيجي للطاقة، لا فقط في أوروبا كما كان في السابق، بل أيضاً في السوق الأمريكي.

واسترسل موضحا “فبخطاب محسوب، تستثمر الجزائر في ما يُسمى دبلوماسية الموارد لإقناع واشنطن بأنها ليست مجرد بلد عبور أو توازن إقليمي، بل شريك موثوق يمكن الاستثمار فيه سياسياً واقتصادياً”.

من جهة أخرى، لفت المتحدث أن توقيت هذه التحركات ليس بريئاً، “فهي تأتي بعد شهور من برود ملحوظ في علاقات الجزائر مع عدة شركاء غربيين، أبرزهم فرنسا، ومع استمرار توتر علاقاتها مع محيطها المغاربي، خصوصاً المغرب”.

لذلك، يؤكد سرحان أن الانفتاح المكثف على الولايات المتحدة يُفهم كخطوة للبحث عن نافذة استراتيجية بديلة للخروج من حالة الجمود، وتحقيق نوع من التحصين السياسي الخارجي من خلال شبكات الاستثمار والتكنولوجيا النظيفة، وهو ما يسمح للجزائر بالترويج لنفسها كفاعل مسؤول في الانتقال الطاقي العالمي.

وخلص الباحث في العلاقات الدولية إلى أن ما يجري ليس مجرد تحرك اقتصادي، بل هو محاولة لإعادة رسم موقع الجزائر في خريطة النفوذ الدولية، بالاعتماد على أدوات ناعمة قائمة على الشراكات، في ظل عجز المقاربة الأمنية أو الأيديولوجية التقليدية عن تحقيق اختراقات تُذكر على المستوى الدبلوماسي.

عن أسيل الشهواني

Check Also

مفوضة أوروبية تشيد بعلاقة المغرب والاتحاد الأوروبي

أكدت المفوضة الأوروبية لشؤون البحر الأبيض المتوسط، دوبرافكا سويكا، أمس الثلاثاء، أن المغرب والاتحاد الأوروبي …

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *