كشف وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، أن وزارة العدل، أعدت مشروع القانون المحدث للوكالة الوطنية لتحصيل وتدبير الأموال والممتلكات المحجوزة والمصادرة، لافتا إلى أن مشروع هذا القانون يستهدف تجاوز النواقص التي تعتري الممارسة العملية الحالية على مستوى رصد وتتبع العائدات الإجرامية والأموال والممتلكات التي استخدمت أو أعدت للاستخدام في أفعال جرمية وحجزها وتدبيرها ومصادرتها.
وأكد أن هذا المشروع يهدف لتحقيق النجاعة القضائية عن طريق تخفيف العبء على السلطات القضائية، وذلك بإحداث مؤسسة تختص بالتنسيق مع هذه السلطات لتنفيذ المقررات القضائية الصادرة عن مختلف محاكم المملكة والقاضية بالحجز أو المصادرة، كما تعمل على التحصيل والتدبير المركزي للأموال والممتلكات المحجوزة أو المصادرة أو الواقعة تحت إجراء تحفظي جنائي آخر كالعقل والتجميد وفق كيفية تراعي إمكانية التعاون الدولي في هذا المجال.
وقال وهبي، خلال كلمة له، اليوم الإثنين، في ورشة العمل الإقليمية حول “تتبع وتجميد وحجز ومصادرة الأصول الإجرامية”، إن هذه الوكالة المحدثة ستمكن من توفير قاعدة بيانات حول الأموال والممتلكات المحجوزة والمصادرة أو الواقعة تحت إجراء تحفظي جنائي آخر، “الأمر الذي سيسهم لا محالة في اقتفاء أثر العائدات الإجرامية وتوفير المعطيات الكافية لاتخاذ القرارات المناسبة بشأنها من قبل السلطات القضائية المختصة”.
وشدد على أن المواجهة الحاسمة لجريمة غسل الأموال لن تتأتى إلا من خلال تبادل التجارب بين الدول وربط أواصر التعاون بين مختلف السلطات القضائية والتنفيذية والتشريعية بهدف توحيد المساطر والإجراءات التي تسهل رصد وتتبع ومصادرة حركة الأموال غير المشروعة، في إطار مقاربة تشاركية بناءة بهدف إرساء تعاون إقليمي أكثر نجاعة من أجل تطويق هذه الجريمة العابرة للحدود مما سيساهم لا محالة في دفع عجلة التنمية في مختلف القطاعات بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
واعتبر المسؤول الحكومي أن لتنظيم هذه الورشة الإقليمية حول موضوع ” تتبع وتجميد وحجز ومصادرة الأصول الاجرامية”، أهمية بالغة من نواحي متعددة، سواء من حيث ظرفيته التي تتصادف مع مجموعة من التحولات التي يشهدها العالم وتأثيرها على المجالين المالي والاقتصادي، خاصة التغييرات الجوهرية التي طرأت على توصيات مجموعة العمل المالي المتعلقة بتجميد الأصول والحجز والمصادرة والتعاون الدولي بهذا الشأن خلال سنة 2023.
وأشار إلى أن ذلك يأتي في إطار السعي نحو حث دول العالم على وضع أنظمة أكثر فعالية لاسترداد الأصول المهربة وحرمان المجرمين من أشكال التمويل المختلفة، أو من حيث راهنتيه لاسيما الإشكاليات التي يطرحها موضوع الحجز والمصادرة في مجال غسل الأموال وهو ما يستدعي ضرورة مناقشة التحديات التي يطرحها الموضوع، وذلك من خلال تبادل الآراء حول السبل الكفيلة لمواجهتها.
في هذا الإطار، أثني على اختيار المغرب لعقد هذه الورشة خاصة بعد تتويج مجهودات المملكة في مكافحة جريمة غسل الأموال بخروجها من المتابعة المعززة وفق الآجال المحددة والذي جاء نتيجة مجهود مشترك لكافة المتدخلين في المنظومة الوطنية، كما أثمن الاختيار الموفق للمواضيع المبرمجة في جدول هذه الورشة.
ولفت إلى أنه لا يختلف اثنان على أن غسل الأموال والتدفقات المالية غير المشروعة يقوضان معظم الاقتصادات ومسارات التنمية في جميع أنحاء العالم وبقدر ما تنهك التدفقات المالية غير المشروعة مسارات التنمية فإن استرجاع الأصول المرتبطة بها يمكن أن يعزز فرص ونسق النمو، مضيفا أن استرجاع جزء صغير فقط من الأصول المكتسبة بصفة غير مشروعة والمرتبطة بنشاط إجرامي خطير سواء كان خارجي أم داخلي يمكن أن يوفر للبلدان النامية موارد إضافية هي في أمس الحاجة إليها.
وفي هذا السياق، أبرز أن إعطاء الأولوية لآلية تعقب الأصول المكتسبة بصفة غير مشروعة وضبطها ومصادرتها واستعادتها سيمكن لا محالة من تمويل الاحتياجات الإنمائية ذات الأولوية للدول، بالإضافة إلى تحقيق الردع العام وحرمان المجرمين من الانتفاع بالعائدات الجرمية.
واسترسل :”لا شك أن آليات الحجز والمصادرة والتجميد هي آليات فعالة لملاحقة مرتكبي الجرائم ووتجميد وحجز ومصادرة العائدات المتأتية منها ومكافحة هذا النوع من الجرائم، غير أنه يجب أن تتم وفق ضوابط قانونية توفر ضمانات للغير حسن النية وتحافظ في نفس الوقت على طبيعة هذه الاجراءات باعتبارها إجراءات وقتية”.
وسجل وزير العدل أن الممارسة العملية أفرزت مجموعة من المعيقات والإشكالات التي تحول دون تحقيق فعالية الحجز والمصادرة ولعل من أبرزها أن إجراءات الحجز والمصادر والتجميد تطول من حيث الزمان وهو ما قد يؤدي إلى تضرر مصالح الأغيار حسني النية أو في حالة التصريح ببراءة المتهم، أو تضرر الأشياء المحجوزة وفقدان قيمتها، لعلها تحديات يجب مواجهتها وإيجاد حلول قانونية وعملية حتى يتسنى تجاوزها من خلال وإرساء قواعد التعاون والتنسيق وتبادل التجارب والخبرات وتعميم الممارسات الفضلى في هذا المجال.
وذكر أن المملكة المغربية فاعل أساسي في المنظومة الدولية لمكافحة الجرائم ذات الصلة بغسل الأموال وتمويل الإرهاب، وعضو مؤسس لمجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وذلك وعيا منها بكون هذه الجرائم معقدة وتتطلب تكثيف وتوحيد الجهود وتفعيل التعاون الوطني والدولي من أجل حماية نزاهة الاقتصاد والنظام المالي الوطني والدولي.
وقال إن المملكة استطاعت تحقيق نتائج إيجابية بفضل جهود العديد من المؤسسات والفاعلين الوطنيين خاصة الهيئة الوطنية للمعلومات المالية ونتيجة احتكاكها مع تجارب أجنبية في بناء نموذج متميز للتعاون القانوني والقضائي الدولي سواء مع محيطه العربي والإفريقي أو مع دول الاتحاد الأوروبي وباقي دول العالم، سواء من حيث انخراطها في الممارسات الاتفاقية الدولية ذات الصلة بمكافحة الجريمة خاصة المنظمة أو من خلال تفاعلها مع الآليات الدولية.
وفي هذا الصدد، أشار إلى انضمام المملكة لشبكات استرداد الموجودات كالشبكة الإقليمية لاسترداد الأصول لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (مينا أرين) وذلك في إطار التعاون غير الرسمي، زيادة على إبرامها ما يفوق 80 اتفاقية ثنائية في مجال التعاون القضائي الدولي في الميدان الجنائي واعتماد مؤسسة قضاة الاتصال بالعديد من الدول الأوروبية وخلق لجن مشتركة ثنائية ومتعددة لتعزيز مجالات التعاون وتأهيل منظومتها القانونية الوطنية بآليات جديدة ومستحدثة.