3 سنوات من الحزن كانت أفضل مراحل حياتي

بعد أن اختبرت مشاعر الحزن والعزلة التي ولَّدت لديها حالة من الاكتئاب، حوَّلت الدكتورة مايا الهواري هذه المشاعر إلى أسئلة للتعمق في الذات، وحافز للمضي قدماً في رحلة العلم، فقررت أن تستكمل دراساتها العليا، لتصبح أول إماراتية متخصصة في الذكاء العاطفي. وتعتبر الهواري الذكاء العاطفي الذي ينطلق من فهم الذات، رسالة تسعى دائماً إلى تقديمها من خلال المحتوى الذي تقدمه عبر منصات التواصل الاجتماعي وكتبها، خصوصاً في عصر الذكاء الاصطناعي الذي أشارت إلى أنه يشهد حالة من التعطش لفهم الذات والاتصال الإنساني.

موجة حزن

واستهلت الدكتورة الإماراتية مايا الهواري حديثها مع «الإمارات اليوم» باستعادة رحلة اختيارها التخصص في الذكاء العاطفي، وقالت: «مررت بحالة من الاكتئاب امتدت لسنوات، بعد عملي في مجال المدارس مدة 10 سنوات، وبعد أن بدلت عملي، وتوفيت ابنة صديقتي، إذ كانت هذه الوفاة بمثابة الصفعة القاسية، ودخلت في موجة حزن استمرت ثلاث سنوات، ولكنها كانت أفضل مراحل حياتي، إذ من خلالها طرحت على نفسي الكثير من التساؤلات، وفهمت أسرار الكون، وبدأت أتعمق في فهم دور الإنسان في الحياة». وأضافت: «في تلك الفترة كنت متزوجة ولدي عائلتي، وابنة من أصحاب الهمم، ومسؤولياتي كثيرة، ولكنني رحت أقرأ في علوم متعددة منها علم النفس والفقه، إلى أن شاهدت فيلماً قصيراً عن الذكاء العاطفي، الذي يطرح الكثير من التساؤلات ويبدأ من سؤال من أنا، وأردت أن أكتشف ذاتي، لأنه كلما كان الإنسان واقعياً، تمكن من إصلاح الذات، فمواجهة النفس من أصعب التجارب». وأكدت الهواري أن الإنسان يجب أن يشعر بالامتنان للخالق وللأوجاع التي يمر بها، لأن التجارب القاسية تصنع منا نسخة أفضل.

القيادة الناجحة

ولفتت الهواري إلى أنها في تلك الفترة قدمت طلبها لجامعة حمدان بن محمد الذكية، وقدموا لها النصيحة بربط الذكاء العاطفي بالقيادة، وعملت على بحث استندت فيه إلى الفيديوهات التي تقدمها على منصات وسائل التواصل الاجتماعي، فوجدت أن هناك تعطشاً من قبل الجمهور للاستماع إلى هذا المحتوى. وربطت الهواري بين القيادة الناجحة والذكاء العاطفي، لافتة إلى أن الأخير هو مظلة الذكاء الاجتماعي، لأن الإنسان لابد له من الانطلاق من الذات كي يتمكن من التعامل مع المجتمع لاحقاً. واعتبرت أن الذكاء العاطفي يساعد على النجاح في العمل بنسبة 80%، فيما النسبة المتبقية للذكاء الأكاديمي، موجهةً دعوة لأن يولي المرء أهمية للذكاء العاطفي كما يولي أهمية للدراسة، خصوصاً أننا في زمن الذكاء الاصطناعي، الذي يشهد تعطشاً لفهم الذات والاتصال الإنساني.

الفراسة والحدس

وحسب الهواري يمكن اكتساب مهارات تُنمّي الذكاء العاطفي لدى المرء، ومن هذه المهارات – كما ذكرت – مهارة الاستماع والإنصات التي تعتبر مهمة جداً، وكذلك التخفيف من الكلام، وتعلم الفراسة والحدس والملاحظة، لأن الحواس حين تعمل يبدأ الفكر بالعمل، مشيرة إلى أنها رزقت بطفلة من أصحاب الهمم كانت قليلة الكلام، ومن خلالها تعلمت الملاحظة. وتابعت عن ابنتها، قائلة: «حين مرضت ابنتي كنت مازلت صغيرة في العمر، وكانت عائلتي السند وكذلك والد أطفالي، وقالوا لي إنها لن تتكلم ولن تمشي، ورأيت معجزة الله بتطور وتحسن وضعها الصحي». وشددت على أنه مع تعلم هذه المهارات يتعلم المرء الصبر، مؤكدة أن مهارة الصبر لا يتعلمها الإنسان إلا من خلال الابتلاء.

«شات جي بي تي»

وتقدم الهواري ورش عمل تدريبية، واستشارات في العلاقات. ولفتت إلى أن العديد من الذين يقصدونها يروون قصصهم الاجتماعية والعاطفية لـ«شات جي بي تي» بما فيها شكوكهم تجاه بعضهم، ليحصلوا منه على إجابات، معتبرة أن هذه التقنيات تلغي الاتصال الإنساني، الذي اعتبرته مهماً جداً في العلاقات، وكلما زاد الاعتماد على الذكاء الاصطناعي، زاد احتياجنا للاتصال الإنساني. واعتبرت الهواري أنه لا يمكن الاعتماد على هذه التقنيات خصوصاً في الحياة الشخصية، متوقعة زيادة اللجوء إلى الاستشارات الشخصية بسبب كثرة الاعتماد على الذكاء الاصطناعي.

وسائل التواصل

وأكدت الهواري أن الذكاء العاطفي يدير النفس بخلاف علم النفس الذي يشرح ما يحدث للإنسان بالتفصيل العلمي، موضحة أن جميع البشر يمرون بمراحل يواجهون فيها مشكلات وابتلاءات في حياتهم، ويحتاجون فيها للمساندة واكتشاف الذات. ونوهت إلى أن الفئة العمرية التي تتابعها عبر منصات التواصل الاجتماعي باتت تبدأ من عمر 18 سنة فما فوق، وهذا يدل على وعي الناس بأهمية التعرف إلى الذات من سن صغيرة.

ووصفت الهواري وسائل التواصل الاجتماعي بأنها تعزز الأنا لدى الجمهور، وزادت من التفكير الأناني، مبينة أنها من خلال المحتوى دائماً تشدد على أهمية العلاقات الإنسانية لأن الإنسان يميل إلى العزلة مع أنه بطبيعته كائن اجتماعي.

كتاب جديد.. قريباً

قدمت الدكتورة مايا الهواري العديد من الكتب، وتحضر الآن لكتابها الجديد الذي ستطلقه قريباً تحت عنوان «استشر مايا الهواري»، موضحة أنه يشتمل على الاستشارات والحالات التي واجهتها، إذ تسعى إلى توثيق الحالات في كتب، باستثناء الكتاب الأول الذي حمل عنوان «أسرار التجديد في زمن الكوفيد.. ست مراحل من الابتلاء إلى الشفاء»، والذي قدمت فيه ما يفيد الناس للتعامل مع الابتلاءات في الحياة منطلقة من تجربتها مع الاكتئاب. والى جانب ذلك تعمل الهواري في المجال التعليمي في وظيفة إدارية، ونوهت بأن هذه الوظيفة علمتها المرونة في استيعاب الآخر، وكذلك القيادة وتقديم الرأي باحترام، لاسيما أنها تسلمت منصباً قيادياً دون تدرج، وهذا أمر يحمل العديد من التحديات، ولا يسمح بالوقوع في أي خطأ.

مايا الهواري:

• على الإنسان أن يشعر بالامتنان للخالق، وللأوجاع التي يمر بها، لأن التجارب القاسية تصنع منا نسخة أفضل.

• مهارة الصبر لا يتعلمها الإنسان إلا من خلال الابتلاء.

• محتويات وسائل التواصل الاجتماعي بمعظمها تعزز الأنا لدى الجمهور.

Google Newsstand

تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news

Share


تويتر


عن ثراء زعموم

Check Also

الناشرون الإماراتيون ينقلون الإبداع الإماراتي إلى قلب العاصمة الصينية

ممثلة بنخبة من دور النشر الإماراتية الراسخة والناشئة، تشارك جمعية الناشرين الإماراتيين في معرض بكين …

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *