وجه نواب فرق المعارضة البرلمانية انتقادات لاذعة لما اعتبروه “تأخراً” في تنزيل إصلاح قطاع المقاولات والمؤسسات العمومية، سواء على المستوى التشريعي أو في ما يتعلق بحذف المقاولات التي انتفت شروط إحداثها وتحويل المؤسسات العمومية لشركات مساهمة، وغيرها من أوراش هذا الإصلاح.
في هذا الإطار، انتقد حسن لشكر، في كلمة باسم الفريق الاشتراكي -المعارضة الاتحادية، تأخر الإصلاح المذكور، خلال اجتماع لجنة مراقبة المالية العامة والحكامة، لمناقشة عروض وزيرة الاقتصاد والمالية والمدير العام للوكالة الوطنية للتدبير الاستراتيجي لمساهمات الدولة وتتبع نجاعة أداء المؤسسات والمقاولات العمومية.
وقال لشكر إن الترسانة القانونية التي تعطي مدلولا عمليا للقوانين المؤسسة ذي الصلة لم تكتمل بعد “حيث لم تنشر إلا 42 في المئة من النصوص التشريعية والتنظيمية المفروضة، منها قانون واحد وستة مراسيم في عهدكم”، مضيفا أنه “وإلى غاية هذا الكتاب، لم نصل بعد إلى إحداث أي قطب كبير يجمع عدد من المؤسسات التي تمارس مهاما متداخلة أو متقاربة، خاصة في قطاعات الطاقة والمعادن والماء والبيئة، والبنيات التحتية والنقل، بالإضافة إلى القطاع المالي، وهي التي تمثل مجتمعة 90 في المئة من مجموع تكاليف استغلال المؤسسات والمقاولات العمومية”.
وواصل لشكر أنه “بعد كل هذه السنوات لا زال ورش حذف المؤسسات والمقاولات العمومية التي انتفت شروط إحداثها أو تنعدم فيها الفعالية والمردودية ضعيف المردودية، فملفات التصفية لم تحرز تقدما إلا في 19 مؤسسة ومقاولة فقط، بنسبة تمثل 23 في المئة من مجموع الهيئات التي توجد في طور التصفية”، متسائلا “أين هو القانون المؤطر لتصفية المؤسسات والمقاولات العمومية؟ وأين هي الهيئة المركزية للتصفية؟”.
وأردف النائب البرلماني أنه لم يتم “تحويل ولو مؤسسة أو مقاولة عمومية واحدة ذات الطابع التجاري إلى شركات مساهمة، حيث أن العديد من مشاريع القوانين ذات الصلة لاتزال في طور الصياغة أو الإعداد أو على مستوى الأمانة العامة للحكومة، في الوقت الذي لا تفصلنا إلا سنة واحدة عن انتهاء السقف القانوني الذي حدده القانون الإطار من أجل تحويل 15 مؤسسة عمومية إلى شركة مجهولة الاسم. فماذا أنتم فاعلون؟”.
وأضاف لشكر “فإذا لم تكن هذه السنوات التراكمية تأخيرا يستحق المساءلة، فما هو التأخير يا ترى في منظور الحكومة؟ وماذا عسانا ننتظر من حكومتكم بخصوص تنزيل الإصلاحات الأخرى المتعلقة بإصلاح التقاعد، والحماية الاجتماعية، والقانون التنظيمي لقانون المالية، والجهوية المتقدمة، وإصلاح المنظومة الضريبية المحلية، وغيرها من الأوراش ذات الراهنية القصوى”.
من جهة أخرى، قالت إكرام الحناوي، النائبة البرلمانية عن فريق التقدم والاشتراكية، إن “الطريق نحو تحقيق نجاعة المحفظة العمومية، ونحو دَمَقرطة هياكلها وتدبيرها، ونحو تحقيق مردوديتها المالية الإيجابية إجمالاً، هو طريقٌ لا يزالُ طويلاً، رغم النصوص التشريعية التي صدرت في هذا الشأن منذ سنوات. ولذلك نعتقد أن الحكومة متأخرة عموماً في إنجاز ورش إصلاح قطاع المؤسسات والمقاولات العمومية بالسرعة والفعالية المطلوبتيْن”.
وأوردت أنه “بشكلٍ مؤسف ومُحبِط، يبدو أن الإصلاح الفعلي والحقيقي لهذا القطاع الحيوي لا يزالُ بعيد المنال، في ظل انتدابٍ حكومي كان الاعتقادُ يذهب في اتجاه ترجيح احتمالات تحقيقه نجاحاً على المستوى الاقتصادي والمالي، بالنظر إلى طبيعة الحكومة الحالية التي قدَّمَت نفسها أنها حكومة الكفاءات التدبيرية… بينما المُنجزُ على هذا المستوى، رغم المجهود المبذول، متواضِع جدا”.
وذكرت الحناوي أن الانتظاراتُ “تَنْصَبُّ حول ضرورة ترشيد المحفظة العمومية المتضخمة، وحول إعادة هيكلتها، والحدِّ من تداخُل مهامها، ومعالجة ضُعف الأداء المالي للعديد من مكوناتها، والمبادرة إلى حلِّ بعضها، وتحسين النموذج الاقتصادي، وإعمالِ حكامةِ وشفافية تدبيرها، وتخفيف ضغطها المالي على الميزانية العامة”.
ويقتضي الوضعُ الحالي، وفق النائبة البرلمانية، “تسريع تنفيذ برنامج إصلاح المؤسسات والمقاولات العمومية التي تندرج ضمن نطاق الوكالة، والتي تضطلع برهانات اقتصادية واجتماعية كبرى؛ لا سيما وأنه تمت المصادقة في 2024 على التوجُّهات الاستراتيجية للسياسة المساهماتية للدولة”، مشيرة إلى أن الأمر يستلزم “تسريعَ تنفيذِ المخطط المتعلق بإعادة هيكلة المؤسسات والمقاولات العمومية التي تُشرف عليها وزارة الاقتصاد والمالية”.
وأوضحت الحناوي أن “الإصلاح التشريعي والتنظيمي ليس كافيا لوحده من أجل إحداث الإقلاع الحقيقي للمحفظة العمومية، بما يجعلها قاطرة للنهوض بالاقتصاد الوطني”، كما أن “تحقيق التحول الجذري والإيجابي في الأداء الاقتصادي والمالي للمؤسسات والمقاولات العمومية يتطلبُ إرادة سياسية قوية، والتزام جماعي عميق، وقدرات تدبيرية وتفاوضية عالية، ورؤية استراتيجية استباقية، وقناعات اجتماعية راسخة”.
واعتبرت أن “هناك عمليات لإعادة الهيكلة نَعتبر التأخر في إنجازها هدراً للزمن الاقتصادي والمالي والديموقراطي، من قبيل العمليات المتعلقة بالوكالات الحضرية؛ والعمليات المتعلقة بإعادة هيكلة القطاع السمعي البصري”، مضيفة أنه “بالنسبة للمؤسسات والمقاولات العمومية التي ستتعرض للحل والتصفية، ينبغي إجراء حوارٍ اجتماعي حقيقي وفعال ومنتج مع الفرقاء الاجتماعيين، حتى لا تضيع حقوق المستخدمين والموظفين المعنيين”.
وبدوره ذهب عمر الباز، النائب البرلماني عن الفريق الحركي، إلى أن “طول مسار التحضير والإعداد، رغم وجاهة بعض مبرراته التقنية، يطرح إشكالية الحفاظ على زخم الإصلاح السياسي والمؤسساتي الذي انطلق منذ سنوات. فكل تأخير في الأجرأة الميدانية يفرغ أي مشروع من قوته الدافعة ويزيد من منسوب الانتظارية”.
واعتبر الفريق الحركي أن “تأخر تنزيل عمليات تحويل المؤسسات إلى شركات مساهمة يعرقل إعادة بناء المحفظة العمومية وفق منطق السيادة الاقتصادية وتحسين الحكامة المالية، ويؤجل تحقيق الأهداف المرتبطة بعقلنة التدبير وتوسيع قاعدة الشراكة مع القطاع الخاص”.
وقال الباز إن “محدودية تفعيل آليات الحكامة الداخلية الحديثة، وخاصة تعميم المتصرفين المستقلين واللجان المتخصصة داخل الأجهزة التداولية للمؤسسات العمومية، يعطل التفعيل العملي لمبادئ الاستقلالية والنجاعة والرقابة الداخلية الفعالة، التي تشكل فلسفة الإصلاح الجديد”.
ولفت النائب الحركي إلى أن “تأخر انطلاق مشاريع إعادة هيكلة الأقطاب القطاعية الكبرى، وفي مقدمتها القطب المالي العمومي والقطاع اللوجستيكي، يمثل تأخراً استراتيجيا يمس عمق الهندسة الجديدة لتدخل الدولة، ويكرس استمرار التداخل والتكرار في المهام والأدوار بين المؤسسات”.
واعتبر الباز أن “غياب التعاقد الواضح على مستوى آجال الإنجاز بين الحكومة والوكالة والقطاعات الوصية يساهم في تغذية مناخ تردد مؤسساتي يؤجل تحقيق الأثر التنموي المنتظر من هذا الورش البنيوي”.