بزنس نيوز
بحلول منتصف يونيو 2025، يقف الاقتصاد العالمي عند مفترق طرق حاسم، متأثراً بتعديلات اقتصادية كلية مستمرة، وتحولات هيكلية، وتطورات جيوسياسية. وعلى الرغم من تراجع معدلات التضخم في العديد من الاقتصادات المتقدمة، لا تزال المخاطر قائمة، بما في ذلك استمرار السياسات النقدية المتشددة، وعدم الاستقرار الجيوسياسي، وضعف وتيرة تعافي الاستثمارات. يستعرض هذا المقال أبرز الاتجاهات والتوقعات الاقتصادية العالمية، بناءً على المعطيات المتوفرة حتى تاريخ 20 يونيو 2025.
1. الولايات المتحدة: التوازن بين المرونة والضغوط المالية

أظهر الاقتصاد الأمريكي مرونة ملحوظة في النصف الأول من عام 2025، حيث يُتوقع أن يحقق الناتج المحلي الإجمالي نمواً بنسبة 2.1%، مدعوماً بقوة الاستهلاك المحلي، واستقرار سوق العمل، واستمرار الاستثمار في التكنولوجيا والطاقة النظيفة. أبقى الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة دون تغيير، مع الإشارة إلى احتمال خفضها لاحقاً في العام اعتماداً على مسار التضخم.
انخفض التضخم إلى ما يزيد قليلاً عن 3%، لكنه لا يزال أعلى من هدف الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2%. وارتفعت البطالة إلى 4.5%، مما يشير إلى بداية عودة تدريجية للتوازن في سوق العمل.
العجز المالي الأمريكي كمصدر قلق رئيسي: بلغ العجز في الموازنة الفيدرالية أكثر من 1.8 تريليون دولار، وهو ما يثير مخاوف جدية بشأن استدامة الدين العام. ويُعزى هذا العجز إلى مزيج من الإنفاق العسكري المتزايد، وتكاليف الرعاية الصحية والضمان الاجتماعي، وتباطؤ في الإيرادات الحكومية بسبب التخفيضات الضريبية السابقة. هذا الوضع يضعف قدرة الحكومة على التحفيز في أوقات التباطؤ، ويرفع من تكاليف خدمة الدين. كما أصدرت وكالات التصنيف الائتماني تحذيرات بشأن احتمال خفض التصنيف السيادي للولايات المتحدة ما لم يتم تنفيذ إصلاحات مالية.
2. منطقة اليورو: تعافٍ هش وتعديلات نقدية
تظل التوقعات الاقتصادية لمنطقة اليورو ضعيفة، إذ تعاني ألمانيا وإيطاليا من تباطؤ صناعي، في حين تستفيد دول الجنوب مثل إسبانيا واليونان من انتعاش السياحة والدعم المالي من الاتحاد الأوروبي. خفض البنك المركزي الأوروبي سعر الفائدة الرئيسي بمقدار 25 نقطة أساس في يونيو 2025، مع توقع خفض إضافي في الربع الرابع.
ويستقر معدل التضخم السنوي عند 3.2%، مع استمرار الضغوط السعرية في قطاعات الخدمات والطاقة. ومن المتوقع أن يبلغ النمو الاقتصادي لمنطقة اليورو 0.8% فقط. وتظل التحديات الهيكلية، مثل الجمود في سوق العمل، وضعف إنتاجية العمل، والتأخر في التحول الرقمي والبيئي، من العوامل المقيدة للنمو المستقبلي.
3. الصين: إعادة ضبط النمو في ظل تحديات هيكلية
تعمل الصين على تعديل نموذجها الاقتصادي نحو زيادة الاستهلاك المحلي، مع توقع نمو الناتج المحلي بنسبة 4.6% خلال 2025، وهو أقل من الهدف الرسمي. لا يزال قطاع العقارات ضعيفاً، في حين تؤثر التوترات التجارية وتباطؤ الطلب العالمي على الصادرات.
وقد ردت الحكومة بسلسلة من التحفيزات المالية المعتدلة والاستثمار في البنية التحتية، إلا أن التحديات البنيوية لا تزال قائمة، بما في ذلك ارتفاع مديونية الحكومات المحلية، وتجاوز بطالة الشباب 14%، واستمرار حالة عدم اليقين التنظيمي، خاصة في قطاع التكنولوجيا. وتزيد العلاقات المتوترة مع الغرب، ولا سيما الولايات المتحدة، من تعقيد العلاقات الاقتصادية الخارجية للصين.
4. الأسواق الناشئة: مسارات متباينة للنمو
تشهد الأسواق الناشئة تفاوتاً في الأداء. تستفيد دول أمريكا اللاتينية المصدرة للسلع مثل البرازيل والمكسيك من ارتفاع أسعار الموارد واستقرار التضخم، على الرغم من استمرار المخاطر السياسية وتفاوت الدخل.
وتتألق الهند بتوقعات نمو تتجاوز 6.5%، مدفوعة بازدهار الاقتصاد الرقمي، وتوسع قطاع التصنيع، وتحسين البنية التحتية. وتُظهر منطقة جنوب شرق آسيا، بقيادة فيتنام وإندونيسيا، صموداً جيداً، وإن كان النمو حساساً لأداء الصين.
في المقابل، تعاني العديد من الدول الأفريقية من أعباء ديون مرتفعة، وضعف في العملة، وضيق في الحيز المالي. لكن انخفاض التضخم يمنح بعض البنوك المركزية مجالاً لتخفيف السياسات النقدية بحذر.
5. الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: التنويع الاقتصادي في ظل بيئة طاقوية داعمة
تواصل دول مجلس التعاون الخليجي، لا سيما الإمارات والسعودية، جهودها لتنويع مصادر دخلها بعيداً عن النفط من خلال الاستثمار في قطاعات السياحة، والخدمات اللوجستية، والتكنولوجيا المالية، والطاقة المتجددة. وتدعم أسعار النفط القريبة من 80 دولاراً للبرميل الفوائض المالية والمشاريع التنموية.
غير أن التوترات السياسية الإقليمية، مثل النزاعات في اليمن وليبيا، ما تزال تمثل مصادر خطر. وتساعد الاستثمارات الاستراتيجية، من خلال الصناديق السيادية والشراكات بين القطاعين العام والخاص، في تعزيز مرونة المنطقة أمام الصدمات العالمية ودعم التحول الاقتصادي طويل الأجل.
6. أبرز المخاطر العالمية في عام 2025
- النزاعات الجيوسياسية: مثل الحرب في أوكرانيا، والتوترات في بحر الصين الجنوبي، ومناطق الصراع في الشرق الأوسط.
- التغير المناخي: الظواهر الجوية المتطرفة تهدد الأمن الغذائي والمائي والأنظمة التأمينية.
- أعباء الديون العامة: في الأسواق المتقدمة والناشئة على حد سواء، قد يؤدي تشديد الأوضاع المالية إلى صعوبات في إعادة التمويل.
- التحولات التكنولوجية: الذكاء الاصطناعي والأتمتة والتقنيات الرقمية تعيد تشكيل سوق العمل، مع آثار على الإنتاجية والعدالة الاجتماعية.
7. التوقعات العامة للنمو العالمي
يتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة 2.9% خلال عام 2025، وهي زيادة طفيفة عن عام 2024. وستقود الأسواق الناشئة والنامية معظم هذا النمو، في حين يتباطأ نمو الاقتصادات المتقدمة. ويستمر تراجع التضخم، وإن ظل أعلى من المستهدف في عدة مناطق.
تتحرك البنوك المركزية تدريجياً نحو مواقف أكثر حيادية، بينما تركز السياسات المالية على الإنفاق الهيكلي المستهدف. وتزداد الاستثمارات في البنية التحتية الرقمية، والرعاية الصحية، والطاقة النظيفة، وسلاسل الإمداد المرنة.
خاتمة
يتعامل الاقتصاد العالمي في عام 2025 مع مزيج معقد من التعافي والمخاطر. فعلى الرغم من عودة النمو وتراجع التضخم، لا تزال البيئة عرضة للضغوط المالية، والتقلبات الجيوسياسية، والتحولات التكنولوجية. ويبرز العجز المالي الأمريكي كمؤشر على تحديات أوسع تواجه استدامة الدين في الاقتصادات المتقدمة.
ستكون القدرة على التكيف، واتساق السياسات، والتعاون الدولي عناصر حاسمة لضمان الازدهار طويل الأمد. ويتعين على الحكومات والشركات والمجتمعات المدنية التركيز على بناء أنظمة اقتصادية مرنة وشاملة ومستدامة.
ملاحظة: يستند هذا المقال إلى بيانات وتوقعات رسمية متوفرة حتى تاريخ 20 يونيو 2025.