النسخة التونسية من «الملوخية».. امتحان صعب «للعروس»

يعتبر «صحن الملوخية» أحد أكثر الأطباق تميزاً وفرادة في المطبخ التونسي وفي المنطقة العربية عموماً، ليس بسبب مكوناته فحسب، بل لما يحمله هذا الطبق من خصائص إعداد فريدة ورمزية ثقافية وحضارية ضاربة في عمق التقاليد التونسية العريقة التي تتجاوز حدود المذاق لتلامس أبعاداً اجتماعية وأحياناً «روحية» تعبّر عن هوية كاملة تتناقلها الأجيال، تُحضّرها الأمهات والجدات بنفس طويل، لتقدم على مائدة عامرة بالقصص والضحكات، وتعد شاهداً على أن المطبخ في بعض المجتمعات غذاء للمعنى والانتماء قبل أن يكون غذاء للجسد.

تقنيات وطقس

يتميز إعداد طبق الملوخية في تونس بطقس خاص لا يخلو من طابع احتفالي فريد في كل بيت، لارتباط الملوخية بأهم وأبرز المناسبات العائلية، حيث تطحن أوراق الملوخية المجففة لتتحول إلى مسحوق ناعم، يتم قليه ببطء في الزيت حتى يتحمص وتفوح رائحته لتملأ أركان البيت، معلنة عن جاهزية أهله لمأدبة استثنائية تبهج الروح قبل أن تملأ البطون، وانتظار الجيران من حولهم لصحن ساخن.

بعد تحميص الملوخية بحركة يد بطيئة مع الزيت، يتم «مرقها بالماء» مرة أو مرتين في مرحلة أولى، ثم تجهيز اللحم وتقطيعه لخلطه بالتوابل المحلية الأصيلة وأوراق الغار والثوم ومعجون الطماطم (حسب الرغبة)، لتدخل الملوخية آنذاك في مرحلة طهي بطيئة تستمر ساعات على نار هادئة وصولاً إلى «بزوغ زيتها» على السطح وتحولها إلى حساء داكن اللون، كثيف القوام، غني بالنكهة، يقدم مع لحم البقر أو الضأن أو لحم رأس الخروف أو حتى «الكرشة» (أحشاء الخروف)، ليرافق بخبز بلدي يتم تغميسه مباشرة في الطبق.

وخلافاً لما هو شائع في بعض الدول العربية التي تطهى فيها الملوخية خضراء، خفيفة القوام تقدم مع الأرز والدجاج، تبدو «النسخة التونسية» من جهة أكثر تماسكاً بالقوام والطعم.

فحص العروس

وإضافة إلى رمزية الملوخية في الثقافة التونسية، فإنها من أبرز الأطباق التي تروى حولها القصص والنوادر، ومن أبرز الطرائف التي يرويها المجتمع التونسي والأمهات والجدات في تونس، ارتباط تحضيرها بامتحان منزلي يتم خلاله تقييم جاهزية «العروس» لاختبار مهارتها في الطبخ، خاصة في الأوساط التقليدية التونسية، وذلك في إشارة مرحة إلى أن «من تتقن إعداد الملوخية تتقن كل شيء»، في إشارة لمدى الدقة والصبر اللذين يتطلبهما هذا الطبق، إذ إن أدنى خطأ في تقليب المسحوق أو توقيت إضافة الماء قد يفسد القوام والطعم.

مكانة عاطفية

لعل أبرز ما يلفت الانتباه في تجربة الملوخية التونسية عموماً ليس فقط تقنية طبخها، وإنما كذلك المكانة التي تحتلها في البيت ولدى العائلة، فهي طبق خاص يرتبط بالفرح والاحتفاليات يعد في الأيام العادية وكذلك في المناسبات الخاصة مثل احتفاليات العائلات بالسنة الهجرية، وعودة أحد الأحباب والأهل وأفراد الأسرة من الغربة، أو حتى خلال احتفاء البعض بميلاد طفل جديد، وفي كل مرة من هذه المرات تبرز الملوخية كأيقونة للدفء العائلي، لتطهى بنفس الصبر.

وعلى الرغم من تسلل بعض مظاهر الحداثة والعادات السريعة إلى المطبخ التونسي، لاتزال الملوخية تحتفظ بمكانتها الأثيرة بين أطباق المطبخ التونسي الأصيل حتى بين أوساط الأجيال الشابة من النساء، اللاتي يتزايد لديهن الحرص على تعلم طريقة إعدادها وإتقان مراحلها من الأمهات والجدات المحنكات دون تسرع أو تبسيط، في عودة ضمنية إلى الجذور، ورغبة في صون أدق التفاصيل الثقافية والإنسانية.

• رغم مظاهر الحداثة والأطباق السريعة لايزال لـ«الملوخية» منزلتها الأثيرة في المطبخ التونسي حتى بين أوساط الأجيال الشابة من النساء.

Google Newsstand

تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news

Share


تويتر


عن ثراء زعموم

Check Also

تأجيل افتتاح المتحف المصري الكبير

أعلنت وزارة السياحة والآثار في مصر، تأجيل موعد الافتتاح الرسمي للمتحف الكبير في البلاد، إلى …

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *