في سياق النقاش حول التصعيد الأخير بين إسرائيل وإيران، عبّر محي الدين حجاج، المنسق الوطني لجبهة العمل الأمازيغي وعضو المكتب السياسي لحزب التجمع الوطني للأحرار، عن دعمه لشعار “تازة قبل غزة” وأيضا “تاوريرت قبل طهران”، معتبرا أن التضامن يجب أن يكون إنسانيا، ولكن في نفس الوقت “ليس على حساب أولويات الدولة الوطنية”، وذلك خلال استضافته في برنامج “مع يوسف بلهيسي” الذي يبث على منصات “مدار21”.
وأكد حجاج أن ما يشاركه هو ومجموعة من نشطاء الحركة الأمازيغية وعدد من المغاربة، هو التساؤل عما إذا كان من المفروض على المغاربة اتخاذ مواقف سياسية إزاء ما يقع في مختلف مناطق العالم، وخاصة الشرق الأوسط، متسائلًا: “هل هو قدر محتوم علينا، كمغاربة، أن نتخذ مواقف في كل صراع إقليمي لا تربطنا به حتى روابط جغرافية مباشرة؟”.
وأضاف أن الصراعات المتعاقبة في الشرق الأوسط، من بينها الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، وأخيرًا الصراع الإيراني-الإسرائيلي، دفعت شريحة واسعة من المغاربة إلى حالة من الإشباع الزائد في التعبير عن المواقف، حتى صار يُنتظر منهم التفاعل مع كل ما يحدث، معتبرًا أن هذا المسار غير سليم.
وشدد على أن البعد الجغرافي ليس مبررًا لعدم الاهتمام بما يقع في الشرق الأوسط، لكن هذه القضايا تتداخل فيها عناصر دينية وجغرافية وسياسية وعاطفية، مما يجعلها معقدة، داعيًا إلى أن تكون المواقف منطلقة من “مفهوم الدولة الوطنية”، لأن غياب هذا الأساس سيجعل المغرب عرضة للانقياد خلف أي اتجاه خارجي.
واستشهد بما حدث خلال التصعيد في قطاع غزة، موضحًا أن بعض المغاربة بلغوا درجة من الانقسام وصلت إلى مستوى خطير من التخوين والسبّ والشتم المتبادل، “وليس فقط من مواطنين عاديين، بل من أشخاص يُفترض أنهم مسؤولون عن تأطير المواطنين: سياسيون، إعلاميون، ومثقفون”.
أوضح حجاج أن هذا لا يعني المطالبة بقطيعة ثقافية مع المشرق، مؤكدًا أنه ليس المقصود هنا مفهوم عبد الله العروي بشأن القطيعة مع التراث، بل إن الأمر يتعلق بإعادة ترتيب الأولويات داخل المغرب، والانطلاق من زاوية وطنية.
وقال المنسق الوطني لجبهة العمل الأمازيغي: “نحن لسنا ضد التعبير عن المواقف من زاوية إنسانية، خاصة فيما يتعلق بما يقع في قطاع غزة، لكن ذلك لا ينبغي أن يكون نابعًا من إملاءات أيديولوجية أو دينية”.
وعند سؤاله عن سبب عدم صدور موقف رسمي من حزب التجمع الوطني للأحرار بشأن التصعيد في غزة، في الوقت الذي أصدرت فيه أحزاب أخرى مثل العدالة والتنمية، وحزب التقدم والاشتراكية، والفيدرالية، بيانات في الموضوع، قال حجاجي إن السؤال الحقيقي هو: “لماذا يُفترض في كل الأحزاب أن تتخذ مواقف من قضايا لا تُعد من صميم السياسة الخارجية للمغرب؟”
وأبرز عضو المكتب السياسي لحزب التجمع الوطني للأحرار أن الإشكال لا يتعلق فقط بالمواقف، بل أيضًا بما سماه “توجهًا لدى بعض الأحزاب والتنظيمات نحو إعطاء دروس للدولة والمجتمع في كيفية التعاطي مع الصراعات الإقليمية”، متسائلًا: “هل تمتلك هذه التنظيمات استقلالية حقيقية في مواقفها؟”.
وأكد المتحدث أن المعيار الحقيقي ليس الاستقلال عن الإدارة أو عن السلطة، وإنما هو “الاستقلال الوطني”، مضيفًا أن “من يتبنى مواقف أجنبية ويُسوّقها داخل البلد، لا يمكن أن يُعتبر مستقلاً، بل هو يُؤسّس لتبعية أيديولوجية أو مصلحية”.
وردّ على من يتهمون الحركة الأمازيغية بأنها تروّج لخطاب صهيوني أو تدعم التطبيع، بأن هذه الاتهامات متبادلة، وأن التخوين أصبح عملة رائجة في النقاش، قائلاً: “هناك من يتهمنا بأننا صدى للتيار الصهيوني، وهم أنفسهم يستخدمون نفس أدوات التخوين”.
وأوضح حجاج أن الحركة الأمازيغية، منذ بدايتها، عبّرت عن تضامنها مع القضية الفلسطينية من منطلق إنساني، وليس قومي أو ديني أو سياسي، مؤكدًا: “كنا ولا نزال نتضامن مع الفلسطينيين تضامنًا إنسانيًا، لكننا لا نقبل أن يتم حشرنا في خندق القومية العربية أو العمالة لأنظمة أجنبية”.
واتهم أطرافًا داخل المغرب بأنها جعلت من القضية الفلسطينية موردًا سياسيًا وأيديولوجيًا، خاصة من وصفهم بـ”أرامل أنظمة البعث في سوريا والعراق، وأرامل نظام القذافي”، الذين استغلوا القضية لأغراضهم الخاصة.
وأضاف: “العمالة لا تعني بالضرورة الخيانة، يكفي أن تكون غبيًا لتخدم عدو بلادك، وللأسف الغباء مستشرٍ عند البعض”.
وفي تعليقه على شعار “تازة قبل غزة”، قال حجاج: “نعم، تازة قبل غزة، توريرت قبل طهران، هذا ليس شعارًا ضد القضية الفلسطينية، بل هو إعادة ترتيب للأولويات، انطلاقًا من الهوية الوطنية”، وأضاف: “من لم يكن فيه خير لتازة، فلن يكون فيه خير لأي بلد آخر”.
وشدّد على أن التضامن يجب أن يكون من منطلق إنساني ومن داخل أولوياتنا الوطنية، وأردف: “التضامن لا يعني الانسلاخ من هويتنا، ولن أقبل أن يُصنَّف حبي لوطني كعداء لفلسطين”.
في رده على فرضية مشاركته في مبادرة إنسانية مثل سفن كسر الحصار على غزة، قال حجاج: “الله يسهل على من يريد فعل ذلك، لكنني شخصيًا لن أركب لا سفينة، ولا طائرة، ولا سيارة خارج المغرب… وإذا كنت سأقوم بحملة إنسانية، فستكون في أولاد فرج أو تازة أو مناطق مغربية أخرى”.
وأكد أن “مدينتي تازة لا تقع ضمن حدود 1948 ولا 1967، بل داخل تراب المملكة المغربية”، مضيفًا: “نحن ندافع عن قضايانا الوطنية أولًا، ونتضامن مع الفلسطينيين كدولة ومجتمع، وفق ما تتيحه إمكانياتنا وظروفنا، دون مزايدة أو تبعية”.