الخط :
قال الصحافي المكسيكي، عمر سيبيدا كاسترو، إن الأمثلة الواضحة حول التضليل هو أيضاً ما يجري في الأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية، حيث تُنسج الكثير من الأكاذيب من قِبل أطراف مسلّحة ومدعومة، غارقة في إخفاقاتها الذاتية، وأسيرة لإيديولوجيات متجاوزة.
وأكد الصحافي المكسيكي في تدخله في سياق الندوة التي تنظمها اللجنة المؤقتة لتسيير قطاع الصحافة والنشر، يومي 20 و 21 يونيو الجاري، في مدينة الداخلة، بمشاركة صحافيين وخبراء في الإعلام من أوروبا وأمريكا اللاتينية وأفريقيا والعالم العربي، أن أكاذيبهم تهدف إلى خلق أجواء من العنف وعدم الاستقرار، في حين أنّ الواقع على الأرض يقول عكس ذلك تماما، وهذا ما نراه اليوم في مدينة الداخلة.
وأضاف أن الصور النمطية تُعدّ من أبرز سمات الطبيعة البشرية التي تسبّبت في أضرار جسيمة لمجتمعاتنا، فتمييز الناس استناداً إلى أفكار أو صور ذهنية أو ألوان أو ألقاب، يخلّف دوماً آثاراً مدمّرة، إذ يولّد التهميش والعنصرية، مما يؤدي بدوره إلى انقسام مجتمعاتنا المحلية والعالمية.
وأوضح أنه في المكسيك، نواجه باستمرار هذه النماذج المصوّرة: المكسيكي السمين، ذو القبعة العريضة والشارب الطويل، نائم تحت شجرة صبّار، واليوم، كثير من الناس من مختلف أنحاء العالم، ممّن يخطّطون لزيارة المكسيك، يسألونني بقلق: “حين أصل إلى مطار العاصمة، وأخرج إلى الشارع، هل سأواجه إطلاق نار؟”.
وتابع الصحافي، “نعم، المكسيك تواجه مشكلات بنيوية كبيرة، من بينها الجريمة المنظّمة، ولكنها في الوقت ذاته تُعدّ واحدة من أكثر عشرة بلدان يُزار في العالم، وهي على وشك تنظيم كأس العالم لكرة القدم للمرة الثالثة، بينما أصبحت مدينة مكسيكو وجهة رائجة بفضل مطاعمها ومتاحفها وحياتها الليلية، خاصة بين الشباب الأمريكيين”.
وأردف الصحافي، عشتُ ذات مرّة في أوروبا، وكان الناس يسألونني عن بلدي، فأقول: “من المكسيك”، ثم يسألونني عن اسمي، فأجيب بفخر: “عُمَر” – أربعة أحرف شعرية، كما في “عمر الخيام” – لكنهم لم يصدقوا، وكانوا يقولون إنني عربي، وهو أمر كان يسعدني، في هذه الحالة.
وأكد المتحدث ذاته، “أنا واثق أنّ كل واحد منكم يستطيع أن يروي قصصاً مدهشة حول كيف يراه “الآخرون”، وكيف نرى نحن بدورنا الآخرين، وغالباً من منطلق الجهل”.
ولتفكيك هذه الصور النمطية، أشار الصحافي في تدخله، إلى أن أفضل وسيلة هي السفر، والسير في شوارع العالم، والحديث مع الناس دون أحكام مسبقة أو أقنعة، أو قراءة الكثير من الأدب. لكن، للأسف، الغالبية العظمى من الناس في العالم لا تسافر، ولا تتجوّل في الشوارع، أو الأسواق، أو المقاهي، أو سيارات الأجرة، أو الأحياء القديمة.
وتابع الصحافي، “ولهذا، تبقى الصحافة ذات أهمية قصوى، لأنها من أبرز الجسور التي تنقل الواقع، والتجارب، وأصداء المجتمعات، وتسهم، في الوقت ذاته، في تحطيم الصور النمطية التي غالباً ما تكون سبباً في الكراهية والتهميش”.
وقال الصحافي، نواجه اليوم تحديات كبيرة فيما يخص وسائل الإعلام والمعلومات المضلّلة، فقد تسببت شبكات التواصل الاجتماعي، التي تعتمد على الفورية، في إبعادنا عن عمق الأشياء، ودَفَعَتنا إلى ما يُعرف اليوم بـ”هوس المعلومات” أو “الإنفومانيا” – أي أنّ رقمنة العالم قد حوّلت الأشياء إلى “معلومات مفرغة”، وكما قال الفيلسوف الكوري بيونغ-تشول هان: “لم نعد نسكن الأرض والسماء، بل نعيش في غوغل إيرث والسحابة الرقمية.”
وتابع، أن القدرة على الكتابة، والتحدث، والرواية، ولكن قبل كل شيء: الاستماع، هي من المهام الجوهرية للصحفي، لا يمكننا أن ننسى أصول مهنتنا، فحين لا ننقل الحقيقة كما هي، بشجاعة وصدق، فإننا نقع في فخّ ما تسعى إليه العديد من القوى: الكذب لخداع المجتمعات.
وأشار إلى أن وباء المعلومات الزائفة، أو ما يُعرف بـ”الإنفوديميا”، يُعدّ من أخطر التهديدات التي يستخدمها مروّجو الكراهية والصراع، فهي أسلحة بالغة الخطورة، وإن لم يمتلك الصحفيون القدرة على كسر تلك المنظومات الفوضوية، فلن نكون قد أدّينا رسالتنا كما ينبغي، مضيفا علينا أن نعيد ابتكار أدواتنا، وأن نستخدم القلم بشجاعة، والأفكار الكبيرة بثبات، لنُنشئ منصّات جديدة، وننقل الأحداث الجوهرية بصدق، لأنّ المجتمع العالمي الذي يرى بوعي هو مجتمع في طور التقدّم.
واقترح المشارك في الندوة،على اللجنة المنظمة إنشاء منصّة دائمة، تُمكن من خلالها من البقاء على تواصل مستمر.